استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لماذا لم أفقد إيماني بالربيع العربي؟

الثلاثاء 11 نوفمبر 2014 06:11 ص

ملاحظة: هذا المقال هو صيغة مُعدّلة بشكل طفيف لعرضٍ تم تقديمه في «منتدى الحرية بأوسلو» الشهر الماضي.

السيدات والسادة؛ صباح الخير. اسمي: إياد البغدادي. ناشط مَعنيّ بالربيع العربي وكاتب. فلسطيني الأصل. لكني عشت كل حياتي منذ لحظة مولدي في الإمارات العربية المُتحدة. وقبل عام تقريبًا كنت الصوت الأكثر تأثيرًا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي خارج دولة الإمارات، كما كنت بين أكثر ثلاثين صوتًا عربيًا تأثيرًا.

وخلال الربيع الماضي في صباح يوم 30 إبريل/نيسان استُدعيت فجأة من الحكومة الإماراتية التي أخبرتني أنه سيتم ترحيلي نهائيًا من دولة الإمارات العربية المتحدة. لم تُوجّه لي اتهامات، ولم أحصل على أسبابٍ مُقنعة، ولم أُعطَ فرصة لتقديم استئناف، وكان القرار واجب التنفيذ في الحال. زوجتي كانت حاملاً بطفلنا الأول في شهرها السابع.

عندما وُجّهت لي دعوة للتحدث أمامكم، اعتقدت أني سوف أتحدث عن: كيف لم تعرف السلطات الأماكن المناسبة التي يمكنهم ترحيل لاجئين فلسطينيين لا يحملون أي جنسية إليها؟! وكيف أعطوني في نهاية المطاف خيار الترحيل إلى ماليزيا أو البقاء في السجن لأجل غير مسمى؟! اعتقدت أن بإمكاني أن أعرض ما تعرضّت له من انتهاكات وعنصرية وظلم وفساد شاهدته بعيني أثناء اعتقالي، وكيف أن السُبل تقطعت بي في مطار كوالالمبور الدولي لمدة ثلاثة أسابيع بعد إطلاق سراحي.

لكن هذا ليس هو الموضوع الذي رأيت أني هنا لأحدثكم عنه. قصتي وما تعرضت له تنزوي خجلاً أمام مآسي عظيمة حدثت للربيع العربي، مآسي وقعت لجيل فتح فمه ليتحدث قبل ثلاث سنوات ليجد أمامه آلاف القوات تحيك به المؤامرات لتخنق صوته.

في مطلع عام 2011م، اندلعت حركة احتجاجية في العالم العربي يقودها شباب يطالبون بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية. لقد لمس "الربيع العربي" كل بلدٍ عربي تقريبًا باستثناء محدودٍ جدا، لكنه أخفق في إنتاج تأثير يُذكر على المؤسسات. وبدلاً من ذلك فقد تعرضت ثوراتنا لهجوم من قبل محور الثورة المُضادة المنظم مع وجود جيوب عميقة جدًا، بالإضافة إلى الشرعية الدولية والمصداقية.

أيها الأصدقاء: هذا هو حديث عن جيل وجد صوته ثم فقده؛ ما الأسباب وراء ذلك؟ وكيف يمكنه استعادته؟ ولماذا - رغم كل شيءٍ، - ما زلنا نحمل الأمل الذي لن نفقده أبدًا، ولن نتخلى عن النضال.

صديقتي مريم هي امرأة شابة فلسطينية - سورية؛ والتي كانت ضمن أول مجموعة من الناس تتظاهر بسلمية في عام 2011م كجزء من الثورة السورية. وحينما تحوّلت الثورة لحربٍ أهلية أصبحت عائلة مريم من اللاجئين الداخليين الذين يأملون الحصول على مأوى من دول الجوار عبر دمشق. في عام 2013م تمكنت مريم في نهاية المطاف من الفرار من سوريا بمفردها بعد أن رأت الموت والدمار بعينها مرارًا على طول الطريق.

التقيتُ مريم على أكثر من طعام في كوالا لمبور، واستمعت لمحنتها وهي تحكيها بنبرة تفاخر، ولم تسقط دمعة واحدة من عينيها رغم الأسى. وبعدما أنهت سرد قصتها طلبت مني سماع قصتي وبدأت أسرد.

