بعد قرار دول مجلس التعاون الخليجي بفرض ضريبة القيمة المضافة اعتباراً من بداية عام 2018 طرحت بعض التساؤلات حول جدوى فرض مثل هذه الضريبة على المبيعات، والتي تطبق في معظم بلدان العالم، وتساهم في توفير موارد إضافية لميزانية الدولة ودعم وضعها المالي، بالإضافة إلى تقنين الاستهلاك المفرط.
وإذا كانت نسبة هذه الضريبة تصل إلى 20% في بعض الدول الأوروبية، فأنها لن تتجاوز 5% في دول مجلس التعاون، إلا أنها ستساهم بصورة فعالة في توفير موارد مالية مهمة ستعزز من الأوضاع الاقتصادية في هذه البلدان وتقلل من الاعتماد على العائدات النفطية، حيث ساعد ذلك على الوصول إلى اتفاق شامل بين الدول الست التي ترى بأن الوقت قد حان للأخذ بهذه الأداة المالية بغض النظر عن التطورات المستقبلية لأسعار النفط.
وبالإشارة إلى التوقعات، فإنه من المتوقع أن تبلغ عائدات دول المجلس من فرض ضريبة القيمة المضافة بين 50-55 مليار درهم (14 – 15 مليار دولار) سنوياً تقريباً تتفاوت وفق حجم اقتصاد كل دولة، إلا أن العائد من هذه الضريبة سيشكل نسبة مهمة من تمويل الموازنات السنوية، وهو ما سيؤدي إلى خفض العجز ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر يُقاس به قوة الاقتصاد المحلي، حيث ارتفعت نسبة هذا العجز إلى معدلات عالية في السنتين الماضيتين بسبب الانخفاض الكبير في عائدات النفط.
وبما أن هذه الضريبة لن تشمل السلع الأساسية، كالأغذية والمشروبات والأدوية والضروريات الأخرى، فإن تأثيراتها على مستويات المعيشة ستكون محدودة، على اعتبار أن تعزيز موارد الدولة سيتيح تنفيذ بعض المشاريع التنموية التي ستوفر المزيد من فرص العمل وتساهم في زيادة معدلات النمو، كما أن ذلك سيحسن من طبيعة الخدمات العديدة التي تقدمها الدولة بصورة مجانية إلى المواطنين والمقيمين، وبالأخص في مجالات الصحة والتعليم وخدمات البنية الأساسية الأخرى.
أما عن السلع الكمالية والتي ستفرض عليها ضريبة القيمة المضافة، فإن ذلك سيؤدي إلى ترشيد استخدامها واستهلاكها ضمن المدة المحددة لعمرها الزمني، وذلك بدلاً من الإسراف في استخدام السلع الكمالية والتي تؤثر في الميزان التجاري بسبب زيادة الواردات.
من الناحية الفنية، فإن انتهاج نظام ضريبة القيمة المضافة سيساعد كثيراً على وضع حسابات وطنية أكثر دقة للبيانات الاقتصادية الخاصة بالناتج المحلي الإجمالي، والتي تعاني حالياً تقلبات في التقييمات من قبل أكثر من جهة ذات علاقة بالإحصاءات الاقتصادية في دول المجلس.
إضافة إلى ذلك، فإن هذا التطور المالي المرتقب، الذي سيطبق بعد ستة عشر شهراً من الآن يعبر عن ضرورة موضوعية للتحضير لمرحلة ما بعد النفط، والتي بدأت عملياً في دول المجلس من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات المستقبلية التي تصب في هذا المسار التنموي المهم والضروري للاستقرار والنمو، إذ إن الأمر لا يقتصر على اتخاذ خطوات عملية لتغيير النمط الاستهلاكي السابق، وإنما في الوقت نفسه تغيير النظرة المجتمعية الاستهلاكية بشكل عام والتجاوب بإيجابية مع توجهات الدولة، وعدم الاتكال على الدعم الحكومي المستمر منذ سنوات طويلة.
فالظروف الحالية تتطلب ترشيده بصورة كاملة وحسن الاستفادة منه ودعم قطاع الخدمات الذي يكلف ميزانية الدول مبالغ طائلة بموارد مالية دائمة ومستقرة، إذ إنه من المعروف أن معدلات استخدام مرافق البنى الأساسية، وبالأخص الكهرباء والمياه، هي الأعلى من بين دول العالم، ما يتطلب تقنينها ضمن التوجهات الجديدة التي تم تبنيها في دول المجلس كافة، فالإجراءات العملية، بما فيها المالية لا بد وأن يرافقها تفهم ووعي اجتماعي وثقافي لتستكمل صورة الاقتصادات الخليجية المستقبلية غير المعتمدة على النفط.
* د. محمد العسومي استشاري اقتصادي من الإمارات.