«ميدل إيست بريفينغ»: الصراع العربي الإيراني والاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط

السبت 10 سبتمبر 2016 11:09 ص

يبدو القول بأن النظام العالمي يمر بمرحلة تحول كأنه إعادة اختراع للعجلة. لقد كان دائما يمر بتحولات كبيرة سواء أكانت خفية أم ظاهرة. ما نراه الآن ليس سوى نتيجة لتغيرات تراكمية وصلت إلى السطح. ومع ذلك، فإن المسألة هنا هي ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الاحتفاظ بدورها المركزي، وما هو شكل التعديلات التي يجب أن تجريها حتى تتلاءم مع التغيرات التي تجري على السطح.

هنا سوف نضع بعض الأفكار في هذا الصدد لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص. وسيكون التركيز الرئيسي على القراءة النقدية لعقيدة التحالف العالمي، وهي العقيدة التي تنص على أن «واشنطن لن تكون فعالة في التعامل مع العنف الدائر حاليا في الشرق الأوسط إلا إذا صنعت تحالفا يضم بدرجات متفاوتة كل من روسيا والصين».

جوهر رأينا هو أن هذه العقيدة يتم تقديمها إلينا على أنها منتج نهائي إذا جاز التعبير. علما بأن الشروط المسبقة لتشكيل التحالفات، وهو الجزء الأصعب من الأطروحة، هو المجال الذي تبدى فيه القصور الأمريكي بشكل أوضح خلال السنوات الماضية.

البحث عن التحالفات

هذا لا يعني أن أي استراتيجية تعتمد على تشكيل تحالفات هي استراتيجية خاطئة. ما نجادله هنا هو أن تشكيل الائتلافات، كعقيدة، يتم تقديمه كافتراض مجرد للغاية يبدو بعيدا عن التصور الصحيح في حالة من هذا القبيل في الشرق الأوسط. ببساطة، فإن تتبع آثار أقدام وزيرة الخارجية الأميركي «جون كيري» في المنطقة في الآونة الأخيرة يمكن أن يشير إلى عواقب أي محاولة للقفز على العقبات الحقيقية أمام تشكيل التحالفات.

الحجة الأكثر شيوعا عند الحديث عن الحاجة إلى تشكيل ائتلاف بشكل عام هي أن القوة المتزايدة للصين والحاجة إل احتواء روسيا ينبغي أن يتم النظر إليها بجدية في ظل الظروف الحالية في الولايات المتحدة. ونحن في غنى عن تذكير أولئك الذين يحملون هذا الرأي بما حدث قبل 57 عاما. في يوم 15 سبتمبر/أيلول عام 1959، وصل الرئيس السوفييتي «نيكيتا خروتشوف» إلى واشنطن في زيارة وصفت آنذاك بأنها «تاريخية». في ذلك الوقت، كان «خروتشوف» يتفاخر بأن معدلات النمو الاقتصادي السوفييتي تفوق مثيلاتها في الولايات المتحدة. وتوقع بثقة أن بلاده سوف تتفوق على الولايات المتحدة في فترة قصيرة من الزمن. حسنا، هذا لم يحدث بهذه الطريقة.

هناك الكثير مما يمكن أن يقال لإثبات أن الولايات المتحدة آنذاك ليست كالولايات المتحدة الآن. في حين أن هذا يبدو صحيحا، فإن أحد الأشياء التي قامت بها إدارة «أوباما» بشكل صحيح هي وقف تآكل مصادر القوة الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة. إلى الآن، لا تزال الولايات المتحدة أقوى بمراحل من أي دولة أخرى على وجه الأرض، ولديها الاقتصاد الأكثر حيوية في العالم.

مع تجنب الجدل حول الاستثناءات، لا تزال الولايات المتحدة تحظى باعتبار كبير في العالم. وهي تتمتع بالقيم والنظم السياسية الأكثر تقدما على مستوى العالم. على هذا النحو، فإن فقدانها للقيادة يمثل خطوة إلى الوراء في التجربة الإنسانية في المسار الحالي على الأرض.

لقد قيل مرارا وتكرارا قبل عام 1929 إن الولايات المتحدة قد انتهت. ومع ذلك فإنها قد نجحت في العودة من جديد. ما نعنيه هنا أن أي استراتيجية تقوم على التوازن العالمي الحالي للقوة ينبغي أن تنظر إلى نقاط القوة التي تحظى بها الولايات المتحدة ومدى ضعف القوى الأخرى. إن أي مقارنة موضوعية تشير إلى أن الولايات المتحدة لديها فرص أفضل بكثير لقيادة تحالفات عالمية مقارنة بالاتحاد السوفيتي الأسبق، أو أي قوة أخر عالمية.

