بين «التخفيض» و«التعويم».. خيارات مُرة أمام الحكومة المصرية لحل أزمة الجنيه

الاثنين 3 أكتوبر 2016 04:10 ص

حذر تقرير أمريكي، الحكومة المصرية من مخاطر تعويم الجنيه، وسط ترقب كبير يسود الأوساط المالية والمصرفية في البلاد للسعر الرسمي المرتقب إعلانه للجنيه أمام الدولار الذي تجاوز حاجز الـ 13.50 جنيه في السوق السوداء.

وقال موقع «أتلانتك كاونسل» للدراسات الإستراتيجية في واشنطن، إنه توجد ثلاثة خيارات أمام الحكومة المصرية في هذا الشأن، فيمكنها خفض سعر الجنيه قليلا، أو خفضه بدرجة كبيرة، أو تعويمه تماما وترك القرار للسوق. وكل خيار له مخاطره.

كان بنك الاستثمار «بلتون فاينانشال»، أكد في مذكرة بحثية تحت عنوان «التنبيه الأخير: التعويم خلال ساعات»، أن سعر الدولار بعد التعويم سيصل إلى 11.5 أو 12.5 جنيه رسميا.

وقال «بلتون» أمس الأحد، إن البنك المركزي سيقدم على تعويم الجنيه خلال ساعات، معتبرا لقاء الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» مع محافظ البنك المركزي «طارق عامر» أمس الأول السبت بمثابة «تأييد سياسي نهائي لقرار التعويم»، وفق «أصوات مصرية». 

الخطوة المصرية تأتي مع اقتراب اجتماع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي في النصف الأول من الشهر الجاري، ورغبة القاهرة في الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، مقابل اشتراطات دولية أبرزها تحرير سعر صرف الجنيه.  

ويبلغ السعر الرسمي حاليا نحو 8.8 جنيه للدولار مقابل حوالي 13.50 جنيه في السوق السوداء.

وعن الخيارات الثلاثة أمام الحكومة المصرية، يقول «أتلانتك كاونسل» إن خفض السعر إلى 10.5 جنيه للدولار مثلا قد يحقق بعض الاستقرار في السوق ويسمح بزيادة الثقة والاستثمار. ومن المؤكد أن أي تغيير في هذا الاتجاه سيكون موضع ترحاب بعدما هوت معدلات الاستثمار في مصر. لكن في نفس الوقت قد يحدث هلع إذ سيظل المستثمرون يعرفون أن الجنيه مقوم بأكثر من قيمته.

وربما يواصل السعر في السوق السوداء الارتفاع ليستعيد الفارق الحالي مع السعر الرسمي البالغ حوالي 40%. ويعني ذلك الدخول في نفس الدائرة مجددا. وفي النهاية قد يشبه الأمر إزالة شريط طبي لاصق من على جرح، فهل يكون من الأفضل نزعه مرة واحدة، أم إزالته ببطء مع غياب الشفافية بخصوص الموعد النهائي لإزالته.

ويقول التقرير الأمريكي إن رفع سعر الجنيه أمام الدولار من المحتمل أن يفقد السوق السوداء كثيرا من مبررات وجودها، إذ لن يكون هناك دافع يذكر لدى الناس للبيع في السوق السوداء إذا كان السعر مماثلا للسعر في البنوك، وهو ما يبدو أن القاهرة قبلته ضمنيا، لكن فقط على المدى الطويل

وأشار محافظ البنك المركزي إلى أنه لن ينظر في هذه الخطوة قبل تجاوز احتياطي النقد الأجنبي مستوى 25 مليار دولار. ويريد صندوق النقد ذلك لكن ربما يعرف أنه لن يحصل عليه.

واعتبر «اتلانتك كاونسل» أن العقدة تكمن في أن الاقتصاد المصري ليس في حالة سليمة، وتعويم الجنيه تماما أو خفضه أكثر مما ينبغي ستكون له عواقب لا يمكن التحكم فيها، ويبدو أن أكثر ما يقلق القاهرة هو حدوث تضخم وارتفاع في الأسعار وبالتالي اضطرابات أهلية في شكل أعمال عنف، وهذه ليست مخاوف بدون مبرر.

والمشكلة أن هذه المخاوف ستبقى قائمة إذا لم تخفض الحكومة الجنيه بشكل كاف، فالأسعار ترتفع بالفعل، ورغم أنه لم يحدث انهيار للاقتصاد، يوجد تخوف مشروع من امكانية حدوث اضطراب أهلي في المستقبل القريب إذا تراجع مستوى المعيشة أو ارتفعت تكاليف الحياة أو حدث كلا الأمرين.  

ووفق التحليل الأمريكي ربما يحدث التخفيض في أفضل وقت في السنة، مع دخول الشتاء وليس الصيف حين تكون الضغوط على الاقتصاد أعلى ما يمكن بسبب الانفاق الاستهلاكي وشهر رمضان، لكن ذلك لا يعني أن الاقتصاد سيمتص التغييرات بدون أي نوع من رد الفعل.

ويقول «اتلانتك كاونسل» إنه في الواقع كان يجب أن يحدث تعويم العملة قبل سنوات ربما بعد انتفاضة يناير2011 مباشرة حين كان الحس بالمسؤولية الاجتماعية والمدنية في أعلى مستوياته، وربما كان يمكن استغلال دعم المجتمع الدولي لمصر في مرحلة الانتقال. لكن لم يحدث التعويم ولا أي من الاصلاحات الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها، ولا حتى أي من الاصلاحات المهمة الأخرى في قطاعات الأمن والقضاء والسياسة.

وتجد القاهرة نفسها الآن كأنما تواجه لغزا بلا حل، فالعملة في وضع غير قابل للاستمرار وبالتالي يجب أن يحدث التخفيض، لكن إذا لم يتم اجراء الخفض بعناية وفي الوقت الملائم فيمكن لردة الفعل أن تلحق بالاقتصاد ضررا أكبر. وإذا تأخر الخفض أكثر مما ينبغي فيمكن أن تحدث ردة الفعل المعاكسة على أي حال، وسيكون لزاما حينئذ اتخاذ خطوات لمعالجة الاقتصاد ستؤدي إلى العودة إلى نفس الدائرة مجددا. ومن المؤكد أن الحالة الراهنة ليست خيارا إذ لا يمكن الدفاع عنها على الاطلاق لأن المستثمرين والمستهلكين على السواء يتخذون وضع الترقب، وكلما تأخرت الاصلاحات كلما أصبحت أصعب للأسف.

وكانت مصر قد توصلت الشهر الماضي إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، وذلك مقابل التزامها بتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي أحد بنوده تخفيض سعر العملة لتعكس قيمتها الحقيقية، أي التعويم الكامل للعملة المصرية.

ويقصد بمصطلح «تعويم سعر صرف الجنيه» تركه يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق النقدية. وهناك نوعان من التعويم «حر»، والمقصود به ترك سعر الصرف يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن حسب السوق ويقتصر تدخل البنك المركزي على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف، وهناك تعويم «مُدار» وبه يلجأ المركزي إلى التدخل كلما دعت الحاجة.

  كلمات مفتاحية

الجنيه المصرى الدولار السوق السوداء البنك المركزى المصرى صندوق النقد الدولى