حمامة السلام الخليجية تحتاج سرب حمام لحل أزماتها مع الجار السعودي!

السبت 1 نوفمبر 2014 07:11 ص

لعب أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح دور حمامة السلام، طوال الاعوام الماضية، حيث كان، ورغم تقدمه في السن، يطير من هذه العاصمة الخليجية الى تلك، في جولات ووساطات لتسوية الخلافات الحدودية، او نزع فتيل ازمات سياسية في احيان اخرى، وحتى لا نغرق في التعميم، والعبارات الغامضة، على طريقة وكالات الانباء الخليجية الرسمية، نشير الى انه تدخل في حل خلاف اماراتي عماني بنجاح حول قضية «تجسس عكرت مياه العلاقات بين الجارين، وانشغل طوال العام الماضي لتطويق خلاف اكبر بين المملكة العربية السعودية والامارات والبحرين من ناحية ودولة قطر من ناحية اخرى، كاد (اي الخلاف) يفجر مجلس التعاون الخليجي من الداخل، واذا كانت هذه الجهود لم تنجح في اعادة السفراء الثلاثة الذين جرى سحبهم من الدوحة حتى الآن، فانها جمدت هذا الخلاف، واوقفت الحرب الاعلامية جزئيا، ولو الى حين.

الكويت نفسها الآن، تحتاج الى وسيط خليجي لنزع فتيل خلافها المفاجيء مع المملكة العربية السعودية حول حقل الخفجي النفطي، وميناء الزور في المنطقة المحايدة بين البلدين، وهو الخلاف الذي انعكس في ردة فعل سعودية غاضبة تمثلت في وقف انتاج الحقل المشترك الذي تبلغ طاقته الانتاجية 350 الف برميل يوميا يتقاسم عوائدها البلدان.

الدولة الوحيدة الباقية التي تصلح للقيام بدور الوسيط في مجلس التعاون الخليجي هي سلطنة عمان، ولا نستبعد ان تكون قد بدأت بها فعلا، ولكنها كعادتها دائما، ومثلما هو الحال في جميع وساطاتها الاخرى، تفضل التكتم وعدم تسريب اي انباء للصحافة، ويعتبر هذا التكتم مصدر قوتها كوسيط، وثقة الآخرين بها، مثلما حصل في المفاوضات الايرانية الامريكية التي جرت في مسقط لمدة ستة اشهر دون ان يعلم بها احد الا بعد توصلها الى الاتفاق الشهير بين البلدين.

لا نعرف نتائج الزيارة الخاطفة التي قام بها امير الكويت الشيخ صباح الاحمد قبل ثلاثة ايام الى الرياض، ولقاءه مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وما اذا كانت الدولة المضيفة، اي السعودية، قد تجاوبت مع مطالب الكويت في اعادة استئناف ضخ النفط من حقل الخفجي، واخراج معدات شركة “شيفرون” النفطية من اراضي الجانب الكويتي في المنطقة المحايدة ام لا، فلم يصدر اي بيان رسمي عن الزيارة وما تناولته من قضايا، والانباء التي تناولتها تحدثت بإسهاب لافت عن عدد الامراء السعوديين الكبار والصغار الذين كانوا في استقبال امير الكويت.

المملكة العربية السعودية تنظر بعين الريبة الى التقارب الكويتي الايراني، ولا تشعر بالارتياح لمحاولات الكويت التوصل مع ايران الى اتفاق باستغلال حقل الغاز الضخم المشترك في منطقة الزور الذي يقع في المجال الاقليمي للدول الثلاث، اي السعودية والكويت وايران، فالسعودية تستخدم سلاح تخفيض اسعار النفط من خلال اغراق الاسواق العالمية بكميات زائدة منه لانهاك الاقتصاد الايراني، وزيادة اعباء الدولة المالية بما يؤدي الى شل قدراتها على تمويل حلفائها مثل النظام السوري والمنظمات السياسية التي تدعمها في اليمن (انصار الله الحوثي) ولبنان (حزب الله) والعراق (عصائب اهل الحق وكتائب العباس).

