تأخر مردود «التعويم» بمصر.. المواطن ضحية ارتفاع الأسعار وثبات المرتبات

الأربعاء 4 يناير 2017 04:01 ص

كلما تأخر المردود الاقتصادي من القرارات الإصلاحية للحكومة المصرية، زادت معاناة المواطنين، وسط آمال بتحسن الأحوال المعيشية على المدى المتوسط.

لكن أمام ارتفاع أسعار كل شيء في البلاد، التي تستورد معظم احتياجاتها من الخارج، وصلت بعض القطاعات إلى حالة من الركود، دون بيع أو شراء.

محافظ البنك المركزي «طارق عامر» قال في تصريحاته لمجلة «الأهرام الاقتصادي»، إن «الحل لمواجهة هذه المشكلة (أزمة الدولار وارتفاع الأسعار) يكمن بالطبع في تشجيع مصادر العملة الصعبة من سياحة وصادرات واستثمارات أجنبية».

ويفهم من كلام «عامر» أن الاقتصاد المصري يدور في دائرة مفرغة دون تنشيط السياحة وجذب استثمارات جديدة وتشجيع الصادرات، إذ إن أي حصيلة دولارية حاليًا ستستخدم في استيراد السلع الأساسية، وسداد عجز الموازنة (الديون الخارجية التي ارتفعت نتيجة لجوء مصر إلى الاقتراض الخارجي)، بينما يقف المواطن المصري متفرجًا بين البائع (المقرضين) والشاري (الحكومة المصرية) مبديًا تعجبه ودهشته من اتفاقات بمليارات الدولارات لا يصل إليه منها سوى «ارتفاع الأسعار».

تضرر المواطنين

وبحسب صحيفة «الشرق الأوسط»، فإنه بعد نحو شهرين من تعويم الجنيه في مصر، لم تتحسن الأحوال الاقتصادية للمواطنين على نحو ما يرام.

فمن يمتلك الدولار الذي بلغ متوسط تعاملاته أمس الثلاثاء 18 جنيها في البنوك، فمن يتحصل على 500 دولار شهريًا، يصل دخله في مصر إلى نحو 9000 جنيه، أما إذا كان يتحصل على ألفي جنيه شهريًا، فيكون دخله نحو 111 دولارا شهريًا.

ويصل الحد الأدنى للأجور في مصر إلى 1200 جنيه (66.7 دولار) شهريًا، أمام ارتفاع أغلبية السلع والخدمات بنحو 100%، الأمر الذي يجعل الحد الأدنى للأجور الفعلي هو 600 جنيه (33.3 دولار)، وسط ارتفاع معدل التضخم لنحو 20%.

ورغم تأكيدات المسؤولين في مصر أن الحكومة اتخذت جميع الإجراءات التي تضمن عدم تأثر السواد الأعظم من المصريين بإجراءات تعويم الجنيه، فإن أغلبية المصريين تأثروا بنسب متفاوتة، كل على حسب أجره الشهري؛ وطلب الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» حيال ذلك بمزيد من الصبر لمدة عامين، حتى تتحسن الأمور الاقتصادية.

سوق الدولار

واتخذت مصر قرارًا بتعويم العملة في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الأمر الذي تراجع معه الجنيه نحو 43% مباشرة، في خطوة تهدف إلى جذب العملة الأجنبية عبر الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، فضلاً عن القضاء على السوق السوداء التي كانت سببا رئيسيا في اتخاذ قرار التعويم.

وقال محافظ البنك المركزي المصري، الأحد الماضي، إن السوق السوداء للعملة في البلاد لن «تختفي فورًا بمجرد استخدام عصا التعويم السحرية». مضيفًا أن الأمر يتطلب بعض الوقت للقضاء تمامًا على السوق السوداء.

أزمة دواء

إلا أن السوق السوداء للدولار لم تشغل كثيرًا المصريين، قدر أزمة الدواء التي ألقت بظلالها على صحة بعض القرارات الرسمية التي سرعان ما تتخذها الحكومة حتى تتراجع عنها، مثل قرار الإلغاء المؤقت للرسوم الجمركية على الدواجن المجمدة المستوردة من الخارج في آخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، التي قال وقتها المتحدث باسم مجلس الوزراء «أشرف سلطان»، إن قرار الحكومة يأتي لدعم المواطن البسيط، وإن الحكومة حريصة على البعد الاجتماعي.

إلا أن أسبوعًا واحدًا كان كفيلاً بتغيير مبدأ دعم المواطن والبعد الاجتماعي في البلاد، بعد التراجع عن القرار.

وبعد نفي رسمي لنقص أي دواء في مصر من وزارة الصحة في بداية الأزمة، اجتمعت الحكومة مؤخرًا لمناقشة أزمة الدواء وسط مطالب من منتجي الأدوية برفع الأسعار لبعض الأصناف بنسبة 15 إلى 20%، مع عدم وجود كثير من الأصناف.

وقال رئيس مجلس الوزراء، «شريف إسماعيل» الاثنين الماضي، إنه سيتم التوصل إلى اتفاق نهائي حول الأسعار الجديدة للدواء خلال 10 أيام، موضحًا في تصريح أوردته وكالة «أ ش أ»، أن الزيادة ستشمل 15% فقط من الأدوية المنتجة محليًا و20% من الأدوية المستوردة وباقي الأدوية ستستمر بالأسعار نفسها.

