ماذا لو ازداد الدولار قوة؟

الاثنين 13 فبراير 2017 06:02 ص

ارتفعت قيمة الدولار مؤخراً بدفع من الانتخابات الأمريكية وهيمنة الجمهوريين على مجلسي النواب والكونجرس الأمر الذي عزز الرهان على تشديد السياسة النقدية وانتعاش النمو الاقتصادي وتحسن مستويات التضخم وكلها عوامل تزيد من جاذبية الأصول المقومة بالدولار

ما من شك أن المتداولين في العملات العالمية الرئيسية يواجهون خليطاً من المشاكل ليس أقلها بيئة التداول الضبابية الناتجة عن تناقض السياسات، وتضعضع اتفاقات التجارة العالمية، والتغيرات المتسارعة في المواقف السياسية. وهذا يفرض تحديات تتجاوز أسواق المال، لتترك آثارها على عمليات تحوط الشركات متعددة الجنسيات، ومعالجة فوضى معدلات الصرف في الأسواق الناشئة.

وقد ارتفعت قيمة الدولار مؤخراً بدفع من الانتخابات الأمريكية، وهيمنة من الجمهوريين على مجلسي النواب والكونغرس، الأمر الذي عزز الرهان على تشديد السياسة النقدية، وانتعاش النمو الاقتصادي، وتحسن مستويات التضخم، وكلها عوامل تزيد من جاذبية الأصول المقومة بالدولار، لكن تأثير كل تلك العوامل تراجع بعد الانتخابات الأمريكية وسط ترقب لما يصدر عن البيت الأبيض من مؤشرات على برنامج الإدارة الجديدة وترجمة الوعود الانتخابية إلى قرارات تنفيذية.

لعل هذا ما يفسر تراجع الدولار في تداولات الأسابيع الأربعة الماضية.

وتعيش أسواق العملات العالمية حالة من عدم اليقين غير مسبوقة، بسبب تداعيات نظام التجارة العالمي وتعليقات البيت الأبيض. فقد تولت الولايات المتحدة الأمريكية لعدة عقود مسؤولية قيادة العولمة الاقتصادية والمالية، فهي التي رسمت خريطتها، وشجعت الشركات العالمية على الانخراط فيها بمنهجية منتظمة تحميها القوانين، وحفزت غيرها من الدول على اللحاق بركبها.

وقد انتهى ذلك كله متزامناً مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومع التصاعد المتسارع في أنشطة الحركات الشعبوية المضادة للمؤسسة على صعيد القارة الأوروبية كلها؛ ولذلك باتت العلاقات التجارية العالمية موضع ريبة لدى المؤسسات الرسمية العالمية لم تشهدها منذ عقود.

ومما زاد من التوترات في عالم تداول العملات، إحجام الإدارة الأمريكية عن إصدار البيانات الدورية حول سياستها النقدية، التي دأبت عليها منذ عقود. ولم يعد مهماً أن يدلي وزير الخزانة بدلوه في الحديث عن الدولار أو توجيه رسالة ما إلى السوق. وقد حل محل تلك الرسائل الرسمية تلميحات من فريق ترامب حول قوة الدولار وتوسيع دائرة الاتهام بالتلاعب بالعملات الوطنية، لتطال ألمانيا بعد الصين. وهذا ما دفع القادة الألمان لتوجيه اللوم إلى البنك المركزي الأوروبي ما يفتح الباب واسعاً أمام تكهنات بزيادة الضغوط السياسية عليه.

والنتيجة الطبيعة لتلك المقدمات هي مزيد من الغموض حول محركات وتعقيدات أسواق العملات، لكن ذلك لا يعني أن استقراء توجهات الدولار سوف تصبح غير ممكنة. وهذه التوجهات ستبقى رهناً بعدد من العوامل:

أولها ما إذا كانت محركات الانتعاش للاقتصادين الأوروبي والياباني على المدى القريب قابلة للتعمق. وفي حال عدم تعمقها شكلاً ومضموناً فلا بد أن تنصب رهانات المستثمرين على الأداء الأفضل للاقتصاد الأمريكي.

والثاني ما إذا أصبح مجلس الاحتياطي الفيدرالي أكثر منهجية في رسم سياسته الخاصة بأسعار الفائدة وبالتالي وفر المزيد من المعطيات التي تسهل التنبؤ بالمستقبل. وكما بدا من الاجتماع الأخير ما يزال المجلس يراوح عند نقطة «الفائدة المنخفضة لزمن أطول» خشية اعتماد البديل الذي يخشى أن يعرقل النمو والانتعاش الهش. وكلما أسرع المجلس في الخروج من هذه الحالة كلما ضاقت الفجوة بين سياسات البنوك المركزية الرئيسية في العالم، وبالتالي تضاءلت فرص انعدام الاستقرار المالي.

ثالثاً آلية التسوية التي يعتمدها البيت الأبيض مع الكونجرس فيما يتعلق بالتوازن بين السياسات الداعمة والمعرقلة للنمو. أما الداعمة فتشمل تخفيف القيود القانونية، وخفض الضرائب، التي تدفع نحو مزيد من القوة للعملة الأمريكية، وأما المعرقلة فستكون في مزيد من الضبابية الناتجة عن طبيعة رد فعل البنوك المركزية العالمية الأخرى.

رابعاً العلاقة بين الفوضى السياسية وفوضى الاقتصاد؛ حيث يبدو الميل للعب على مشاعر شريحة من المواطنين الأمريكيين أبرز عناصر تأجيج الخطاب الحمائي، لكن لا بد من الانتظار حتى تنجلي صورة تأثير ذلك على طبيعة العلاقات التجارية طويلة الأمد التي خدمت الاقتصاد الأمريكي لزمن طويل.

ومن خلال متابعتي لتلك العوامل الأربعة توصلت إلى استنتاج حول الدولار مفاده أن العملة الأمريكية سوف تكسب المزيد من القوة، لأن العوامل الثلاثة الأولى سوف توسع فجوة التباين بين سياسات البنوك المركزية الرئيسية في العالم ما يصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي. أما السياسة فلا تبدو مرشحة لممارسة تأثير قوي على حركة الدولار صعوداً على الأقل في المرحلة الأولى، وإن كانت ستجعلها أكثر صعوبة. ويبقى القول إن تأثر أداء الاقتصاد العالمي بالدولار القوي يعتمد على ردة فعل الدول الأخرى ومسارعتها لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.

وفي حال واجهت الدول تحديات الإصلاح فالنتيجة حتماً ستكون خلق التوازن في الاقتصاد العالمي الذي سوف يثبت قدرته على الاستقرار والاستدامة بطريقة منهجية. أما إذا فشلت جهود الإصلاحات فلا بد أن تتفاقم تبعات الدولار القوي لتتجاوز حدود الاقتصاد الأمريكي إلى زعزعة الأسواق العالمية، خاصة الشركات التي تعاني من فوضى القطع الأجنبي في الاقتصادات الناشئة.

* د. محمد العريان اقتصادي دولي مستشار شركة أليانز مؤلف كتاب «اللعبة الوحيدة في المدينة»

المصدر | د. محمد العريان | ترجمة الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية

الدولار العملات العالمية الأسواق العالمية ترامب النمو الاقتصادي أزمة الدولار التضخم