الكويت في المقابل تعاني عجزا كبيرا في ميزانيتها بسبب انخفاض اسعار النفط الى ثمانين دولارا للبرميل (وضعت ميزانيتها على اساس مئة دولار للبرميل تقريبا)، وبدأت في اتخاذ اجراءات تقشفية (انتاج النفط الكويتي في حدود ثلاثة ملايين برميل يوميا)، وتخفيض الانفاق العام بالتالي، مضافا الى ذلك انها بحاجة الى استغلال حقل الزور الغازي الكبير في المنطقة المحايدة ليس للحصول على عوائده فقط، وانما لسد حاجتها من الغاز الذي تستورده حاليا من دولة قطر، مضافا الى ذلك محاولاتها الدؤوبة لتجنب اي صدام مع ايران لما يمكن ان يترتب ذلك من انعكاسات سلبية على جبهتها الداخلية، وتوازناتها الطائفية الحساسة.

المملكة العربية السعودية في المقابل لا تعاني من اي نقص مهم في العوائد النفطية، ويبلغ انتاجها حوالي عشرة ملايين برميل يوميا، يمكن ان ترفع سقفه الى 12 مليون برميل اذا دعت الحاجة.

اللافت ان دخول الكويت الى دائرة الازمات الخليجية البينية يأتي قبل شهر ونصف الشهر تقريبا من موعد انعقاد القمة الخليجية في الدوحة، وهي القمة التي بذل الشيخ صباح الاحمد جهودا كبيرة لانجاحها، والحيلولة دون مقاطعة المثلث السعودي الاماراتي البحريني لها او ارسال وفود شبه رمزية للمشاركة فيها.

الصحف الكويتية، او بعضها على وجه التحديد، بدأ يخرج عن دائرة الصمت التقليدية ويتحدث عن هذا الخلاف، ويطالب الحكومة بالتمسك بالحقوق الكويتية في المنطقة المحايدة وحقولها النفطية والغازية في هذا الصدد، ونشرت جريدة “الجريدة” التي يملكها محمد جاسم الصقر رئيس البرلمان العربي السابق والمعروف بعدم صداقته مع السعودية، مقالا جريئا للخبير الاقتصادي الكويتي جاسم السعدون في هذا الخصوص قبل اربعة ايام، مثلما نشرت اليوم الصحيفة نفسها مقالا مماثلا للسيد احمد الخطيب النائب البرلماني السابق قال فيه ونحن ننقل حرفيا “ما نعيشه الآن من مشاكل في قطاع النفط مع الجيران ما هو الا نموذج لهذا الخلاف الذي امتد زمنا طويلا، خلاف حول الحدود وحول المناصفة في المناطق المحايدة المشتركة، التي اخذت تتآكل بالرغم من خسارتنا ثلثي مساحة دولتنا التي جرى انتزاعها بعد اتفاقية السير بيرسي كوكس البريطاني حول ترسيم الحدود في 2 شباط (فبراير) من عام 1920.

الخلاف الكويتي السعودي، وفي مثل هذا التوقيت، سيؤدي اذا ما تفاقم الى اضعاف، ان لم يكن تقويض، مجلس التعاون الخليجي ومؤسساته وتبديد الآمال العريضة التي بنيت عليه من قبل الشعوب الخليجية، او ما تبقى منها (اي الآمال) على وجه التحديد.

العام 2014 هو عام المشاكل والازمات في مجلس التعاون الخليجي، وهذا لا يعني ان العام المقبل سيكون افضل حالا، ويشهد حلولا للازمات الحالية المتفاقمة، فاذا كان الشيخ صباح الاحمد حمامة السلام الخليجية باتت طرفا في هذه الازمات ولم تعد تتمتع بالحياد، والمسافة الواحدة من الجميع، واصبحت اجنحتها غير قادرة على الطيران الى هذه العاصمة الخليجية، او تلك لاخماد الحرائق، فان هذا يوضح ويبرز عمق المأزق وازماته المتشعبة.

حمامة السلام الخليجية اصبحت، وباختصار شديد، محتاجة ليس الى حمامة سلام، وانما الى سرب لحل ازماتها القديمة المتجددة مع الجار السعودي!

المصدر | رأي اليوم

  كلمات مفتاحية

حقل الخفجي الكويت السعودية

الكويت تسلم بالرواية السعودية: حقل الخفجي أغلق لأسباب فنية وليس سياسية

إغلاق حقل الخفجي السعودي ـ الكويتي: «أسباب بيئية».. أم أزمة علاقات؟

قرار سعودي بإيقاف «حقل الخفجي» الكويتي السعودي

خلافات بين السعودية والكويت توقف عمل حقل "الخفجي" المشترك

عقب زيارته للمملكة بساعات.. رسالة من أمير الكويت إلى العاهل السعودي

خلاف جديد بين السعودية والكويت بسبب حقل للغاز