عشت في الإمارات؛ البعيدة نوعًا ما عن معاقل الثورات، ولا تتسامح تجاه أي شكل من أشكال النشاط في الشارع. ونتيجة لذلك، كانت تجربتي بشأن الربيع العربي على شبكة الإنترنت. وعندما اندلعت الثورات مطلع عام 2011م، بدأت أكتب وأشرح وأحاول توصيل قصتنا للعالم. لكني أود أن أعتقد أن مساهمتي الرئيسية كانت في حقل الأفكار. حتى قبل الاطاحة بمبارك كنت أطرحُ سؤالاً رئيسيًا:

«يجب أن يسبق أي دستور تصريحًا أو بيانًا؛ هل لدينا واحد»؟ «أزعجني حقًا هو أنه لم يكن أحدًا يطرح ذلك التساؤل. على مدى الأشهر القليلة بعدها أثرت نفس الموضوع عدة مرات، ما هي الخطوة التالية؟ هل لدينا خطة؟»

لم يكن لدي أدنى شك في أن النظام الجديد وُضع لينشأ - لكني كنت على يقين من أنه لن ينشأ عفويًا. كان من الواضح أنه يحتاج تفكير أصلي وكثير من العمل. والأهم من ذلك؛ أنه بحاجة إلى جيل جديد من المثقفين – وخاصة الشباب الذين يتمتعون بالاستقلالية والمهارة في صياغة أفكارهم من خلال التواصل معًا والتواصل مع العالم الخارجي.

ووسط الاندفاع المذهل للأحداث في عام 2011، لم يكن أحد على استعداد حقيقي للحديث عن هذه القضايا. وعلاوة على ذلك؛ فإن الاستقطاب المتزايد وتمزق حركتنا كل واحدٍ على حدة، حيث كانت أحدها تركز على دور الإسلام. وفي خضم هذا، ومن شدة الاستفزاز أطلقت على نفسي «الليبرالي الإسلامي»، وتحدثت عن الحاجة إلى توطين الحرية؛ لنجد التعبير الخاص بنا وآلية تطبيقه؛ أقصد طريقنا الى الحرية.

بحلول عام 2012م؛ كان الربيع العربي قد سقط في الفخ. فعندما تصبح الأداة الوحيدة في يدك هي المطرقة، يبدو كل شيء وكأنه مسمار – في وقت كان فيه كل ما لدينا الاحتجاجات فقط. انتقلنا إلى الشوارع وتشبثنا بها، وكان تشبُثُنا طويلاً لدرجة أننا أعطينا الفرصة الكافية للديكتاتوريين ليدشنوا عودة جديدة.

كان التخطيط لمؤامرة يجري على قدمٍ وساقٍ. صار الكثير من وسائل الإعلام العربي يصف الربيع العربي بالمؤامرة الخارجية – لكن المؤامرة من وجهة نظري كانت هي محاولة منع الديمقراطية بأي ثمن. لقد كان هجومًا مُنظّمًا من قبل محور الثورة المضادة الذي كان يخشى بزوغ نجم الديمقراطية أكثر من خشيته من خروج ألف جماعة إرهابية من تحت الأرض.

من المهم جدا أن نُلاحظ أن الجماعات الإرهابية مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» لا تشكل تهديدًا وجوديًا للمستبدين العرب. في الواقع؛ هذا الوضع يروق لهم بشدّة. هذه المجموعات الإرهابية فرصة لهؤلاء المستبدين ليُظهروا أنفسهم كمحاربين للإرهاب، وداعين نحو تحقيق الاستقرار.

عندما يغلي الشعب ويطالب بالديمقراطية، وبدلاً من منحهم الديمقراطية إذا بك تضع الغطاء مرة أخرى وبإحكامٍ أكثر من السابق، فإنك لا تحصل الاستقرار – بل يحدث انفجار. وحتى إذا نجحتَ في إحكام الغطاء مراتٍ ومراتٍ وأحكمت قفله، فإنك لن تحصل على الاستقرار – لكنك تحصل على قنبلة موقوتة.

عندما وصلت لهذه النقطة في محادثاتي مع مريم نظرت إلى أعلى وجه هذه الشابة فوجدتها تبكي وهي التي لم تبكِ من قبل. أنا لم أسألها ما الذي فعها نحو الحافة. لقد كان الواقع أكثر إثارة للمشاعر من أي شيء آخر يمكنني فوله. لقد كنا هنا اثنين من الناشطين العرب نجلس على بعد أكثر من ثلاثة آلاف ميل بعيدا عن ديارنا كلاجئين في أرض أجنبية. أردنا سقوط الأنظمة، ولكن يبدو أنّ الأنظمة هي من أسقطتنا. كان لدينا ربيعًا عربيًا تحول إلى «ديزني لاند» للجهاديين.

