الانعطاف شرقا: هل تكون باكستان بوابة السعودية في مساعيها نحو الشرق؟

الخميس 1 سبتمبر 2016 02:09 ص

بعد معاناتها من انتكاسات في اليمن، تسعى السعودية للتقارب والتعاون عسكريًا أكثر فأكثر مع دول شرق وجنوب آسيا. ويقول محللون إن باكستان تعدّ نقطة انطلاق لسياسة السعودية الجديدة بـ «التوجه نحو الشرق».

وعانت السعودية خلال الـ 18 شهرًا الأخيرة من مرارة الصراع في اليمن، ولا زالت غير قادرة على هزيمة الحوثيين المدعومين من إيران. وفي الأسابيع القليلة الأخيرة، عانت الرياض من ضربات قوية في اليمن، والتي دفعت السعودية مرة أخرى للبحث عن حلفائها في آسيا.

وتوقف وزير الدفاع الأمير «محمد بن سلمان» لفترة وجيزة في باكستان خلال جولته إلى شرق آسيا نهاية الأسبوع. وقد أعلن الإعلام المحلي، أن «بن سلمان» ناقش خلال زيارته القصيرة لإسلام اباد مع القيادة المدنية والعسكرية بباكستان «قضايا تحمل اهتمامًا مشتركًا». وتأتي تلك الزيارة في الوقت الذي تخشى فيه السعودية تبعات التعاون بين واشنطن وموسكو، والعلاقات الدافئة حاليًا بين أمريكا وإيران، العدو اللدود للسعودية في المنطقة.

ومن غير الواضح نوع الضمانات التي أعطاها المسؤولون بباكستان لـ«بن سلمان». فالسعودية هي أكبر ممولي باكستان، ولم تكن راضية عن عدم رغبة الباكستانيين مؤخرًا في المشاركة في الحملة العسكرية على المتمردين الحوثيين في اليمن.

وفي مارس/ أذار من العام الماضي، أطلقت السعودية حملة عسكرية تجاه القوات الشيعية التي استولت على مساحات شاسعة من الجارة الجنوبية للرياض، ما رفع من مخاوف السعودية تجاه انتفاضة شيعية داخل المملكة. كما خشت السعودية من تزايد نفوذ إيران في المنطقة.

وفي أبريل/ نيسان عام 2015، طلبت السعودية من باكستان دعمًا بالطائرات والسفن الحربية والجنود، لكن البرلمان الباكستاني صوت بالبقاء على الحياد في هذا الصراع. على الرغم من ذلك، يقول خبراء الأمن أن باكستان لا تزال حليفًا هامًا للسعودية، فباكستان جزء من اتفاقية التعاون الأمني المشترك، وهناك ألف من القوات الباكستانية يقومون بدور «استشاري».

وصرح بيان لمكتب رئيس الوزراء «نواز شريف» بالقول:«تعهد رئيس الوزراء شريف ووزير الدفاع السعودي بتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وتقوية التعاون في مجالات مختلفة».

دعم «سري»

يقول خبراء إن اعتماد باكستان الاقتصادي على السعودية دفعها لدعم السعودية سرًا في صراع اليمن. وفي حديث للصحفي والباحث الباكستاني الذي يقيم بالسويد، «فاروق صولهريا»، مع «دويتش فيلله» قال: «تشير الأرقام الأخيرة أن الجزء الأكبر من النقد الأجنبي داخل باكستان يأتي من السعودية. كما يعمل عدد هائل من العمالة الباكستانية في الدول العربية. وكان الأمر سيبدوا انتحارًا إذا ما أغضبت باكستان السعوديين».

وقد أخبر محلل باكستاني يعيش بالمملكة المتحدة «دويتش فيلله»، شريطة عدم الكشف عن اسمه، أنه يوجد بالفعل قوات باكستانية في السعودية للقيام بالمساعدة. وقال إن هذا هو سبب اصطحاب شريف لقائد الجيش الباكستاني في عدة زيارات للسعودية منذ بداية حرب اليمن في محاولة لبيع أسلحة باكستانية للقادة العرب ولاختبار طائرات بدون طيار مصنوعة محليًا وصواريخ في اليمن.

ومع ذلك، فإن الإفراط في إرضاء السعوديين، ربما يزيد من توتر العلاقات مع طهران. كانت العلاقة بين الجارتين الآسيويتين متوترة لسنوات عديدة. فلدى البلدين صراعًا على الحدود، كما أن إيران تتهم باكستان بدعم جماعات سنية متورطة في شن هجمات في المناطق الشرقية لإيران، وقتل مواطنين شيعة داخل باكستان.

