استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

معارك الغرب مع الإسلام من الحجاب إلى النقاب إلى البوركيني

الثلاثاء 30 أغسطس 2016 05:08 ص

قد لا يبدو للبعض ان اجبار امرأة مسلمة على خلع لباسها الشرعي امام الآخرين قضية كبيرة او انها عنوان لمشكلة اخلاقية وقيمية كبرى مختزنة في اللاشعور لدى «العالم الحر»، إلا ان مدلولاتها لا يمكن التقليل منها، خصوصا في مرحلة تتطلب من الحريصين على امن العالم واستقراره تعاونا وتقاربا واعترافا حقيقيا متبادلا بالوجود.

وحين اقدمت الشرطة الفرنسية على اجبار امرأة مسلمة في منتصف العمر على خلع لباس السباحة الذي تعتبره «ضرورة شرعية» فانهم ارتكبوا مخالفات عديدة اهمها حرمان المرأة من حقها في اختيار ما تريده من لباس. ومع ان القوانين الغربية تسمح بلباس السباحة المعتاد لدى الغربيين، إلا انها لا تفرضه، والقانون لا يحدد اشكاله ومقاساته.

ويلخص كاريكاتير صحيفة «التايمز» يوم الجمعة الماضية مضمون ما حدث، فهو يظهر الشرطة الفرنسية وهي تنزع قطعة القماش التي تلف تمثال الحرية الأمريكي، فتظهر خفايا جسدها. الرسالة واضحة: ان فعل الشرطة الفرنسية قام بتعرية المفاهيم الغربية للحرية وكشف مستورها.

وهي رسالة واضحة تكشف ضحالة الالتزام بقيم الحرية التي طالما تشدق الغربيون بها. وفي عالم تسوده اعمال العنف والإرهاب والتطرف، تبرز الحاجة الشديدة لقيم التسامح والاعتدال والاحترام المتبادل، والتخلي عن لغة العنف والاجبار والاكراه.

والسؤال هنا: ما العمل مع من يصر على الالتزام بالقيم الدينية التي يؤمن بها؟

تجدر الاشارة إلى ان من بين اقوى الحجج التي يطرحها دعاة العلمانية انها تسمح بحرية المعتقد والممارسة، بينما الامر ليس كذلك حين يحكم «الدينيون». ومن الادلة على ذلك ان المسلمين يمارسون حريتهم في الانتماء والعبادة والتعبير في الدول الغربية، بينما لا يتمتع غير المسلمين بحرية مماثلة تحت حكم بعض الانظمة او المجموعات التي تدعي انتماءها للإسلام.

فالمساجد منتشرة في البلدان الغربية، وكذلك المظاهر الشرعية. وفي الاسبوع الماضي اعلنت السلطات الاسكوتلاندية انها اعتبرت الحجاب الشرعي واحدا من ازياء الشرطة، وظهرت شرطيات محجبات يمارسن دورهن بدون مضايقة. مع ذلك لا يمكن التغاضي عن وجود نزعات ضد هذا التوجه.

وقد ظهر ذلك علنا الشهر الماضي عندما ظهرت فتاة مسلمة وهي تبث اخبار القناة الرابعة البريطانية. كان مشهد السيدة فاطمة مانجي المحجبة وهي تقرأ نشرة اخبار الساعة السابعة للقناة، وهي الاهم لديها، مثيرا لاعجاب الكثيرين، ومقززا لدى البعض. وكتبت تعليقات كثيرة اظهرت امتعاض البعض من السماح لامرأة محجبة بالظهور عبر شاشة قناة اساسية بريطانية، في الوقت الذي كانت عمليات إرهابية قد حدثت باسم الإسلام.

السجال كان محرجا للجميع، الامر الذي دفع السيدة المذكورة لاصدار بيان شكرت فيه من شارك في ذلك السجال وعبرت عن اعتزازها بالحرية المتاحة لها.

من هنا شعر دعاة العلمانية بحرج شديد ازاء مشهد الشرطي الفرنسي ومعه عدد من زملائه مدججين بالسلاح وهم يقفون على رأس امرأة واحدة في الزحام الصيفي على شاطئ مدينة ليصدروا لها اوامر عسكرية بنزع ما تعتبره لباسا شرعيا. وكما يقال، فرب ضارة نافعة، لأن مشهد المرأة التي امتثلت للاوامر حظي بتعاطف الكثيرين حتى من مناوئي الزي الشرعي، لأنها بدت مغلوبة على امرها من قبل عناصر تملك من السلاح والدعم السياسي ما يهدد حقها المشروع في الاختيار والتصرف.

