مظاهرات تعم 40 مدينة مغربية احتجاجا على طحن بائع السمك

الاثنين 31 أكتوبر 2016 04:10 ص

شيعت، أمس الأحد، جنازة بائع السمك «محسن فكري»، الذي قُتِلَ، الجمعة الماضية، في مدينة الحسيمة بشمال المغرب سحقا داخل شاحنة لنقل النفايات، وشارك في الجنازة الآلاف من المغاربة.

وتحول هذا الحادث المأساوي إلى قضية وطنية أثارت استنكار المغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقتل «فكري» عندما حاول الاعتراض على إتلاف سلعته في شاحنة للنفايات. وأمرت كل من وزارة الداخلية والنيابة بفتح تحقيق في القضية، بحسب «فرانس برس».

وأثار مقتل بائع الأسمالك المغربي موجة كبيرة من الحزن والغضب في البلاد، وفق ما أفادت مصادر متطابقة.

وسار آلاف المشيعين خلف جثمان «فكري» الذي نقلته سيارة إسعاف صفراء اجتازت مدينة الحسيمة (شمال) إلى بلدة مجاورة.

ورفع بعض متصدري الموكب علمًا أمازيغيًا فيما تقدمت الجنازة عشرات سيارات الأجرة التي انطلقت الساعة العاشرة بالتوقيتين المحلي وغرينتس.

وقال شاهد عيان  شارك في تشييع الجنازة: «إننا نشارك في مسيرة كبرى، الموكب يمتد على أكثر من كيلومتر».

وهتف بعض المشيعين :«مجرمون، قتلة، إرهابيون! » وسط نحيب النساء. كذلك صاح أحدهم: «نم قرير العين أيها الشهيد محسن، سنواصل النضال».

كما صرح آخر أن: «سكان الريف متضامنون مع الشهيد محسن (...) نريد أن نعلم ما حدث وملاحقة المذنب أو المذنبين».

وشكلت مدينة الحسيمة الساحلية في منطقة الريف بالمغرب التي تعد حوالي 55 ألف نسمة قلب الثورة ضد المستعمرين الإسبان في العشرينيات من القرن الماضي ثم مسرحا لتمرد شعبي في 1958.

وأُهملت هذه المنطقة مطولًا أثناء حكم الملك «الحسن الثاني»، وعرفت بعلاقاتها السيئة مع السلطة المركزية المغربية. كما أنها كانت مركز الاحتجاجات أثناء حركة 20 فبراير/شباط في خضم ما عُرف بـ«الربيع العربي».

وقُتِلَ «فكري» بائع السمك، البالغ حوالى 30 قرابة عامًا، مساء الجمعة عندما علق في مطحنة شاحنة لنقل النفايات بينما كان يحاول اعتراض عناصر شرطة في المدينة سعوا إلى مصادرة وإتلاف بضاعته.

وأثار الحادث صدمة بين السكان وتجمع العشرات في الليلة نفسها في مكان وقوعه. كما تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صورة لجثة فكري، وهي عالقة داخل مطحنة الشاحنة، ووجهت دعوات مختلفة إلى التظاهر في مختلف أنحاء البلاد.

وأمرت وزارة الداخلية ونيابة الحسيمة بفتح تحقيق في الحادثة.

رواية جديدة

وقال أحد شركاء محسن، إنه «تم توقيفهم من طرف دورية للأمن داخل مدينة الحسيمة، نظرا لأنهم لم يتوقفوا عند حاجز شرطة الميناء وتمت المناداة على السلطات المحلية والطبيب الشرعي وحسم موقف هؤلاء في ضرورة إتلاف حمولة الأسماك على الفور في شاحنة النفايات.. محسن وشركاؤه رفضوا رفضا قاطعا أن يتم إتلافها، نظرا لأنها صالحة للاستهلاك وطالبوا بأقل الإيمان أن يتم التبرع بها للسجناء أو دار العجزة أو للخيرية».

وأضاف «بعد إصرار السلطة المحلية على تنفيذ قرارها قفز محسن إلى الشاحنة ثم تبعه شريكاه الاثنان. وهنا يؤكد المتحدث أن آلة العصر في الشاحنة كانت لحدود تلك الدقائق غير مشغلة.. وبعد مكوثهم داخل الشاحنة وإصرارهم على عدم إتلاف المحجوزات اقترح أحد الحاضرين من السلطة المحلية على أحد عمال شركة جمع النفايات أن يتم تشغيل آلة العصر لكي يتم تخويفهم.. وهنا وقعت الفاجعة، حيث تمكن الاثنان من القفز وبقي محسن داخل الشاحنة، نظرا لوزنه الزائد ولسرعة آلة العصر».