وبعبارة أخرى، فإن السؤال يتحول إلى أن يكون: هل ينبغي على الولايات المتحدة أن تمضي قدما دون غطرسة نحو القيادة؟ والجواب هو نعم.

على جهة أخرى، فإننا لا نتفق مع التقييم القائل أن ما يحدث في الشرق الأوسط، وحتى في جزء منه، هو رد فعل متأخر على القمع الوحشي من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية. هذا التشخيص يبدو غريبا على شعوب الشرق الأوسط، ونحن نشهد الآن حياة الجيل الثالث منذ الحقبة الاستعمارية.

تستند النقطة الأخرى التي أثيرت مؤخرا حول الاستراتيجية الأمريكية أن على الولايات المتحدة إقناع روسيا بالامتناع عن الاستخدام أحادي الجانب للقوة ضد جيرانها، من خلال جعلها شريكا لأجل استقرار النظام العالمي. إذا كان المقصود من هذا الرأي هو إقناع بعض الاستراتيجيين المتهورين في الولايات المتحدة أنه لا جدوى من استفزاز روسيا، فإنه ينبغي أن يكون موضع ترحيب بكل تأكيد.

التحدي في تشكيل التحالفات

ولكن جوهر التحدي في تشكيل التحالفات كان، وسيكون دائما، هو تحديد أرضية مشتركة فيما يتعلق بمنطقة محددة وتحديد الوزن النسبي ودور كل قوة في هذه المنطقة المحددة. ويبدو من العظيم أن نقول أن الولايات المتحدة عليها أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة تنظيم البنية العالمية للسلطة من أجل احتواء العنف المندلع في الشرق الأوسط ومنعه من تدمير النظام العالمي جنبا إلى جنب مع احترام المشاركين في تحالفات معها. ولكن هذا يشبه إلى حد كبير القول أن على الجميع أن يحيوا حياة صحية. يبدو هذا مجردا جدا طالما لم يتم تحديد متى، أين، لماذا، وكيف.

عند محاولة تطبيق هذا التعميم على الشرق الأوسط يمكننا أن نرى بوضوح أنه في واقع الأمر، فإن الأرضية المشتركة بين الأطراف الشريكة في الائتلاف هي صغيرة جدا على السماح بالوصول لتكتيكات بناءة وضمان القيادة الأمريكية في نفس الوقت. الطريقة الوحيدة لتكبير هذه الأرض هي توظيف الولايات المتحدة ما يكفي من القوة لإقناع الآخرين أنهم إذا لم ينضموا إليها فسوف يخسرون. خاض «جورج واشنطن» بعض معاركه المبكرة بهدف إقناع الفرنسيين أنه قوة لا يستهان بها وأنه ينبغي مساعدته. لا يوجد شيء أقل ملاءمة من اقتراح تحالف في وقت تظهر فيه كل علامات الضعف والتراجع. بنت روسيا دعوتها لتشكيل تحالف ضد الإرهاب استنادا إلى وجودها الفعلي في سوريا. لقد ذهبت أولا، ثم بدأت تدعو إلى التحالف.

وبعبارة أخرى، فإنه كي يكون تشكيل أي ائتلاف أمرا ممكنا في أي منطقة في العالم، فإنه ينبغي مناقشة أمرين رئيسيين: الأدوار الفعلية للمشاركين، وأي واحد منهم لديه النفوذ الكافي للعب دور قيادي.

في الشرق الأوسط، على وجه الخصوص، فعلت الولايات المتحدة عكس ما فعله الروس. كان هناك ضجيج في واشنطن حول التراجع والتمحور والاكتفاء الذاتي من النفط بدرجة تكفي لإضعاف أي موقف مع الحلفاء في المنطقة قبل وقوع أحداث تفرض ذلك. لجعل الصورة أكثر سوءا، كان هناك أيضا سياسة عرجاء في سوريا وانسحاب سابق لأوانه في العراق. 

بشكل أثر دقة، لأجل تشكيل ائتلاف من القوى العالمية في الشرق الأوسط ينبغي على الولايات المتحدة أن تفعل شيئين متصلين وفقا لما هو مذكور أعلاه: تعزيز وجودها ونفوذها وتشكيل سلسلة من التحالفات في المنطقة نفسها. القدرة على تشكيل ائتلافات عالمية من أجل عمل على الصعيد الإقليمي تحت قيادة الولايات المتحدة يستند في المقام الأول على هذين المطلبين.

وسوف يبدأ دور المشاركين الآخرين في أي ائتلاف عالمي مشترك حين يكون لديهم ما يكفي من التأثير الذي لا تملكه الولايات المتحدة. ولكن في المناورة الشاملة، يجب أن تكون الولايات المتحدة في موقف يسمح لها بتشكيل الزخم العام لمثل هذا التحالف دون تجاهل مصالح سائر القوى الكبرى.