وتعبيرا عن التضامن مع الزي الشرعي، نزل عدد من الراهبات إلى البحر بملابسهن الدينية للتأكيد على حق المرأة في اختيار ما يناسبها من لباس. فالحديث عن حقوق المرأة لا ينسجم مع السعي المتواصل لفرض اجندة محددة عليها.

وهذا يتناقض مع الحملة التي نظمت ضد قانون «الولاية» المعمول به في السعودية والذي يفرض قيودا على المرأة في قضايا الزواج والسفر. جاء ذلك في ضوء تقديم مشروع قانون لمجلس الشورى يمكّن السعوديات من الحصول على جواز سفر من دون موافقة «ولي الأمر». ومن شأن مشروع القانون هذاأن ينهي التناقض القائم بين القانون المعمول به حاليا ونظام الجنسية السعودية الذي اشترط بلوغ سن الرشد (18 عاما) فقط وبغض النظر عن الجنس للحصول على جواز السفر السعودي.

جمهورية فرنسا التي تعتبر نفسها حامية للعلمانية ارتكبت في العقدين الاخيرين ما يناقض مبادئ الحرية وقيمها. فحين تصدر قانونا يمنع الفتيات من ارتداء الزي الشرعي وتحرمهن من الالتحاق بالمدارس والجامعات بسبب حجابهن فان ذلك يعتبر مناقضا لروح الحرية التي ترفع فرنسا شعارها. ففي العام 2004 اصدرت فرنسا اول قانون يمنع ارتداء الحجاب، وتوسع منع الحجاب في دول اوروبية عديدة. 

هذا يعني ان المرأة اصبحت تعاني من الاضطهاد بعنوان الحرية، وتجبر على انتهاج سلوك لا ترتضيه. وكثيرا ما روج الغربيون مقولة ان الحجاب تعبير عن اضطهاد المرأة في العالم الإسلامي، مع ان ارتداءه قرار شخصي من الفتيات والنساء، وحالات الاكراه نادرة جدا. وكانت دول عربية وإسلامية تمنع ارتداء الحجاب، خصوصا خلال نصف القرن ما بين سقوط الدولة العثمانية (1923) وظهور الصحوة الإسلامية في مطلع السبعينات. 

فقد منعته تونس في 1981 (خلال حكم الحبيب بورقيبة) وألغي القانون في العام 2011.

ووفقا للمبادئ الدستورية العلمانية الرسمية قامت الحكومة التركية بمنع دخول النساء اللاتي يرتدين الحجاب إلى اماكن العمل في القطاع العام. وينطبق الحظر على المعلمين والمحامين والبرلمانيين وغيرهم. تم توسيع الحظر ليشمل منع ارتداء الحجاب في الخدمة المدنية والمؤسسات التربوية والسياسية غير التابعة للدولة. وقامت الحكومة التركية بطرد المحاميات والصحافيات اللاتي رفضن الامتثال للحظر المفروض من من قاعات المحاكم والجامعات. 

في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات ازداد عدد طالبات الجامعات الذين يرتدون الحجاب بشكل كبير وفي عام 1984 جاء أول قرار بحظر الحجاب في الجامعات الذي طبق على نطاق واسع ليشمل عددا من القطاعات. ورفع الحظر عن ارتداء الحجاب في العام 2008 بشكل نهائي. وفي هولندا يمنع أعضاء المحكمة من ارتداء الحجاب بحجة حيادية الدولة.

من المؤكد ان ارتداء الحجاب يوحي بهوية دينية محددة، ولكن هل انه يروج التطرف والإرهاب؟ هذا الادعاء يروجه معارضو المشروع الإسلامي من الغربيين، برغم ان الكنيسة نفسها تقف مع الحجاب. وبعد صدور قرار منع ارتداء «البوركيني» في فرنسا تعمد عدد من الراهبات النزول إلى البحر بلباسهن الكنسي تعبيرا عن التضامن مع المرأة المسلمة المستهدفة في انتمائها الديني.