وأقام مهنيون في ميناء الحسيمة إضرابًا عن العمل مع إعلان عزمهم تمديد الإضراب إلى اليوم الاثنين «حدادًا واستنكارًا وتنديدا بالأوضاع العامة التي تعرفها الحسيمة والميناء جزء منها».

ووجهت انتقادات حادة للحكومة والأحزاب السياسية لعدم إيلائها اهتمامًا بالحادث، خاصة بعد طلب «عبد الإله بنكيران»، رئيس الحكومة المكلف والأمين العام لحزب العدالة والتنمية من نشطاء حزبه عدم المشاركة في الاحتجاجات.

وأعرب «بنكيران عن أسفه للحادث «المؤلم»، وقال إن والد الفقيد من مؤسسي حزب العدالة والتنمية في مدينة الحسيمة، وإنه اتصل بعائلته وقدم التعازي لها.

وأضاف «بنكيران» أن الدولة تحركت لمعرفة الحقيقة، وأن دعوته لأعضاء الحزب ومتعاطفيه لعدم المشاركة في الاحتجاجات جاءت بسبب بداية التحقيق في الحادث، «لذلك لا داعي للمشاركة في مسيرات لا نعرف تطوراتها».

وانتقد «محمد الزهاري»، أمين عام فرع المغرب للتحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات، موقف «بنكيران، ووصفه بـ «الستاليني» وبـ «الجبان». وقال «اسمح لي السيد بنكيران أنت جبان ولا تستحق أن تكون رئيس حكومة في وطن طحن فيه مواطن في شاحنة جمع الزبالة ولم تحرك ساكنًا، الأكثر من هذا تنخرط في مؤامرة الصمت وتمارس الستالينية على مناضلات ومناضلي حزب العدالة والتنمية للانخراط في هذه المؤامرة».

وحملت جماعة العدل والإحسان ذات المرجعية الإسلامية (شبه محظورة) المخزن كامل المسؤولية في واقعة مقتل «بائع السمك»، وأعلنت عن دعمها واستعدادها للمشاركة في كل «الاحتجاجات الشعبية السلمية والجادة للمطالبة بحق الشعب المغربي في العيش الكريم».

ودعت إلى «تشكيل لجنة حقوقية من مختلف الأطياف السياسية والجمعوية من أجل الدفاع عن حقوق الشهيد ومحاسبة المتورطين في هذه الجريمة النكراء» وحذرت «النظام السياسي إلى أن سياسته التفقيرية تجاه الشعب، بحرمانه من أبسط حقوقه في الشغل والصحة والتعليم، والأمن، وبغياب التوزيع العادل للثروات، وغياب نظام ديمقراطي حقيقي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان الاجتماعي والغليان الشعبي، خاصة في منطقة الريف التي تعرف تهميشا على مختلف الأصعدة»،بحسب «القدس العربي».

عدم قبول

وفي سياق متصل أكد وزير الداخلية المغربي «محمد حصاد» عزمه على تحديد ملابسات مقتل بائع سمك سحقاً في شاحنة لجمع النفايات في شمال المغرب، وعلى «معاقبة المسؤولين عن هذه المأساة».

وشدد حصاد على أنه: «لم يكن يحق لأحد معاملته (بائع السمك) بهذه الطريقة»، قائلاً: «لا يمكن أن نقبل أن يتصرف مسؤولون على عجل وبغضب، أو في ظروف تنتهك حقوق الناس».

ومن جانبه طلب العاهل المغربي الملك «محمد السادس» في تعليمات «إجراء بحث دقيق ومعمق ومتابعة كل من ثبتت مسؤوليته في هذا الحادث، مع التطبيق الصارم للقانون في حق الجميع، ليكونوا عبرة لكل من يخل أو يقصر خلال القيام بمهامه ومسؤولياته»، بحسب وزارة الداخلية التي سبق أن أعلنت فتح تحقيق مشترك مع النيابة العامة المحلية غداة المأساة.

واوضح «حصاد» أن «التحقيق يجب أن يحدد ما حدث بالضبط، ولكن هناك أشياء نعرفها حتى الآن».

وقال: «نحن متأكدون من أن الشخص المعني قد غادر الميناء في سيارة مع شخص آخر، ورفض التوقف عند نقطة تفتيش تابعة للشرطة، وعندما أعطي التحذير، تم اعتراض السيارة التي كانت في داخلها كمية كبيرة من سمك أبو سيف، وهو نوع يمنع صيده »في المغرب.

وأردف «حصاد»: «تم إبلاغ المدعي العام، واتخذ قرار بإتلاف البضائع غير المشروعة. بعد ذلك، جميع الأسئلة تطرح».

