«ستراتفور»: منافسة على ضفاف النهر.. الجذور التاريخية للصراع المائي بين مصر وأثيوبيا

الثلاثاء 3 يناير 2017 03:01 ص

توقّعات

(1) ستخلق المنافسة على تأمين المياه من نهر النيل مشاكل لمصر وأثيوبيا، أكثر ممّا ظهر على مرّ القرون.

(2) من المحتمل أنّ الدولتان ستجدان، على الرغم من ذلك، أرضية مشتركة رغم استمرار بناء سدّ النهضة الإثيوبي العظيم، الذي يدور حوله الانقسام.

(3) سيستمر انعدام الثّقة مهيمنا على العلاقة بين القاهرة وأديس أبابا، ولن تنتهي المنافسة على الماء بين مصر وأثيوبيا.

تحليل

كانت مصر وأثيوبيا على خلافٍ في معظم فترات تاريخهما الحديث، وخاصةً فيما يتعلق بمحاولات كل منهما لتأمين المياه من حوض نهر النيل. وظهر هذا الصراع مؤخرًا في المفاوضات التي جرت حول سد النهضة الإثيوبي العظيم، الذي يقع على النيل الأزرق. ويوضّح تاريخ المنافسة على الممر المائي الحرج سياق الديناميات الإقليمية التي ستدوم لفترة طويلة في المستقبل.

وتقع المعاهدات في قلب النزاع الدائر بين مصر وأثيوبيا على نهر النيل. في المقام الأول، لأنّ معظم تلك الاتفاقيات لم تشمل أثيوبيا من بين الموقّعين. وكانت المعاهدات مجرّد أدوات للاستعمار البريطاني في القرنين الـ 19 والـ 20 لإدارة العلاقة بين مستعمرتي مصر والسودان التابعتين له. وأثيوبيا التي لم تكن مستعمرة، ورغم أنها لجأت في بعض الأوقات للتفاوض مع الاستعمار البريطاني، لكنّها أبدًا لم تتوصل معه إلى اتفاق حول استخدام نهر النيل. وكثيرًا ما رفضت أديس أبابا الإطار القانوني القائم في هذه الفترة لإدارة النهر. وكانت واحدة من تخوّفات أثيوبيا الرئيسية، هو أنّها لا تحظى بالحماية الكافية كدولة منبع بنفس الطريقة التي يتم حماية دول المصبّ بها مثل مصر.

الأثر الجيوسياسي للنيل

من وجهة نظر أثيوبيا، تعتمد كل دول الحوض على الموارد المائية. وتحتج أديس أبابا أنّه كان ينبغي دعوتها للاتفاقات الأولية التي حدّدت شروط استخدام المياه. ولأنّه قد تم تهميشها من عملية إدارة النهر، تابعت أثيوبيا بدلًا من ذلك مشاريع التنمية الذاتية مثل سد النهضة الإثيوبي العظيم. ويمثّل هذا النوع من المشاريع مشكلة كبيرة لمصر، حيث يعدّ النيل هو المصدر الأول للمياه العذبة والري المطلوب للزراعة في البلاد. ولهذا السبب وحده، سيطرت مصر وستستمر في السيطرة على استخدام مياه نهر النيل. وبدون ذلك، لن تبقى مصر على قيد الحياة.

تمّ الوصول إلى أحدث المعاهدات حول إدارة نهر النيل عام 1959، والذي كان بدايةً لتاريخ حديث من علاقات نهر النيل. وقد تمّ توقيع المعاهدة بعد وقت قصير من إعلان استقلال السودان عام 1956 مع صعود «جمال عبد الناصر» لرئاسة مصر. وتضمنّت الاتفاقية الحديث تحديد كمية المياه المستحقّة لكل بلد والمشاريع المشتركة للحدّ من فقدان الماء من التبخّر في قطاعات معينة من النيل، ولكن مرّة أخرى، لم يشمل الاتفاق أثيوبيا.

وبالطبع، لم يكن «عبد الناصر» غافلًا عن مخاوف أثيوبيا أو أهميتها للأمن المائي المصري. وحتّى قبل عهد «عبد الناصر»، حاولت مصر السيطرة على النيل الأزرق أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل. وخلال القرن الـ 19، حاولت مصر غزو أثيوبيا للسيطرة على هذا الجزء من الحوض. لكنّ القوّات الإثيوبية حرّفت الغزو إلى سواحل ما يعرف اليوم بإريتريا. وحتّى مع فشل الغزو، أبقت مصر على بعض فوّاتها في مدينة مصوع (حاليًا جزء من إريتريا) للحفاظ على الخيارات العسكرية ضد أثيوبيا. وبحلول عام 1956 عندما جاء «عبد الناصر» إلى السلطة، لم يعد للجيش المصري تواجد في أثيوبيا، لأنّ الاحتلال البريطاني كان قد رفع يده عن المنطقة، وفي عام 1952 كانت إريتريا قد دخلت في اتّحاد مع أثيوبيا.

