«ستراتفور»: الثمن الذي تدفعه الإمارات من أجل التقدم

الاثنين 28 نوفمبر 2016 12:11 م

تأخذ الإمارات العربية المتحدة احتفالات يومها الوطني على محمل الجد. وعلى الرغم من أنّ كل من الدول الـ 6 في مجلس التعاون الخليجي تتعامل مع أعيادها الوطنية بطريقة مماثلة، يرصد الإماراتيون عيدهم الوطني بذوق منقطع النظير. وعندما تحتفل البلاد بيومها الوطني رقم 45 يوم 2 ديسمبر/ كانون الأول، تأخذ المسيرات طريقها خلال شوارع المدينة متزينة بالألوان الوطنية، الأحمر والأبيض والأخضر. وستزين الأعلام والأضواء الحافلات والمجمعات التجارية في جميع أنحاء الدولة الفتية، وسيتم إضاءة برج خليفة، المبنى الأطول في العالم، بشكل كامل، تكريمًا لليوم. وبلا شك، فإنّ المشروع العملاق الأخير للبلاد، القناة الاصطناعية التي حولت وسط دبي إلى جزيرة، ستتزين من أجل المناسبة.

وتهدف عروض الفخر الوطني هذه إلى إبهار المراقبين الخارجيين إلى جانب مواطني الإمارات. ومنذ تأسيسها عام 1971، وخاصةً تحت القيادة الحالية، سعت الإمارات لإقناع العمالة الأجنبية التي تعتمد عليها بصورة الثراء والتقدم. وقد استفادت البلاد من هذا النهج؛ حيث فتحت الشركات من جميع أنحاء العالم فروعًا لها في الإمارات وفي المدينتين الأكبر بها دبي وأبوظبي، والتي تعتبر على نطاق واسع المكان الأكثر استضافة للوافدين المهرة في منطقة الخليج. لكنّ نجاح البلاد تحقق بشق الأنفس.

من السمك إلى الثراء

ومع كل هذا البريق لاحتفالات اليوم الوطني للإمارات، فإنّ ثروة البلاد وهيبتها لا تعود سوى إلى بضع سنوات أقدم من الدولة نفسها. عندما أسست المملكة المتحدة الإمارات المتصالحة عام 1820 لزيادة سيطرتها على القبائل البحرية في المنطقة، فإنّ المشيخات، التي أصبحت اليوم دولة الإمارات، لم تكن سوى مواقع تجارية راكدة. وكان الصيد وتجارة اللؤلؤ المصدر الأساسي للدخل ذلك الوقت لهذه المجتمعات الصحراوية في الخليج. ومع ذلك، أتاح موقع الإمارات المتصالحة موقعًا جيدًا لبريطانيا لمراقبة التجارة عبر إيران والهند وأفريقيا. وفي المقابل، حصلت الإمارات المتصالحة على ضمانات أمنية من القوات المسلحة البريطانية بينما استمرت في التجارة مع العراق والهند وبلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ثمّ أدى اكتشاف المملكة العربية السعودية للنفط عام 1938 إلى ذروة النفط في كل منطقة الخليج، حيث تساءل الزعماء إن كانت أرضهم أيضًا تحتوي ودائع غير مكتشفة. وبالقرب من نهاية العقد التالي، انسحبت القوات البريطانية من الإمارات المتصالحة بعد تواجدها هناك لمدة 150 عامًا، وهو ما دعا المشايخ للوقوف صفًا واحدًا في غياب رعاية المملكة المتحدة. وكان الاتحاد الناتج والذي أسسه الشيخ «زايد بن سلطان آل نهيان» عام 1971، اتحادًا فضفاضًا من القبائل القوية والأسر الحاكمة، والتي أصبحت تعرف باسم دولة الإمارات العربية المتحدة. (رفضت البحرين وقطر الانضمام للاتحاد، ولكن بعد 8 سنوات، ومع صدمة الثورة الإيرانية لمنطقة الخليج، اجتمعت قطر والبحرين مع الإمارات والكويت والسعودية وعمان ليشكلوا مجلس التعاون الخليجي).