نظرت مريم إليّ، ولن أنسى ما قالته بعدها. لقد كان الأمر أشبه بإلقاء كل إحباطها، وما تعرضت له من خيانة، وما عانت من آلامٍ في هذا السؤال الوحيد:

«هل تريد أن تخبرني أنك ما زلت مؤمن بالربيع العربي؟ بعد هذا كله ما زال لديك أمل فيه؟» لن أنسى أبدًا معالم وجهها وهي تطرح عليّ هذا السؤال ثم تعبيرات وجهها حينما رددت: «نعم»، ما دفعها للنظر إلي وكأنها تقول لي أنت مجنون.

لم أسعَ أبدًا للتوضيح، لكني سأفعل ذلك الآن.

هناك ثلاثة أسباب تدفعني لهذه الثقة رغم كل هذه الكوارث. السبب الأول هو أن 2011م حدث، ولم يكن حُلمًا أو ضربًا من الوهم. ملايين الشباب العربي خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة. هناك شيء جميل ظهرت نبتاته الخضراء واستولى على خيال العالم. لم يكن سرابًا ... حقًا لقد كنا موجودين.

نحن لسنا أقلية مُطلقًا. لكننا ظهرنا كذلك لأننا لم نكن مُنظّمين...نحن لم نكن على القائمة. عندما ظهرت الخيارات أمامنا سوداء أو بيضاء ولا وسط بينهما، فذلك لا يعني أن اللون الأحمر أو الأخضر أو الأزرق أقلية. عندما انجلت الخيارات أمامنا ما بين استبداد ديني أو فاشية القومية، فلا يعني ذلك أنّه ليس هناك خيار ثالث. الخيارات فقط ليست موجودة على القائمة، ومسئوليتنا التاريخية تُحتّم علينا الآن أن نضع أنفسنا ضمن القائمة.

السبب الثاني؛ أثقُ في أنّ الصداقات التي نشأت منذ عام 2011م لا يمكن أن تختفي أو تزول. المشهد على الانترنت ليس مجرد مشهد «افتراضي»، السيدات والسادة؛ لا... كل شيء حقيقي جدا. الأفكار حقيقية، والصداقات حقيقية. العديد من الناشطين لم يلتقوا وجهًا لوجه - لكننا نتحدث بشكل شبه يومي عن الأشياء التي تشغلنا.. نحن عائلة، وصداقتنا ماضية للأبد.

لقد قال «مارتن لوثر كينج»ذات مرة: "يجب على أولائك الذين يريدون السلام أن يكونوا مُنظمين بشكل فعّال لا يقل عن تنظيم أولائك الذين يريدون الحرب"، وأنا سأقتبس هذه المقولة لأعيدها:«يجب على أولئك الذين يريدون الحرية أن يكونوا مُنظمين بشكل فعال لا يقل عن تنظيم المستبدين» ويمكن لهذه الصداقات عبر الإنترنت تشكيل نواة للحركة الفكرية، ونحن نعمل معًا على الحملات والمشاريع والكتب.

الثالث: وربما السبب الأكثر أهمية وراء ثقتي هو أن الأنظمة العربية القديمة لا تملك سوى وحشيتها وجيوبها العميقة، فليست هناك رؤية أو أمل وراء الطائفية والغوغائية والنعرة القومية. هذه الأنظمة تعيش لفترة محدودة اعتمادًا على الجنون الجماعي؛ وهذا لا يدوم طويلاً. ذلك – باختصار – لا يزرع استقرارًا، ولا يُحقق نموًا.

والأهم من ذلك؛ أن لديهم القليل من الأسرار القذرة. هم خائفون منّا. هم ليسوا خائفين ممن يحملون السلاح؛ إنهم خائفون ممن يحملون الأفكار. السيدات والسادة؛ نحن المستقبل. على الرغم من المشهد الكارثي إلا أننا المستقبل. وإذا لم يتركوننا نحلم فلن نتركهم ينامون.

ولكن هناك سبب آخر يجعلنا لا نتخلى عن ثورات الربيع العربي. في أغسطس؛ ولتجنب تجاوز مدة التأشيرة قصيرة الأمد التي مُنحت لي عندما دخلت ماليزيا قررت زيارة كمبوديا. محطتي الأولى كانت إلى موقع النصب التذكاري «تشون-إيج» المعروف باسم "حقول القتل". مشيت فقط حوالي خمسين خطوة، لم أستطع المواصلة فجلست على مقعد، ووضعت رأسي في يدي، وانفجرت باكيًا.

