«ستراتفور»: سوق الطاقة يدير نفسه بنفسه.. و«أوبك» لا تملك فعل شيء حيال ذلك

الخميس 11 أغسطس 2016 10:08 ص

بعد عامين من استقرار انخفاض أسعار النفط عند مستويات خطيرة، تتزايد الضغوط على التكتل المهيمن على صناعة النفط من أجل اتخاذ قرارات أكثر حسما. سوف يجتمع أعضاء في «أوبك» في الجزائر في سبتمبر/أيلول المقبل في إطار اجتماع غير رسمي في الوقت الذي يواصل فيه بعض الأعضاء إطلاق دعواتهم المألوفة لتجميد الإنتاج. بالنظر إلى انخفاض الأسعار منذ اجتماع «أوبك» الأخير في يونيو/حزيران، فإن اتخاذ تدابير يبدو أمرا حكيما وفي وقته المناسب. انخفضت الأسعار بنسبة 21% منذ 8 يونيو/حزيران إلى مطلع أغسطس/آب وصولا إلى 40 دولارا لخام برنت. وعندما أعلنت منظمة «أوبك» أنها سوف تجتمع من جديد بين يومي 26-28 سبتمبر/أيلول في الجزائر العاصمة على هامش منتدى الطاقة الدولي، ارتفعت الأسعار ترقبا لاحتمال حدوث تنسيق جماعي.

ولكن رغم الإشارات الأخيرة من المنتجين إلى محاولة تنسيق عملية التجميد، فإن حشد التأييد السياسي لتطبيقه الآن سوف يكون أمرا صعبا. فشلت المحادثات بشأن اتفاق محتمل بين أوبك والدول غير الأعضاء في أوبك لتجميد الإنتاج في إبريل/نيسان بسبب إصرار المملكة العربية السعودية على دخول إيران ضمن الاتفاق. رفضت إيران ذلك، وبدلا من ذلك أصرت على رفع إنتاجها إلى سابق مستوياته في مرحلة ما قبل العقوبات.

ويعد تجميد الإنتاج أحد أدوات رفع أسعار الطاقة خلال الأزمات طويلة الأمد. الفكرة هي أنه في حال وافق جميع المنتجين على الحد من إنتاجهم عند المستويات الحالية، فإنه لا أحد سوف يتحرك عند ارتفاع الأسعار لزيادة حصته السوقية على حساب الآخرين. وكان تنفيذ هذه الخطة أمرا شبه مستحيل في وقت سابق، ولكن في الوقت الراهن، وحتى دون اتفاق، فإن هناك تجميدا نسبيا بحكم الأمر الواقع. لدى المنتجون الرئيسيون للنفط في الخليج، المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، القدرة على زيادة الإنتاج لتوسيع حصتهم في السوق ومع ذلك فإنهم يحجمون مفضلين الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية.

تصحيح طبيعي لكنه بطيء

تبقى الحقيقة الصادمة التي تواجه منتجي النفط هي أن عملية تعافي السوق سوف تكون مؤلمة وبطيئة. كل المؤشرات تدل على أن الانتعاش يحدث. يقترب إنتاج إيران من الوصول إلى مستويات ما قبل العقوبات، وانخفض الإنتاج الأمريكي بشكل ملحوظ استجابة لانخفاض الأسعار. تصرفات المنتجين في الولايات المتحدة، يبدو أنها تقدر الحد الأقصى للأسعار بما بين 50 إلى 60 دولارا على المدى القصير. ورغم ذلك، تبقى المخزونات مرتفعة، وسوف تستغرق شهورا لأجل استنفاذها ما سيحافظ على ارتفاع العرض وانخفاض الأسعار على الرغم من العودة المنتظرة لتوازن العرض والطلب على مدار العامين المقبلين.

وهنا تكمن المشكلة بالنسبة لأوبك. حتى مع اتفاق المنتجين على أن السوق يقوم بتصحيح بنفسه، فإن «أوبك» لا تملك ما يكفي من القوة لتسريع هذه العملية. سوف يكون أي جهد تعاوني لخفض الإنتاج فعالا فقط إذا لم يقم باقي المنتجين بالاستجابة برفع إنتاجهم لحظة زيادة الأسعار. في هذه الحالة، يجب أن ترتفع الأسعار أكثر بكثير من 50 إلى 60 دولارا، وسرعان ما سيبدأ المنتجون في الولايات المتحدة في الاستفادة من ارتفاع الأسعار. طالما ظلت هذه الآلية قائمة فإن أيا من المنتجين لن يكون راغبا في خفض الإنتاج خوفا من فقدان حصته السوقية. في البيئة الحالية، يبقى خفض النتاج غير محتمل، كما أن أي اتفاق للتجميد لن يكون له تأثير كبير لأن هناك تجميد فعلي بتأثير قوى السوق.

على السطح يبدو وكأن المملكة العربية السعودية وحلفاءها الخليجيين يحاولون زيادة حصتهم في السوق. منذ شهر أبريل/نيسان، ارتفع الإنتاج الكلي لـ«أوبك» بنسبة تقدر بـ470 ألف برميل يوميا جاء معظمها من دول مجلس التعاون الخليجي. في يوليو/تموز، زادت السعودية إنتاجها اليومي بمعدل 230 ألف برميل، وصولا إلى 10.43 مليون برميل يوميا. قامت كل من الكويت والإمارات برفع إنتاجهما بمعدل 130 ألف برميل يوميا وصولا إلى 2.9 مليون برميل و2.93 مليون برميل على الترتيب.