وأوضح: «من الذي اتخذ قراراً بفعل ذلك (اتلاف البضاعة) في ذلك المساء، وكيف تم تشغيل الشاحنة (...) يجب أن يجيب تحقيق المدعي العام على كل هذه الأسئلة».

وشدد «حصاد» على أن «العدالة ستعاقب بشدة عن كل الأخطاء» المرتكبة، لافتاً إلى أن خلاصات التحقيق يجب أن تصدر «بشكل سريع جداً، أنها مسألة أيام».

وقال: «لا يمكن اعتبار الدولة مسؤولة بشكل مباشر عن مقتل (بائع السمك)، لكن على الدولة مسؤولية تحديد الأخطاء ومعاقبة» مرتكبيها.

وكانت الجنازة تحركت من مدينة «الحسيمة»، حيث وقعت الحادثة، إلى «امزورن» القريبة منها ومسقط رأس القتيل، حيث ردد المشيعون الذين قُدرت أعدادهم بالمئات، هتافات تندد بمقتل بائع السمك.

وترجل الأهالي عدة كيلومترات لحضور جنازته، في الوقت الذي تطوع سائقو سيارات الأجرة، لنقل المشيعين إلى مكان الجنازة بالمجان للمشاركة في العزاء.

تحرك حكومي

من جانبها، اتخذت السلطات المغربية إجراءات سريعة للحد من حالة الغضب التي تسود مدينة الحسيمة، حيث كشف محافظ الإقليم «محمد الزهر»، عن توقيف مندوب وزارة الصيد البحري بالمدينة، مشيرًا إلى أن النيابة العامة أمرت بتحقيق في الحادثة، تباشره الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بحسب صحف مغربية.

وذكرت وزارة الداخلية المغربية، أن عاهل البلاد الملك «محمد السادس» أصدر تعليماته لوزير الداخلية بالتوجه إلى الحسيمة لتقديم تعازي ومواساة الملك إلى عائلة المرحوم.

وقالت الوزارة في بيان لها: «أبلغ وزير الداخلية عائلة الفقيد بالتعليمات الملكية لإجراء بحث دقيق ومعمّق ومتابعة كل من ثبتت مسؤوليته في هذا الحادث مع التطبيق الصارم للقانون بحق الجميع، ليكونوا عبرة لكل من يخل أو يقصر خلال القيام بمهامه ومسؤولياته».

وقال موقع «الحيسمة سيتي» المحلي، نقلا عن مصدر موثوق، أن وزير الداخلية «محمد حصاد»، حل بالمدينة مساء السبت الماضي، للوقوف على التحقيق الجاري والكشف عن ملابسات الحادث.

وأفاد موقع «زنقة 20»، نقلا عن مصادره أن وزير الداخلية سيمضي عدة أيام بالمدينة للاشراف على التحقيقات، مضيفًا أنه يتوقع أن يطيح الحادث بمسئولين كبار في الأمن والإدارة الترابية بالمدينة.

وأوضحت سلطات المدينة، في بلاغ لها، أن الشاحنة المتسببة في وفاة الشاب «كانت بصدد إتلاف كمية من الأسماك الممنوعة الصيد تم حجزها من طرف المصالح الأمنية بأمر من النيابة العامة المختصة».

من جانبها، أدانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أكبر المنظمات الحقوقية بالمغرب، ما وصفته بـ«الطريقة البشعة التي أزهقت بها روح فكري»، متهمة السلطات الأمنية بكونها استهترت بالحق في حياة مواطن، داعية إلى فتح تحقيق نزيه وموضوعي يفضي إلى كشف واضح لكل المتورطين في هذه الجريمة.

تفاعل إلكتروني

وانتشر مقطع مصور على «تويتر»، يظهر لحظة وفاة «فِكري»، في شاحنة طحن ونقل النفايات بعد مصادرة السلطات في منطقة الحسيمة، ما يقارب خمسة أطنان من السمك اشتراه؛ لأن نوعيته يمنع صيدها.

وظهر في المقطع «فكري» جالساً خلف شاحنة النفايات، وهي متوقفة عن العمل، احتجاجاً على مصادرة سلعته، قبل أن يلتحق به ثلاثة باعة آخرين لاسترجاع سلعهم من السلطات المحلية، وبعد ثوان قليلة، شُغّلت آلة طحن النفايات بالشاحنة ما أدى لمقتل «»فكري«»، وسط صراخ الحاضرين.