معتقدًا أن الأسواق ستستقر خلال 3 أشهر مع استقرار سعر الصرف.

وكان الرئيس «السيسي» قد طالب الحكومة بتوفير الأدوية المستوردة التي ليس لها بدائل محلية.

وأكد «السيسي» في بيان لرئاسة الجمهورية، خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء ووزير الصحة «أحمد عماد الدين»، الأحد الماضي، ضرورة الاستمرار في تعزيز المعروض من الأدوية بالأسواق، وضمان توفر مختلف أنواع الأدوية بأسعار مناسبة مع توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ ذلك.

وقال «علاء يوسف» المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، إن «السيسي» اطلع خلال الاجتماع على جهود الحكومة في تطوير منظومة الصحة، وبخاصة توفير الدواء في ضوء تحريك أسعارها نتيجة تحرير سعر الصرف، بحسب البيان.

وكانت الحكومة وافقت في اجتماعها الخميس الماضي على زيادة أسعار الأدوية.

آمال بالتحسن

ورغم ارتفاع تحويلات المصريين في الخارج بنسبة 33.2% في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، التي سجلت 1.7 مليار دولار بزيادة 423 مليون دولار عن شهر أكتوبر/ تشرين الأول، بحسب بيان للبنك المركزي.

ورغم ارتفاع الحصيلة الدولارية للبنوك منذ تعويم الجنيه إلى نحو 7 مليارات دولار، فإن العملة الأميركية ما زالت تشهد ارتفاعًا نتيجة زيادة الطلب ومحاولة كثير من التجار تغطية حساباتهم المكشوفة بالدولار.

وفي هذا الشأن، قال «إسماعيل»، إن البيئة الاقتصادية لمصر ستتحسن على المديين المتوسط والبعيد، مشيرًا إلى أن التصنيف الائتماني لمصر حاليًا مستقر: «وهو أمر إيجابي ونأمل في أن يتحسن الموقف في المرحلة المقبلة».

وحول تقييمه قرار تعويم الجنيه الذي اتخذه البنك المركزي، قال محافظ البنك المركزي «طارق عامر»، إن الفترة التي تلت إصدار قرار تحرير سعر الصرف قصيرة جدا لإعلان تقييم نهائي للتجربة، حيث لم تتجاوز شهرين بعد، مضيفا: «الحكم على تجربة التعويم يتطلب مزيدا من الوقت».

وقال «عامر» إن المؤشرات الأولية لتعويم الجنيه «تبشر بإمكانية تحقيق الأهداف المأمولة من وراء هذه الخطوة من القضاء تمامًا على السوق السوداء للدولار، والعمل على استقرار سعر الصرف وتوحيده والقضاء على ازدواجه، وكذلك تشجيع الاستثمار الأجنبي وزيادة حصيلة الصادرات».

مضيفًا أن «التعويم أنقذ البلاد من كارثة محققة» وأنه لولاه لكانت الأوضاع الاقتصادية اتجهت إلى طريق «أكثر سوءا».

فيما توقع «محمد مكاوي»، العضو المنتدب لمجموعة الفطيم العقارية الإماراتية مؤخرًا، أن تشهد أسعار العقارات في مصر خلال الفترة المقبلة ارتفاعًا يتراوح بين 20 إلى 30%، بعد قرار تعويم الجنيه.

وعاشت مصر في السنوات القليلة الماضية، حالة تدهور اقتصادي، وسط تفاقم عجز الموازنة، وارتفاع التضخم، وتراجع إنتاج الشركات والمصانع، وشح شديد في العملة الصعبة في ظل غياب السائحين والمستثمرين الأجانب وتراجع إيرادات قناة السويس.

ويعاني الاقتصاد المصري من تداعيات عدم الاستقرار السياسي وأعمال عنف تشهدها البلاد، منذ استيلاء الجيش على السلطة والانقلاب على «محمد مرسي» أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد، في 3 يوليو/تموز 2013.

وتنفذ الحكومة المصرية سلسلة إصلاحات واشترطات قبل الحصول على قرض صندوق النقد الدولي.

وأقر البرلمان المصري في أواخر أغسطس/آب الماضي، قانون ضريبة القيمة المضافة، بهدف الحصول على أموال إضافية؛ لمواجهة تداعيات نقص الدولار وتراجع القطاع السياحي والاستثمارات الأجنبية.

ووافق صندوق النقد الدولي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على إقراض مصر، 12 مليار دولار، على 3 دفعات، حصلت مصر منها على الدفعة الاولى.

وعرضت الحكومة المصرية على الصندوق برنامجا للإصلاح الاقتصادي يستهدف خفض عجز الموازنة العامة للدولة الذي يقترب من 13% من إجمالي الناتج الداخلي، وتحرير سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية، وإصلاح منظومة دعم الطاقة، وزيادة ايرادات الدولة من خلال فرض ضريبة للقيمة المضافة وطرح شركات مملوكة للدولة للبيع في البورصة.

  كلمات مفتاحية

تعويم الجنيه اقتصاد مصر الحكومة أزمة دواء الدولار

مسح إماراتي: القطاع الخاص في مصر يتجه إلى تراجع حاد