وفي وقت قصير منذ ذلك الحين، شهدت الإمارات تحولًا مذهلًا، لم يشهد له مثيل حتى في شركائها من دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من أنّ البحرين وقطر والكويت قد أسست قطاعات مالية قوية ومعروفة، وهو الشيء الذي تسعى إليه السعودية، إلّا أنّها تتضاءل بالمقارنة بما فعلته الإمارات. ويمتد هذا الاتجاه إلى مجالات أخرى في اقتصاد البلاد كذلك، ويبدو من المؤكد أنّ ذلك سيستمر لسنوات قادمة. ويرى المسؤولون الإماراتيون أنّ كأس العالم الذي سيقام في قطر عام 2022 سيجلب السياح مع أرباحٍ وفيرة لبلادهم، التي لديها المزيد من فرص السكن ومشاهدة المعالم السياحية أكثر مما تقدمه الدوحة. وقبل ذلك بعامين، ستستضيف دبي معرض إكسبو 2020، الأمر الذي يعطي البلاد فرصة أخرى لتسليط الضوء على التقدم المذهل الذي حققته منذ تأسيسها.

الآثار الجانبية للنجاح

لكن الصعود السريع لدولة الإمارات تسبب أيضًا في مشاكل لحكومتها. ونظرًا لقلة عدد سكان البلاد، فإنّ الحاجة للعمالة اللازمة لدعم اقتصادها المزدهر، كان تحديًا مستمرًا. ولمواكبة النمو السريع في صناعة النفط الذي بدأ في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كان على الإمارات جلب مزيد من العمالة الأجنبية، بما في ذلك المعلمين. وكانت غالبية العمالة الوافدة من الدول العربية الأخرى مثل فلسطين والأردن، ومصر بشكل خاص. وأتى البعض مع أفكاره الخاصة عن القومية العربية أو الأصولية الإسلامية. وفي الوقت نفسه، تمّ إرسال بعض الشباب الإماراتي للدراسة في الخارج، وعادوا مع مفاهيم جديدة حول العدالة الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي نقلًا عن جماعة تسمى الإخوان المسلمين.

وعلى الرغم من أنّ دولة الإمارات قد تسامحت في البداية مع جماعة الإخوان المسلمين، إلّا إنّها قد رأت في تأثيرها المتنامي تهديدًا على سيطرتها على البلاد. وبدأت أبوظبي تضييق الخناق على التنظيم خلال التسعينات والعقد الأول من الألفية الجديدة، في محاولة للقضاء على ما تعتبره دولة موازية. واستمرت معارضتها القوية للجماعة حتى بعدما تولوا السلطة في مصر عام 2012. لم يدم بقاء جماعة الإخوان في السلطة إلّا لعام واحد، بعدما أطاح انقلاب عسكري بالرئيس «محمد مرسي»، ولم تستعد الجماعة تأثيرها السياسي منذ ذلك الحين. ومع ذلك، لا يزال الإسلام السياسي قوة في الشرق الأوسط، وهو الشيء الذي لن تتردد الإمارات بلا شك في مواجهته مرة أخرى، طالما أنّها تعتمد على العمال الأجانب كأساس لنهوضها الاقتصادي.

ومع زيادة نفوذ البلاد، أخذت على عاتقها دورًا أكثر حزمًا في السياسة الخارجية الإقليمية. وقد مدّت الإمارات الجماعات المتمردة في سوريا بالمساعدات والمعدات، ودعمت عددًا من الفصائل في ليبيا كذلك. ولكنّ نشاطاتها الخارجية قد أتت بتكلفة باهظة في بعض الأوقات على حساب أبوظبي. على سبيل المثال، فقد تعرضت الإمارات لانتقادات إثر مشاركتها جنبًا إلى جنب مع السعودية في حربها في اليمن. إضافةً إلى ذلك، فقد أحيت دولة الإمارات ذكرى لأول مرة في تاريخها عام 2015 لتكريم 40 جندي إماراتي قتلوا في هجوم واحد في اليمن، وهي الحادثة الأسوأ في تاريخ البلاد القصير.

خلال عقود من الزمن، أظهر زعماء الإمارات أنّهم لن يعانوا من الحواجز على طريق نجاح البلاد. فهم يستشعرون أقل عقبة قبل حدوثها، مثل الصعود المحتمل لجماعة معارضة، وتقوم الحكومة بإجراءات استباقية لتخفيفها أو إزالتها.

  كلمات مفتاحية

الإمارات الإخوان المسلمين الإسلام السياسي تحول اقتصادي

«واشنطن بوست»: مستقبل الإخوان المسلمين في الخليج

«إيكونوميست»: حرب حكام الخليج ضد «الإخوان» جاءت بنتائج عكسية غير مقصودة

إلقاء اللوم على الإخوان: من يشوه سمعة الإمارات؟