واحتل وسم «طحن مو»، قائمة الوسوم الأكثر تداولا في المغرب، كما وصف مغردون القتيل بـ«شهيد الحكرة» أو «شهيد الظلم»، قائلين إن قصته جسدت واقع الشرائح البسيطة في المجتمع، التي تكافح من أجل تأمين لقمة العيش.

وكتب «إلياس الخريسي»: «طحن مّو.. هذه هي العبارة التي قالها الشرطي لسائق شاحنة الأزبال بعد إرتماء الشاب محسن فكري بائع السمك داخل الشاحنة لإنقاد سلعته (كما قال شهود عيان)».

وأضاف: «طحن مو.. إذا كان فعلا قالها فبأي قلب وبأي ضمير تخرج من فم الشرطي.. أي قسوة هذه..؟ وأي جبروت؟».

وأضافت «ريم الأيوبي»: «العالم العربي غير صالح للحياة.. بائع سمك في المغرب تم تلف بضاعته في شاحنة للنفايات وعندما دخل لاسترجاعها امر الضابط بتشغيل الطاحنة!».

وتساءلت «مونيا»: «كيف يعقل لضابط أن يأمر سائق الشاحنة ويقول له طحن مو؟ وكيف للسائق أن ينفد هذا الأمر الإجرامي؟.. لن نسكت عن الظلم أبدا».

وتابعت «وئام مختار»: «هذا جَبَروت عجيب! وطُول ماهو موجود هاتِفضل سيرة بو عزيزي تِتكرر، وهاتِفضل الثورات الطاحِنة احتمال قائم».

وغرد «سامي سهيل»، بالقول: «ذبل المسكين في حضنك يا وطني.. حتى صرت له قبرا».

بينما كتبت «موني بنت الأسياد»: «الشعب لي يرضى بالذل والاهانة.. واللي ماينتفضش ويهضر على حقو، الشعب لي يرضى بقرارات لا شعبية».

وطالبت «جنات»، بمحاسبة المسؤول، وكتبت: «يجب محاسبة المسؤول عن هذه الواقعة أم أن الإنسان أصبح رخيص إلى هذه الدرجة».

وكتب «باك علي»: «محسن فكري مات نتيجة استهتار الإدارات المغربية بالمواطن المغربي.. وكلمات طحن مو دليل عدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب، أين العدالة؟».

ونشر مغردون، صور المظاهرات التي خرجت في عدة مناطق بالمغرب احتجاجا على مقتل «فكري»، فنشرت «سارة وهبي»، صورة تجمعات في الحسيمة، وكتبت تحتها: «صور تجمهر المواطنين الغاضبين في شارع طارق بن زياد بالحسيمة احتجاجا على الحكرة واستنكارا للفعل الذي قام به الشرطي الهمجي».

كما نشرت «كمار شكر» صورة لمظاهرات، وكتبت تحتها: «وقفة احتجاجية الآن في تطوان تضامنا مع المرحوم محسن».

ودعت «فاتي»، إلى الحزم مع المسؤول عن الواقعة، فكتبت: «يجب أن تكون هناك تغييرات جذرية وحازمة (وبالبرهان البين) فيما يخص تعامل رجال الأمن مع المواطنين وإلا سيتفاقم الأمر لما لا يحمد عقباه».

فيما علق «عبد الله بلحاج»، قائلا: «محسن سحقته الرأسمالية المتوحشة التّي دفعت البوعزيزي لبيع الخضروات و تدفع بالملايين من المسحوقين إلى جادة الفقر».

كما قارن «عبد القادر العلمي»، بين حادثة «فكري»، وحادثة اعتقال الفنان المغربي «سعد المجرد»، وكتب: «اعْتُقِلَ سعد بمقتضى القانون في فرنسا بتهمة محاولة الاغتصاب وتعاطي الكوكايين وقبل أن يقول القضاء كلمته قامت الدنيا ولم تقعد، وقُتِلَ بائع السمك بالحسيمة نتيجة تصرف سلطوي خارج المساطر القانونية ولم يحتج سوى مجموعة من المواطنين البسطاء في مكان وقوع الحادث، إنها مفارقة تؤشر لخلل عميق على مستوى القيم».

يشار إلى أن السلطات الفرنسية، ألقت الأربعاء، القبض على الفنان المغربي «سعد لمجرد»، على خلفية اتهام جديد له بـ«محاولة اغتصاب فتاة في الفندق الذي يمكث فيه»، قبل ان يتم ترحيله إلى السجن.

  كلمات مفتاحية

مظاهرات مدن مغربية طحن بائع السمك

«نيويورك تايمز»: المغرب مشتعل.. والعالم غير مهتم

للأسبوع الثالث.. مظاهرات بعشرات المدن المغربية تنديدا بغلاء الأسعار