والحجاب الشرعي السائد بين الناس لا يعبر عن التطرف، بل عن الانتماء الديني للمسلمين. ومن المؤكد ان العناصر الإرهابية ستتخذ من الحوادث المرتبطة بالزي الشرعي، ذريعة لممارسة المزيد من جرائم القتل والتدمير. ومشكلة تمدد تيارات العنف والتكفير ليس توسع دائرة الانتماء الديني بل ان ذلك مرتبط باجندات دول تسعى لتوسيع نفوذها الاقليمي والدولي باستخدام تيارات العنف ادوات ضد مناوئيها. وعلى الغرب ان يكون صادقا مع اطروحاته وشعاراته، وملاحظة عدد من الحقائق:

الاولى: ان من حق النساء المسلمات ممارسة حقهن في الحياة ومن ذلك ممارسة الرياضة ضمن قيم الشرع الإسلامي. وكشفت مشاركة فرق نسائية في الدورة الاولمبية التي اقيمت مؤخرا في ريو ديجانيرو البرازيلية امكان المواءمة بين قيم الدين ومستلزمات العصر.

الثانية: ان الغرب يضغط دائما على الوجودات الإسلامية في دوله للانخراط في المجتمعات وعدم التقوقع ضمن دوائرهم الخاصة، والتخلي عن عقلية «الغيتو» التي تشجع الانكفاء على الذات والابتعاد عن المجتمع. وحين تتوجه النساء للسواحل بلباسهن الشرعي، فيجب ان يشجعن على ذلك لتتواصل محاولات التواصل داخل المجتمع الواحد بين مكوناته المتعددة.

الثالثة: لو ان المسلمات قررن ان ينفصلن عن تلك المجتمعات وتتجهن لممارسة هواياتهن ورياضتهن ضمن اطر خاصة لوجهت لهن التهمة السائدة بانهن يرفضن التكامل مع المجتمع. ولو مارسن السباحة في سواحل خاصة بهن لاستهدفن بالنقد والانفصال عن المجتمع. ولذلك فمن الضرورة بمكان السماح لهن بالشراكة المجتمعية مع توفير وسائل المشاركة التي توفر لهن احتياجاتهن المشروعة ضمن الدوائر المجتمعية وليس بانزواء عنها.

الرابعة: ان على الغربيين، خصوصا الفرنسيين، ان يكونوا منسجمين مع شعاراتهم ومبادئهم، فيحترموا، بشل خاص، الحرية الشخصية ويسمحوا للافراد، رجالا او نساء، بممارسة حق الاستمتاع بالحياة والشراكة المجتمعية ضمن المحددات الشرعية، بدون اكراه او اجبار او تشويه.

الخامسة: ان التطرف في التعاطي مع احتياجات المسلمين، والسعي لحرمانهم من حقوقهم المشروعة والانطلاق في التعاطي معهم بتعصب او رفض او تجاهل، انما يؤدي لعكس هدفه. والمطلوب ان يكون الانفتاح سيد الموقف وان تتواصل السجالات الفكرية والاخلاقية لضمان مشاركة المسلمات في المشاريع الاجتماعية.

مطلوب من الاتحاد الاوربي ممارسة قدر كبير من ضبط النفس، والاعتراف بحق المسلمين في الحفاظ على هويتهم الدينية ضمن مشاريع التكامل مع المجتمعات التي يعيشون فيها. ومطلوب ايضا السعي لاقامة مجتمعات متجانسة ومتوافقة على القواعد الاساسية واهمها الدستور المكتوب والقوانين المنسجمة مع دساتير البلدان وقيمها، والاعتراف بحقوق الاقليات في العيش الكريم ضمن اطر الكرامة والحرية والإنسانية. 

فإن حدث ذلك فسيكون السجال المتواصل أكثر ايجابا وأقل سلبا، وستوصد الابواب امام التطرف والعنف. فالغالبية العظمى يؤمن بالإنسانية الكبرى وترفض التقوقع او الانحناء امام الواقع المر، او التخلي عن القيم الدينية المختزنة في اذهان الملايين من البشر.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني. 

  كلمات مفتاحية

البوركيني الحجاب النقاب المرأة الأخلاق هوية المسلمين الحرية العرب الإسلام الغرب الإسلاموفوبيا

عولمة البوركيني.. وهل يخشى العرب من تغلغل الدب البوتيني؟

البوركيني وأزمة الهوية الفرنسية

«البوركيني» امتحان لـ«علمانية» فرنسا وهويتها الثقافية

رؤساء بلديات فرنسية يتحدون قرار مجلس الدولة ويتمسكون بحظر البوركيني

مجلس الدولة الفرنسي يعلق قرار حظر ارتداء البوركيني

عولمة البوركيني.. وهل يخشى العرب من تغلغل الدب البوتيني؟

«الأمم المتحدة»: قرارات حظر «البوركيني» تشجع على التعصب ووصم المسلمين

الذاتي والموضوعي في أسباب ما يصيب القوى الإسلامية

«أولاند» يلمح إلى رفضه حظر البوركيني على مستوى فرنسا