الكمبوديون يأتون إلى هذا الموقع للنظر في ماضيهم، ولكن شعرت وكأني كنت أسير داخل معرض من الممكن أن يكون المستقبل في العالم العربي - مستقبل مليء بالمجازر، والمقابر الجماعية، والإبادة الجماعية. لقد وقعت الإبادة الجماعية في كمبوديا منتصف السبعينيات؛ أي في فترة مولدي.

ابني صاحب الشهور الأربعة؛ تُرى ما هي مواقع الإبادة الجماعية التي سيخطوا فيها حينما يكون في مثل عمري؟ هل سيكون يكون هناك نُصب تذكاري مخصص لمذبحة «رابعة» التي ارتكبها النظام العسكري في مصر؟ هل سيكون هناك لمذبحة «الغوطة» التي ارتكبها نظام الأسد في سوريا؟ هل سيكون هناك نُصبًا لمذبحة «الشتات» التي ارتكبها تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ أم أن هناك فظائع أخرى لم تأت بعد؟

الأهم من ذلك، هل سيعيش ابني في عالم يخشى أن يتكلم فيه؛ حيث المطالبة بالكرامة تنتهي بصاحبها إلى السجن، ويتحتم عليك أن تفكر ألف مرة بشأن ما تريد قوله، أو تغريده، خوفًا من إغضاب المُخطئين؟

هذا هو ما ينتظرنا حال فشلنا. إما الربيع العربي أو لا عرب. عالم عربي يزخر بالديمقراطية ليس فقط لخلاصنا كعرب، لكنه أمل العالم أن يُوضع حدٌ لدوامة الإرهاب والطغيان التي نعلق بها.

حاليًا؛ أكتبُ كتابًا بعنوان: البيان الرسمي للربيع العربي؛ والذي يُفسّر رؤيتي بشأن الليبرالية الإسلامية، وآمل إنهائه على الصيف المقبل. سيكون من أوائل ما كُتب عن الربيع العربي، وأتمنى ألا يكون آخر ما يُكتب.

السيدات والسادة؛ اسمحوا لي أخذ دقيقتين من وقتكم لأبقى مع رسالة قصيرة إلى ولدي إسماعيل؛ الذي وُلد في نفس شهر مولدي – يونيو. لقد أكمل شهره الرابع قبل ايام قليلة. فقط رأيته الأسبوع الماضي ولم أقضِ معه سوى ثلاثة أيام.

إسماعيل: أنا أقول هذا بصفتي أب. أنا اُفضّلُ لك أن تموت صغيرًا على أن تعيش جبانًا. لقد سبقنا جيل أبقى رأسه منخفضة وأنفه في التراب وألِفَ العيش مع الاستبداد والفساد والظلم وقبل ذلك كله على أنه حقائق حياتية، وقد ورّثوا ذلك لنا في العالم العربي كما نرى اليوم. بِركة منتنة من التخلف والجمود وساحة يتحرك فيها الطغاة والارهابيون. والآن؛ وبعد أن بدا أن الثورة المضادة قد سادت، فإنهم يتوقعون منا أن نأخذ نفس الصفقة مرة أخرى. «ثق أيها القائد العظيم في حقوقك. ثق بنا مع مستقبل أطفالك. امض قُدمًا مع الرجل القوي الذي يحمل لك الأمن».

كلا البتة؛ لا تعطيهيم الشرعية حتى لو أعطاها لهم العالم. لا تنادي عليهم بألقابهم «السادة» أو «أصحاب الجلالة» حتى لو فعل العالم. لا تصفهم بأوصاف الأبطال أو الشجعان ولو فعل العالم.

حريتنا أو الموت في سبيلها. كرامتنا أو الموت لأجلها. ربما تعيش طويلاً وتكون عظيمًا، لكن إذا خيروكَ بين الأمرين فاختر أن تعيش عظيمًا.

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

إياد البغدادي الربيع العربي

بعد ترحيل الإمارات له .. «البغدادي» يعود برسالة للقادة العرب: الربيع العربي لم يمت

كيف حاولت الإمارات إسكات أحد أكثر نشطاء الربيع العربي شعبيةً؟

«ثورات الربيع العربي» كلمة السر في الخلافات القطرية الإماراتية

«نبيل رجب»: حقوق الإنسان في الخليج «ضحية» مخافة امتداد «الربيع العربي»!