وبدلًا من إجبارها عسكريًا، حاول عبد الناصر العمل مع أثيوبيا عبر الدبلوماسية. علاوة على ذلك، كان لـ«عبد الناصر» صلات مباشرة مع حكّام أثيوبيا. لكنّ «عبد الناصر»، على الرغم من ذلك، فشل في إقناع إمبراطور أثيوبيا بزيارة مصر. وعلى الرغم من اهتمام أثيوبيا بالتعاون مع مصر فيما يخص القضايا المائية، فإنّ أفكار القومية العربية التي نشرها «عبد الناصر» في البلاد والمنطقة قد وضعت سدًّا أمام تعاون البلدين. فأثيوبيا كانت تعتقد أنّ هذا الفكر خطرًا على الأنظمة الملكية بما فيها نظامها.

انحسار الصراع

بالإضافة إلى ذلك، تأثّر البلدان بسياسات الحرب الباردة. فبينما كان الاتحاد السوفييتي يدعم «عبد الناصر»، كانت الولايات المتّحدة تدعم أثيوبيا. ومع كون الشيوعية عمومًا تعدّ تهديدًا للأنظمة الملكية، فقد رفض حكّام أثيوبيا الشيوعية وجميع وكلائها. وفي نهاية المطاف، أطاحت الشيوعية بالنظام الملكي في أثيوبيا، عندما سيطرت لجنة التنسيق للقوات المسلحة والشرطة والجيش الإقليمي (مجلس عسكري ماركسي لينيني) على البلاد عام 1974. وقبل ذلك، منع النظام الملكي التعامل مع نظام «عبد الناصر»، مما دفع عبد الناصر للبحث عن وسائل أخرى لمحاولة السيطرة على النيل الأزرق.

نتيجةً لذلك، بدأت حكومة «عبد الناصر» تقويض الحكومة الإثيوبية. وبمساعدتها لإريتريا والصومال، حاولت مصر إضعاف أديس أبابا بتحريض المسلمين في أثيوبيا على مقاومة الإمبراطور المسيحي، وتمّ استخدام الخطابات الحماسية لذلك في إذاعة القاهرة. كما وفّروا التسهيلات للثوار في إريتريا لبث الدعاية الخاصة بهم، ووفّرت كذلك التدريب العسكري للإريتريين، الذين أصبح العديد منهم جزءًا من السلطة بعد استقلال إريتريا عام 1991. واستغل «عبد الناصر» أيضًا الصراع العرقي الصومالي والذي اندلع في جنوب شرق أثيوبيا من أجل توحيد صومال أكبر. وقدّمت مصر الدعم العسكري هناك أيضًا.

ومع ذلك، أدّى هذا التدخل في النهاية إلى اندلاع حرب بين أثيوبيا والصومال على إقليم أوغادين. وبحلول ذلك الوقت، كانت الشيوعية قد وصلت إلى السلطة في أثيوبيا، و«عبد الناصر» لم يعد يحكم مصر. واستطاعت أثيوبيا هزيمة الصومال في النهاية بمساعدة الاتحاد السوفييتي، وكانت بداية لعصر الشيوعية في أثيوبيا. وخلال هذه الفترة، أصبح «أنور السادات» رئيسًا لمصر، وتغيّرت أولويات البلاد. ولم تكن أثيوبيا في وضع يسمح لها باستمرار المنافسة مع مصر، فقد كانت منشغلة بالصراع الداخلي، ناهيك عن حرب استقلال إريتريا. وهكذا، لبعض الوقت، خفّت حدّة محاولات كلا البلدين لتقويض الآخر.

المياه الثمينة

لكنّ التوتّرات تجدّدت عام 2011، عندما بدأت أثيوبيا بناء سدّ النهضة الإثيوبي العظيم بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية. وقد شرعت مصر في جولة جديدة من المفاوضات للتأكّد من عدم إضرار السدّ بمصالح مصر المائية. ومنذ ذلك الحين تقدّم بناء السدّ وكذلك العملية الدبلوماسية حوله، بخطىً بطيئة ولكن ثابتة.

وبرغم التعاون، الذي تضطر إليه مصر كونها لا تملك حلولًا بديلة لإيقاف بناء السدّ، استمرت المخاوف التاريخية بين القاهرة وأديس أبابا. وحتّى الآن، فإن أثيوبيا تواجه اضطرابات داخلية يقودها الاستياء العرقي، وظهرت مرّة أخرى اتهامات بدعم مصر لمقاتلي المعارضة. وقد دخلت بلدان مثل السعودية على الخط أيضًا، على أمل الاستفادة من سدّ النهضة الإثيوبي العظيم في التأثير على مصر، التي سعت مؤخرًا إلى قدرٍ أكبر من الاستقلال في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، ومقاومة أي محاولات لوضعها تحت تأثير خارجي. وتؤكّد الجغرافيا أنّ المنافسة بين مصر وأثيوبيا سوف تستمر.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

مصر أثيوبيا إريتريا نهر النيل سد النهضة جمال عبد الناصر

مدير المخابرات الإثيوبية يزور جنوب السودان وسط أنباء عن تهديدات لبلاده