«تعويم الجنيه» وخـسائر الدائنين المـصريين

الاثنين 12 ديسمبر 2016 02:12 ص

مع توقع حصول مصر خلال ثلاث سنوات (حتى عام 2020)، على قروض خارجية جديدة تقدر بنحو 21 مليار دولار، وتحذير عدد من خبراء المال والاقتصاد من أخطار تفاقم دَينها العام وتداعياته المالية والاقتصادية والاجتماعية، تؤكد وحدة السياسات الكلية في وزارة المال المصرية، أن إجمالي الدين الخارجي لمصر يقع في حدود آمنة، ما يتيح لها مجالاً أكبر للتوسع في الاقتراض من الخارج، والاستفادة من خفض كلفة القروض الحكومية من خلال تنويع مصادر تمويل عجز الموازنة، باعتبار أن أسعار الفائدة على النقد الأجنبي أقل كثيراً من سعر الفائدة على الجنيه المصري.

أرقام البنك المركزي تؤكد ذلك أيضاً، مع الإشارة إلى أن الدَين الخارجي بلغ 53,4 مليار دولار بنهاية آذار (مارس) الماضي، إي ما يعادل نحو 19,6 في المئة من اجمالي الناتج المحلي البالغ 272 مليار دولار بنهاية العام المالي الماضي. وهي نسبة منخفضة مقارنة بـ «القاعدة الذهبية» لمعايير الأخطار الدولية وفق «ميثاق ماستريخت» والمحددة بمعدل 60 في المئة للدَين المقبول نسبة للناتج الإجمالي.

وبما أن مصر قادرة على سداد القروض في مواعيد استحقاقها، فليس هناك من سبب للتخوف من زيادة الدَين الخارجي (!)، خصوصاً أنها سددت في كانون الثاني (يناير) الماضي نحو 700 مليون دولار لدول نادي باريس، وكذلك دفعت آخر قسط من الودائع المستحقة عليها لدولة قطر والبالغة مليار دولار، وقد التزمت مصر بدفع هذا المبلغ رغم أن قطر لم تطلب الوديعة، وكان يمكن تأخير دفعها مع تحمل كلفة الفائدة، لكنها (أي مصر) اختارت سدادها في موعدها المستحق. 

مع العلم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدر أخيراً توجيهات بعدم التوقيع على إي قروض من دون التأكد من إمكان سدادها، ما دفع صندوق النقد الدولي إلى توقيع قرض لمصر قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات، وكذلك البنك الدولي الذي أبدى استعداده لمنحها قروضاً تصل إلى 6 مليارات دولار.

ولكن إذا كان الدَين الخارجي لمصر يقع في حدود آمنة، والتوسع فيه متاح وارتفاع أرقامه ببلايين الدولارات مقبول، فان دَينها الداخلي يتفاقم ويزداد بوتيرة تحمل أخطاراً مالية واقتصادية واجتماعية، على رغم انه يعتبر «دَين أهل البيت».

لا شك في أن القطاع المصرفي يعتبر «القاطرة الرئيسية» لمسيرة الاقتصاد المصري وتمويل إنفاق القطاعين العام والخاص واستثماراتهما، بما فيه تمويل عجز موازنة الدولة السنوية، وقد سجلت الودائع المصرفية رقماً قياسياً تجاوز حاجز التريليونَي جنيه للمرة الأولى في تاريخها. 

كما أن هذا القطاع يتمتع بمعدلات سيولة وقاعدة رأسمالية جيدة، تمكن من مواجهة الأزمات المحلية والدولية، وبرزت أهميته في مساهمته الكبيرة بنجاح الاكتتاب في شهادات استثمار قناة السويس بجمع 64 بليون جنيه خلال ثمانية أيام، حتى أن هذا الاكتتاب ساهم بدوره في دخول أموال جديدة تقدر بنحو 27 مليار جنيه لشراء الشهادات من خارج الجهاز المصرفي، ما يؤكد جاهزية البنوك بكل إداراتها لتمويل التنمية والدخول في أصعب العمليات في المستقبل، خصوصاً أن نسبة القروض إلى الودائع في هذا القطاع تصل إلى نحو 45 في المئة، لذلك تبقى السيولة كافية لتمويل كل أحجام المشاريع وأنواعها بما يساهم في زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر.

في مقابل تلك المؤشرات الإيجابية، هناك أخرى سلبية نتيجة ارتفاع الدَين الداخلي الذي تجاوزت أرقامه الـ2,5 تريليون جنيه، وتوقع ارتفاعها مع تغطية عجز الموازنة العامة للدولة بنهاية العام المالي 2015- 2016 والبالغ نحو 240 مليار جنيه.

بدأ تراكم الدَين الداخلي لمصر منذ العام 1994 لسد عجز الموازنة في ظل انخفاض معدل النمو، واستمر طوال 22 سنة بالارتفاع بالوتيرة ذاتها، ومنذ مطلع الألفية (1999- 2000) ارتفع من 164 بليون جنيه وعلى مراحل سنوية، إلى 388 بليوناً عام 2004، ثم قفز إلى 558 بليوناً في 2008. واستمرت الزيادة حتى وصل إلى رقم قياسي تاريخي عام 2016. وترافق ذلك مع تدهور سعر صرف الجنيه وارتفاع أسعار الفائدة على العملة المصرية حتى وصلت أخيراً إلى نحو 20 في المئة في محاولة لجذب الاستثمارات الخارجية نتيجة الفرق الكبير مقارنة بالفائدة على الدولار والعملات الأجنبية في الخارج، وهي متدنية إلى حدود تتراوح بين 2 و 3 في المئة.

وفي تقويم بالعملة الأجنبية يعادل «دولار القاهرة» حالياً نحو 17 جنيهاً بعد تعويم العملة المصرية، فإن الدَين الداخلي يبلغ نحو 147 بليون دولار، ومع إضافة الدَين الخارجي البالغ نحو 53,4 بليون دولار، يكون حجم الدَين العام لمصر أكثر من 200 بليون دولار، أي بما يعادل نحو 74 في المئة من الناتج.

رغم أن ارتفاع سعر الفائدة على الجنيه ساهم في ارتفاع خدمة الدَين التي بلغت نحو ثلث موازنة الدولة، وهو مؤشر سلبي وخطير ويجب وضع حد له، فان تدهور سعر صرف الجنيه بعد «تعويمه»، ساهم في خفض قيمة الدَين الداخلي المقوم بالعملة الأجنبيه إلى النصف تقريباً، والفرق الكبير خسره الدائنون المحليون.

* عدنان كريمة كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية

المصدر | عدنان كريمة | الحياة

  كلمات مفتاحية

مصر «تعويم الجنيه» المصري خسائر الدائنين المصريين قروض خارجية تفاقم الدَين العام تداعيات مالية واقتصادية واجتماعية وحدة السياسات الكلية الدين الخارجي المصري وزارة المالية المصرية