التباسات التدخّل العسكريّ الدوليّ في العراق

الأربعاء 5 نوفمبر 2014 04:11 ص

إنّ رفض التدخّل البريّ الأميركيّ أو الإقليميّ أو الدوليّ في العراق، حديث يكاد يحتلّ الواجهة السياسيّة العراقيّة في شكل يسبق حتّى الاهتمام بمحاربة "داعش"، فإنّ السياسيّين ورجال الدين ووسائل الإعلام والمحلّلين، انشغلوا خلال الأسابيع الماضية بتأكيد عدم حاجة العراق إلى قوّات على الأرض لقتال "داعش"، وإنّ القوّات العراقيّة المدعومة من المتطوّعين الشيعة والسنّة قادرة على الانتصار على هذا التّنظيم.

هذه التّأكيدات كانت ستكون طبيعيّة، لولا أنّ الإصرار عليها مراراً وتكراراً، وفي شكل شبه يوميّ أثار أسئلة، حول الدوافع التي تقف خلفها، فهل يتعرّض العراق إلى ضغوط لقبول وجود قوّات أجنبيّة على أرضه؟ من أين تأتي هذه الضغوط؟ وهل ترتبط هذه التّأكيدات المتكرّرة بالوقائع على الأرض من ناحية العمليّات، أم بتوازنات إقليميّة أم بحسابات داخليّة؟. 

إنّ معركة تحرير منطقة جرف الصخر في جنوب بغدادجاءت، بدورها، لتكون دليلاً جديداً على عدم حاجة العراق إلى مثل هذا التدخّل، وإنّ التدخّل الوحيد المطلوب هو المساعدة في توفير الأسلحة للقوّات العراقيّة وتأمين الغطاء الجويّ لتحرّكاتها.

وفي واقع الحال، إنّ موضوع التدخّل البريّ سواء أكانت هناك حاجة أم عدم حاجة إليه هو بالتّأكيد قرار تتّخذه السلطات العراقيّة فقط، ويفترض أن يكون هذا القرار قائماً على تقديرات عسكريّة دقيقة على الأرض، وبعد دراسة وافية للوقائع والحاجات الأساسيّة في ساحات المعارك، لكن رفض التدخّل البريّ لا يعني، في أيّ حال، رفض المساعدة على الأرض، خصوصاً أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة كانت أرسلت إلى بغداد عشرات المستشارين في نهاية حزيران الماضي، في استجابة سريعة للتطوّرات الأمنيّة التي قادت إلى سقوط مدينة الموصل في يدّ "داعش" في 9 من الشهر ذاته.

وفي ذلك الوقت، لم يكن وصول الخبراء العسكريّين الأميركيّين قد أثار حساسيّة عراقيّة، بل كانت هناك مطالبات بإرسال المزيد من الخبراء.

وهذا يعني أنّ هناك نوعاً من اللبس حدث في فهم التدخّل البريّ وحدوده، فتدخّل مروحيّات الأباتشي الحربيّة الأميركيّة في معارك على الأرض، يعني بالضرورة ضرورة وجود قواعد إنطلاق قريبة نسبيّاً من مواقع القتال. كما تعني حاجة تلك المروحيّات إلى إحداثيّات دقيقة يوفّرها المستشارون على الأرض.

وفي هذا الملف، حصل حدث متغيّر ومفاجىء عندما طالبت محافظة الأنبار عبر حكومتها المحليّة بتدخّل أميركيّ بريّ في المحافظة، وهذا الأمر رفضته الحكومة، كما رفضته قوى سياسيّة داخل المحافظة أيضاً.

مع استمرار مطالبة الأنبار بدعم حكوميّ عراقيّ للمقاتلين والقوّات على الأرض.

في كلّ الأحوال، من الضروريّ فهم التدخّل العسكريّ الدوليّ في صورة الدّعم العسكريّ، وألاّ يفهم على أنّه إعادة لإنتاج سيطرة قوّات أجنبيّة على الأرض في العراق، وهذا الأمر يجب أن يكون مفهوماً بدوره لدى العراقيّين والمجتمع الدوليّ على حدّ سواء. وإنّ هذا الفهم المشترك هو الوحيد القادر على استثمار الوقت والإمكانات وتحقيق المرونة والتّعاون المطلوب للقضاء على تنظيم "داعش".

هناك إطار عام لتفهّم الوضع الذي تعيشه الحكومة العراقيّة الجديدة، وهي تستلم بلاداً يسيطر على ثلثها تنظيم إرهابيّ، وتمرّ في أزمات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة كبيرة ومصيريّة، فالحكومة تأخذ هذا الواقع في الاعتبار، وهي تحاول الخروج من هذه الأزمة الطاحنة بأقل خسائر على المستوى الوطنيّ.

إنّ القضاء على "داعش" لن يكون مهمّة سهلة على أيّ حال، إذ أنّها تمرّ في تعقيدات وصراعات إقليميّة ودوليّة لطالما استثمرتها التّنظيمات الإرهابيّة للنفاذ إلى مناطق الأزمات. وإنّ عجز المجتمع الدوليّ عن حلّ تلك الصراعات تسبّب ويتسبّب دائماً بخلق المزيد من التّحديات للأمن والسلم الدوليّين. ويمكن الإشارة إلى صراع الاستقطاب الطائفيّ الكبير في منطقة الشرق الأوسط الذي وفّر بيئة مناسبة لتحرّك "داعش" وانتشاره.

على المجتمع الدوليّ متضامناً أن يتجاوز فكرة القضاء على الإرهاب عبر الأعمال العسكريّة فقط، وأن يسعى إلى حلّ الأزمات الإقليميّة المستحكمة والمترابطة مع الأزمة العراقيّة. كما على الحكومة العراقيّة، أن تخفّف من أجواء الشكوك التي انتشرت حول نيّات التدخّل العسكريّ الخارجيّ، وأن تبادر إلى إيجاد آليّة واضحة لطبيعة التّعاون مع التّحالف الدوليّ للقضاء على الإرهاب. وعليها إيقاف اللّغة المتضاربة في النّظر إلى العلاقات مع الولايات المتّحدة الأميركيّة تحديداً، وأن تكون لغة المستقبل واضحة وشفّافة، وغير خاضعة إلى التّأويل.

المصدر | مصطفى الكاظمي، المونيتور

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية العراق

«السيستاني» يطالب الحكومة العراقية بمساعدة العشائر السنية ضد «الدولة الإسلامية»

استعدادت أمريكية بريطانية بالمارنيز تثير الشكوك حول التدخل البري في سوريا

موقع إلكترونيّ إيرانيّ ينفي استبعاد قاسم سليماني من الملف العراقي