وتعي طهران ما يحدث من تعاون بين إسلام اباد والرياض. وقد قام الرئيس الإيراني «حسن روحاني» بزيارة إلى باكستان في مارس/ أذار في محاولة لإقناع حكومتها بالبقاء على الحياد في الصراع. وتعي طهران حدود علاقتها مع باكستان، لكن المحللون يقولون إن طهران تحب ان تبقي على علاقات طبيعية مع جارتها.

وقد تحدث «ميشيل كوغلمان»، خبير جنوب آسيا الذي يقيم بواشنطن، إلى «دويتش فيلله» قائلًا: «تبقى العلاقات قوية بين باكستان والسعودية، في الوقت الذي ليست فيه على ما يرام مع طهران. فهناك عقود من التعاون العسكري الوثيق الذي لن يتراجع الآن».

الفتنة الطائفية في باكستان

أعرب المجتمع المدني والمثقفون عن قلقهم من تورط باكستان في الصراع بين السعودية وإيران.

وفي حديث مع «مشرف زايدي»، المستشار السابق للوكالة الأمريكية للتنمية، وخبير السياسة الخارجية الذي يعيش في إسلام اباد، صرح بالقول: «لا ينبغي لباكستان أن تتورط في الصراع الإقليمي الدائر بين السعودية وإيران». وأضاف: «ولا يجب أن ننسى أن كلًا منهما له مصالحه الخاصة، وأن حكومة باكستان لديها مصالحها أيضًا، ويجب عليها فعل ما هو أفضل للوطن. فيجب أن تبقى العلاقة جيدة مع كلًا من السعودية وإيران».

بدأت الفتنة الطائفية داخل باكستان منذ بعض الزمن، بسبب هجوم ميليشيات إسلامية على جماعات الأقلية الشيعية في أجزاء عديدة من البلاد. ومعظم هؤلاء ومن بينهم طالبان، قد استقوا عقيدتهم من العقيدة الوهابية المتشدة القادمة من السعودية.

وفي مقابلة صحفية مع «سيغفريد وولف»، الخبير في معهد جامعة هايدلبرغ جنوب آسيا، قال: «بالنسبة للأصوليين في باكستان، فإن بلدهم بالفعل هي حائط سني ضد إيران الشيعية». وأضاف: «لقد انهارت سياسة احتواء المد الشيعي في باكستان بعد انهيار نظام طالبان في 2001، وبعد سقوط صدام حسين في العراق. خلف ذلك فراغًا في النفوذ والذي تملؤه طهران باطّراد. ولن تسمح السعودية لنفسها أن تقف موقف المتفرج من ذلك، وستعمل على الحفاظ على السيطرة السنية».

الرياض تتجه للشرق

بينما تتدهور علاقة الرياض بواشنطن، فإنّها توجهت للصين. وقد وصل «محمد بن سلمان» إلى بكين هذا الاثنين الموافق 29 أغسطس/ آب، لمناقشة القضايا الثنائية بدعوة من حكومة الصين.

وكتبت «احتشام شهيد»، مديرة التحرير بجريدة عربية: «اختارت السعودية النظر إلى آسيا، في ضوء التغير الجيوسياسي المتسارع في المنطقة وما حولها». وترى المحللة أن «باكستان تمثل نقطة انطلاق استراتيجية الرياض بالتوجه نحو الشرق، وتبدو البلاد حريصة ألا تفوت هذه الفرصة».

وأضافت «شهيد»: «وفي هذه الحالة، يكون من الطبيعي أن تبدأ السعودية مع البلدان الأقرب، والتي تساعد على بناء جسور إلى عمالقة آسيا».

باكستان أيضًا ترغب في دعم الصين في طموحاتها الإقليمية، في الوقت الذي لا تملك فيه الولايات المتحدة الكثير لتقدمه إلى باكستان على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي.

وبالحديث إلى «علي شاه»، الباحث الباكستاني في كاراتشي، صرح بالقول: «تعلم باكستان أن الصين قادمة كقوة عظمى خلال عشر سنوات. وتقترب إسلام اباد أكثر فأكثر إلى بكين، في الوقت الذي يتراجع فيه حلفها مع واشنطن ببطء وبشكل تدريجي».

المصدر | دويتش فيلله

  كلمات مفتاحية

باكستان السعودية إيران محمد بن سلمان الصين

«ذا ديبلومات»: التقارب الباكستاني الإيراني يعزز الشراكة بين السعودية والهند

باكستان تسعى للتهدئة بين السعودية وإيران

«الجبير» وقائد الجيش الباكستاني يبحثان عدداً من قضايا الأمن الإقليمي