البحث عن الحلفاء التقليديين

أحد السبل لذلك هو إعادة بناء التحالفات التقليدية مع القوى الإقليمية الكبرى التي سبق أن عملت مع الولايات المتحدة في الماضي. وسوف يشمل هذا الهدف إيران أيضا باعتبارها أحد اللاعبين الرئيسيين في أي جهد جاد لتحقيق مستوى معقول من الاستقرار في المنطقة.

وقد انتقل مركز الثقل في الاستقطاب الإقليمي مؤخرا بعيدا عن الصراع العربي الإسرائيلي، نحو الصراع العربي الإيراني. يهدد هذا الاستقطاب الجديد بإطلاق العنان لشتى أشكال التطرف والصراعات الطائفية التي نراها الآن بالفعل.

وسعت الولايات المتحدة لزيادة نفوذها في إيران من خلال التوقيع على الاتفاق النووي. وتسبب ذلك في اكتسابها قدرا من النفوذ لكنه أقل بكثير مما كانت تتمتع به قبل الاتفاق. وعلاوة على ذلك، فإن حسابات التفاضل والتكامل تشير إلى أن ما فقدته واشنطن من النفوذ يفوق ما اكتسبته على الأقل في المدى القصير.

من أجل تشكيل أي تحالف عالمي، فإنه لا بد أولا من إحداث انفراج بين العرب والإيرانيين. مثل هذا الهدف يمكن أن يوحد الأمريكيين والروس والصينيين على أرضية مشتركة تخدم جميع القوى الثلاث. المكاسب الاقتصادية المحتملة التي سوف تنتج عن الانفراج العربي الإيراني هائلة، وسوف يحظى كل شريك في التحالف بحصته الخاصة من النفوذ. وعلاوة على ذلك، فإن مثل هذا الانفراج، إذا تم التوصل إليه، سوف يساعد بشكل كبير في تهدئة المنطقة والحد من التهديدات الفعلية والمحتملة.

ومع ذلك، فإن الأمر يتطلب نهجا مختلفا. وهو يحتاج إلى تواجد الولايات المتحدة بشكل أكثر نشاطا في المنطقة، وإصلاح الأسوار التالفة مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، والبحث الجدي حول كيفية تعزيز النفوذ في مناطق معينة مثل سوريا أو العراق. ما لم تفعل الولايات المتحدة ذلك قبل السعي إلى أي تحالف، فإننا سوف نرى تكرارا لجهود «كيري» للتوصل إلى وقف إطلاق النار في سوريا مع روسيا التي تخرقه في صباح اليوم التالي.

في الوقت الذي ضعفت فيه مصداقية إدارة «أوباما» مع العرب والإسرائيليين والروس والصينيين، وتقريبا في كل بلد آخر في العالم، فعلى الإدارة القادمة أن تبدأ من إعادة بناء التحالفات القديمة في الشرق الأوسط وعلى الأخص تعميق علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن هذا لا ينبغي أن ينظر إليه على أنها نهاية الطريق. ولكن ينبغي أن ينظر إليه على أنه خطوة لإشراك الروس والصينيين في حل المسألة العربية الإيرانية. وسيكون هذا بروفة للتحالفات المستقبلية في كل حالة على حدة في جميع أنحاء العالم.

المشكلة هي أنه عندما تلفظ كلمة الائتلاف، فإننا نتصور حدوث تنسيق بين القوى المختلفة، ولكننا لا نرى أين أو كيف. مشكلة التجريد أنه يهمل المسار الاستراتيجي في معظم الحالات. بناء التحالفات هو عملية تتويج لسياسات رائدة ولا يجب أن يفهم على أنه تكملة لأوجه القصور.

على الولايات المتحدة أن ترسم طريقا جديدا في الشرق الأوسط: تعزيز العلاقات المتدهورة مع حلفائها الإقليميين التقليديين وتعزيز نفوذها قبل أن تكون قادرة على تشكيل تحالف مع الصين وروسيا للتأثير على إيران لتهدئة المنطقة.

من الصعب حقا أن نتصور أي نهج آخر لاحتواء العواصف التي تهدد هذه المنطقة.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران الشرق الأوسط الصراع العربي الإيراني

«نيوزويك»: كيف أسهم الاتفاق النووي في تصعيد التوترات بين السعودية وإيران؟

«أوباما»: لن تنتهي فوضى الشرق الأوسط إلا بسلام بين السعودية وإيران

«الغارديان»: السعودية وإيران تحتاجان إلى بعضهما البعض

«الجارديان»: السعودية وإيران تدشنان مستوى جديد من الخطاب العدائي

أمير قطر يؤكد في اتصال مع «روحاني» أهمية الحوار لحل الخلافات الخليجية الإيرانية