ولكن كما اتضح، فإن هذه البلدان كانت تصوب فقط شذوذاتها السابقة. انخفض إنتاج دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل مصطنع قبل يوليو/تموز نتيجة الصيانة في حقل مربان ما تسبب في تناقص 350 ألف برميل من قوتها الإنتاجية. وتعثرت أرقام الإنتاج في الكويت لشهر أبريل/نيسان بسبب إضراب عمال النفط. أما السعودية، وحتى قبل أن تصعد إنتاجها، كانت تضخ بالفعل 10.5 مليون برميل يوميا من النفط في السوق اعتمادا على المخزونات.

ببساطة، فإن منتجي «أوبك» هم الوحيدون الذين يملكون طاقة إنتاجية فائضة تسمح بزيادة والمنافسة على حصة سوقية إضافية، وقد امتنعوا عن القيام بذلك. بدلا من ذلك، اختارت هذه الدول الحفاظ على الإنتاج عند المستويات الحالية والسماح للسوق بتصحيح نفسه وهي الاستراتيجية التي اعتمدت في نوفمبر/تشرين الثاني 2014. وحتى مع انخفاض الأسعار، فإنهم لم يقوموا بتغيير خططهم.

القيود على الانتعاش العالمي

تراجع إنتاج الدول غير الأعضاء في «أوبك» يعد دليلا آخر على أن استراتيجية الدول الخليجية تعمل. وانخفض إنتاج الولايات المتحدة بمعدل 500 ألف برميل يوميا وصولا إلى 8.46 مليون برميل يوميا منذ إبريل/نيسان، ومنخفضا عن الذروة التي بلغها في يونيو/حزيران 2015 بمعدل 1.1 مليون برميل يوميا. ورغم ذلك، تباطأت هذه الاتجاهات بشكل ملحوظ في خلال الشهر الماضي بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى 50 دولارا ما أدخل بعض الحقول داخل النطاق المربح. حين ترتفع أسعار النفط، فإن المنتجين في الولايات المتحدة يقومون بضخ المزيد من النفط ما يسبب عودة استقرار الأسعار مرة أخرى. في ظل هذه الظروف، من غير المرجح أن ترتفع الأسعار إلى ما فوق 50-60 دولارا للبرميل دون استجابة ماثلة.

وحتى إيران، التي تفاخر بالزيادة المستمرة في معدلات إنتاجها منذ رفع العقوبات، شهدت تباطؤا أيضا. في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، ارتفع إنتاجها بنحو 640 ألف برميل يوميا. ومنذ ذلك الحين، فقط ارتفع بمعدل 50 ألف برميل يوميا فقط. من أجل زيادة الإنتاج بشكل أسرع، تحتاج إيران إلى استثمارات جديدة سوف تحتاج إلى سنوات حتى تظهر آثارها.

وأخيرا، في الوقت الذي يتطلب فيه أي تجميد للإنتاج الوصول إلى اتفاق بين طهران والرياض والكويت وأبو ظبي، فمن المرجح أن أعضاء أوبك الأقل وزنا، ليبيا والعراق ونيجيريا، سوف يسهمون في المزيد من زيادة الإنتاج من قبل المنظمة. سواء بسبب المخاوف الأمنية أو الأضرار في البنية التحتية، فإن تلك الدول لا يزال لديها قدرات إنتاجية غير مشغلة. أظهرت ليبيا ونيجيريا بالفعل بوادر للتحرك نحو زيادة إنتاجهما. على الرغم من أي إنتاج إضافي من هذه الدول الثلاثة سوف يكون بطيئا، فإنه سوف يفرض المزيد من القيود على مسار الانتعاش البطيء في أسواق النفط.

في غضون ذلك، فإن الدول الأكثر فقرا في «أوبك» سوف تستمر في مطالباتها للمنظمة بالعمل على استقرار الأسواق. من المرجح أن دولا مثل الإكوادور وفنزويلا سوف تكرر هذه الدعوات في اجتماع «أوبك» في الجزائر في سبتمبر/أيلول القادم. ولكن لا يبدو أن «أوبك» تملك الكثير لتفعله غير قبول واقع السوق الجديد، وهو ما فعلته المملكة العربية السعودية ودول الخليج بالفعل.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

أوبك أسعار النفط السعودية دول الخليج النفط الصخري

النفط يرتفع بعد تجدد دعوات لتجميد إنتاج «أوبك»

مؤتمر «أوبك» يؤكد جدوى السياسة النفطية السعودية

«أوراسيا ريفيو»: كيف تهدد عودة إيران هيمنة السعودية على أوبك؟

3 أسباب تحرم أوبك من تنظيم سوق النفط

«ستراتفور»: أزمة النفط تهدد الاستقرار السياسي في دول أوبك

«جلوبال ريسك»: 3 أسباب تمنع «أوبك» من تحديد سقف لإنتاجها النفطي

النفط يتراجع مع تلاشي التكهنات بشأن تجميد الإنتاج

«مورجان ستانلي» يستبعد توصل «أوبك» إلى اتفاق لتجميد الإنتاج

«أوبك»: إيران أكدت مشاركتها في اجتماع المنظمة المقبل في الجزائر