الدروس المستفادة من العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا بعد انقلاب عام 1960

الأربعاء 27 يوليو 2016 02:07 ص

في مناقشة أحداث الانقلاب الأخير في تركيا، لاحظ بعض المراقبين الشبه اللافت للنظر مع انقلاب عام 1960. في هذا الانقلاب، وهو الأول من عدة انقلابات في تاريخ الجمهورية التركية، أطاحت مجموعة من الضباط ذوي الرتب المتوسطة بالحكومة الشعبية المنتخبة ديمقراطيًا التي أصبحت سلطوية على نحو متزايد وتعتمد على الخطاب الديني. ولكن على النقيض من محاولة الانقلاب الأخيرة، نجح المتآمرون عام 1960، وخلقوا تحديًا مبكرًا لالتزام حلف شمال الأطلسي بالخطاب الديمقراطي المثالي الخاص به. تجلى هذا التوتر في مذكرة محادثة أول سفير أمريكي مع الجنرال التركي الذي تحول إلى رئيس جديد في شهر مايو/أيار من عام 1960. توضح هذه الوثيقة مدى رغبة واشنطن للعمل مع الحكومة الجديدة، الأمر الذي يسلّط الضوء على بيان وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» مؤخرًا إلى أنقرة بشأن «شرط الديمقراطية» الخاص بحلف شمال الأطلسي.

قبل انقلاب عام 1960، كان رئيس الوزراء التركي «عدنان مندريس» زعيمًا مواليًا للولايات المتحدة. ومنذ وصوله إلى السلطة في أول انتخابات ديمقراطية في تركيا قبل عشر سنوات، كان قد أجرى إصلاحات في السوق الحرة وجلب تركيا إلى حلف شمال الأطلسي. ليس من المستغرب أنّه كان محبوبًا من قِبل الحكومة الأمريكية، ولاسيما لدى السفير الأمريكي لدى تركيا «فليتشر وارن»، الذي رأى البعض في السفارة أن يستوعب عيوب رئيس الوزراء التركي بشكل جيد. وعلى عكس نظريات المؤامرة التركية بأنَّ الولايات المتحدة دعمت الانقلاب (يتردد صدى هذه النظريات اليوم)، ذكر أحد الدبلوماسيين أنّه إذا سمع «وارن» تحذيرات مسبقة عن إمكانية حدوث انقلاب، لأرسلها على الفور إلى «مندريس». ونتيجة لذلك، انتشرت شائعة أنّه فور الاستيلاء على وزارة الخارجية، تحقق قادة الانقلاب على الفور من المحفوظات لضمان عدم وجود معاهدة سريّة تضمن تدخل واشنطن للدفاع عن وكلائها.

في البداية، شعرت حكومة الولايات المتحدة بالقلق من أنَّ القادة العسكريين الجدد لتركيا قد يأخذون البلاد في اتجاه موالٍ للاتحاد السوفيتي. وفي البيان الأول من المتآمرين تعهدوا بالتزامهم تجاه منظمة حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي ساعد في تهدئة هذه المخاوف، إلى جانب حقيقة أنَّ العديد من قادة الانقلاب شاركوا في برامج التدريب العسكري الأمريكي. ونتيجة لذلك، في الوقت الذي التقى وارن مع «جمال غورسيل»، زعيم تركيا الجديد، بدا سعيدًا بهذا اللقاء. بدأ السفير بالثناء على «غورسيل» لتنفيذ «الانقلاب الأكثر دقة، والأكثر كفاءة، والأكثر سرعة» الذي رآه في حياته. إذا كان لم يكن كافيا وحه لطمأنة الجنرال، فقد أشار «وارن» مرتين إلى أنّه لم يتواجد هناك لخلق صعوبات، ولكن من أجل محاولة المساعدة في حلها.

ومع ذلك، لم تكن كانت تصريحات السفير مجرد بيان من الدعم غير المشروط. لقد حذّر «وارن» من أنّه بمجرد انتزاع السلطة، سيواجه الجيش ضغوطًا متزايدة للقيام بذلك كلما تعثرت العملية السياسية في المستقبل. هذا التحليل كان استشرافيًا نظرًا لأنَّ تركيا شهدت مجموعة من الانقلابات اللاحقة في عام 1971 و1980 و1997. وعلاوة على ذلك، أثار «وارن» حقيقة أن الانقلاب قد يعقّد الجهود الرامية للحصول على دعم من الكونغرس من أجل المساعدات الاقتصادية والعسكرية، داعيا إلى «الانتقال بسرعة إلى انتخابات نزيهة وصادقة».

المسألة الأكثر حساسية هي مصير «مندريس». وعدَ «غورسيل» بعدم إساءة معاملته، ومنحه «كوخا على شاطئ البحر مع حمّام حيث يمكن أن يقيم فيه مع عائلته إذا رغب في ذلك». وبدلًا من ذلك، تمّ إرسال «مندريس» إلى سجن بجزيرة حيث تمّت فرضت رقابة على رسائله إلى عائلته وفي نهاية المطاف حُكم عليه بالإعدام. عندما حُكِم «على مندريس»، شعر الرئيس الأمريكي «جون كنيدي» بالمسؤولية تجاه صديق أمريكا السابق وطلب من الحكومة العسكرية إنقاذ حياته. وعندما رفضوا ذلك، قررت واشنطن في نهاية المطاف فرض المزيد من الضغوط.

راود شبح إعدام «مندريس» تركيا طويلًا، وفي السنوات الأخيرة كان «أردوغان» مولعًا بالاحتجاج به باعتباره شهيدًا ديمقراطيًا. والآن، وبعد محاولة الانقلاب التي تعرّضت فيها حياة «أردوغان» نفسه للخطر، فإنّه بلا شك يشعر بالتشابه مع انقلاب عام 1960. وقد شنّ المسؤولون الأتراك بالفعل سلسلة من الاتهامات حول تورط الولايات المتحدة في الانقلاب الأخير. تشير وثيقة 1960 إلى التاريخ وراء هذا الغضب والشكوك، وتشير أيضًا إلى أنه مهما أصبح سلوك «أردوغان» سلطويًا في فترة ما بعد الانقلاب، فإنّه من غير المرجح أن يعارض متطلبات الديمقراطية الخاصة بحلف الناتو.

المصدر | وور أون ذا روكس/ ترجمة إيوان 24

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان مندريس انقلاب تركيا

«الإندبندنت»: فشل انقلاب تركيا أنقذ المنطقة من تداعيات كارثية

فشل الانقلاب: الطبقة الوسطى المتدينة ترسم مستقبل تركيا على حساب النخبة الكمالية

«فورين أفيرز»: لماذا فشل الانقلاب العسكري في تركيا ونجح في مصر؟

«واشنطن بوست»: لماذا فشل الانقلاب الأخير في تركيا؟