النظام الأردني و«الإخوان»: هل هو طلاق ناعم؟

الجمعة 28 نوفمبر 2014 01:11 ص

«دوام الحال من المحال». هذا المثل لن يفارق كل قارئ لتاريخ جماعة «الاخوان المسلمين»، التي بدأت وجودها في الأردن بمباركة النظام السياسي، بل إن المحلل السياسي جهاد الرنتيسي يصفها أثناء حديثه إلى «السفير» بأنها كانت ركناً من أركان النظام الاردني.

وقبل أيام، اعتقل أحد أبرز قادة الجماعة وأكثرهم إثارة للجدل، الأمين العام الأسبق لـ«جبهة العمل الاسلامي» زكي بني ارشيد من أمام مقر الحزب في أعقاب انتهاء اجتماع، بتهمة «تعكير صفو العلاقات مع دولة عربية» في اشارة الى دولة الإمارات. إذ كتب بني ارشيد مؤخراً مقالة استهجن فيها إقامة مسجد خليفة بن زايد في القدس الشرقية تحت عنوان «المسجد الضرار»، محللاً أن ذلك يخفي وراءه «أهدافاً صهيونية»، وتلى ذلك إدراج على صفحته على «فايسبوك» تتضمن عبارات يتهم فيها الإمارات بأنها «راعية للإرهاب».

بالطبع لا يمكن القفز من نقطة البداية التي كانت قبل سبعين عاماً بالتمام إلى المرحلة التي انتهت عليها العلاقة بين «الاخوان» والدولة الأردنية، التي هي اليوم جزء من محور إقليمي (الامارات والسعودية ومصر) يعادي الحركة الاسلامية، إذ مرت هذه العلاقة بمراحل جزر ومد، وليس اعتقال بني ارشيد أولاها، إذ كان هناك اعتقالات في سنوات ماضية لنواب وقيادات من الحركة، تماما مثلما كان هناك تعاون وتنسيق في الكثير من محطات السياسة الاردنية.

لكن السؤال الآن: إلى أين تسير علاقة النظام الأردني والإخوان المسلمين في ظل اقليم بدأ يخبو فيه نجم الحركة الاسلامية التقليدية، وصعود التيار التكفيري، وفي ظل وجود تيار في المطبخ السياسي الأردني يُفضل القضاء على الحركة الاسلامية في الأردن؟ وهل بدأت الحركة الاسلامية في الاردن تدفع ثمن إغفالها لقاعدة مهمة في الفقة الاسلامي «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه»؟ إذ أعلنت رغبتها في بدايات «الربيع العربي» بالسلطة، ورفعت الشعارات وأصدرت التصريحات التي تظهر شوقها لقطف ثمار الحكم التي قطفها سابقاً «إخوان مصر» في العام 2012.

كلٌ يقرأ الرسالة التي أرسلها النظام الاردني لـ»الإخوان المسلمين» ولدول الإقليم من زاوية. فبينما يعتبرها البعض انعطافة جديدة في علاقة «الاخوان» والنظام، ويضعها في سياق تصفية الحسابات، ثمة من يرى أنها ترجمة لحالة فقدان ثقة النظام بالحركة الاسلامية مع بداية «الربيع العربي»، نتيجة سلوك الأخيرة المتلهف للحكم. فالحركة الإسلامية وفق الرنتيسي، وإن لم ترفع شعار إسقاط النظام، إلا أنها برفعها شعار «الشعب يريد إصلاح النظام» إنما كانت تطالب بوضوح بتحديد صلاحيات الملك، والوصول إلى حكومة منتخبة عبر انتخابات برلمانية نزيهة.

وتدرك الحركة أنه لو تم ذلك، فإنها بسبب شعبيتها ــ التي عززتها بفعل تحالفها مع النظام على مدى سنوات طويلة ــ ستشكل غالبية برلمانية ومن ثم تصل إلى السلطة التنفيذية بسهولة. ما جرى منها بكل الاحوال ولهفتها على الحكم بتصريحات عديدة تؤكد أنها هي التي تحرك الشارع الأردني، جعل منها منافساً لا يؤمن جانبه من النظام.

فبرغم أن نائب الأمين العام في «جبهة العمل الاسلامي» علي ابو السكر يعتبر أن ما جرى لبني أرشيد «إنما هو اعتقال سياسي ومبيت»، إلا أنه يميل في حديثه إلى الماضي الذي جمع ا»لإخوان المسلمين» والنظام في خندق واحد في مواجهة مواقف وصفها بـ»الحادة» عصفت في الأردن ــ على حد تعبيره ــ في الخمسينيات والسبعينيات. 

وعند سؤاله إن كان يقصد بفترة الخمسينيات المواجهة بين النظام الأردني وحكومة سليمان النابلسي صاحبة الطابع القومي، أجاب «كان هناك محاولة انقلاب في تلك المرحلة، وهذه المواقف تسجل للحركة الاسلامية».
وبعد استذكاره للتاريخ، يعود أبو السكر إلى الحاضر آملا ألا يكون اعتقال بني أرشيد انعطافة في علاقة «الاخوان» والحكومة، «لأن ذلك لا يخدم الطرفين». 

ما سبق لا ينفي أن ثمة خطراً يتهدد الحركة، فحتى وإن لم يتم حظرها، ثمة حلول أخرى أمام الدولة الأردنية من بينها حل جماعة «الإخوان المسلمين»، وفق المتخصص بالجماعات الاسلامية مروان شحادة، الذي رأى، في حديث مع «السفير» أنه إذا قامت الحكومة الأردنية بحلّ الجماعة (جسد الحركة) والإبقاء على جناحها ممثلاً بـ»جبهة العمل الاسلامي»، فإن الحركة الاسلامية ستصبح جناحاً بلا جسد، ضعيفة كباقي الأحزاب الأردنية.

معظم مخاوف المراقبين والمحللين تتمحور حول فكرة توجيه ضربة للحركة الاسلامية في الاردن في ظل تنامي الحركات المتطرفة في المحيط، لذا يُغلّب مختصون أن يكون اعتقال بني ارشيد مجرد «قرصة أذن» له وللحركة لا أكثر، وأن شكل الصراع بين الأردن الرسمي والحركة لن يكون على شاكلة الصراع في مصر والسعودية والامارات.

فثمة ضريبة حقيقية سيدفعها الأردن في ظل تنامي التيارات الاسلامية المتطرفة أمثال «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش» و»جبهة النصرة» في المنطقة، إذا قرر ضرب المحسوبين على التيارات المعتدلة.
ويشير شحادة إلى أن «شباباً كثرا في الحركة الاسلامية سيجدون مبررا في عدم الايمان بالمشاركة في الاحزاب السياسية المؤمنة بالتعددية، وسيعتقدون أن التطرف هو الخيار الصحيح لإحداث التغيير».

وفي هذا السياق، يرى الرنتيسي أن «الحل الأمثل يعود ويصب في خانة مطالب الشارع الأردني في «الربيع العربي» وقبله، وهو الإصلاح والتصدي للفقر والتهميش الذي يطال مناطق كثيرة في المملكة وتحقيق العدالة والمحاسبة»، مضيفاً أن «الخطاب الديني في النهاية يجعل من الحركة الاسلامية ملاذاً للمهمشين، الذين يعتقدون أن الغيبيات وما يتعلق بها تحمل لهم الخلاص وإمكانية التغيير، والقضاء على الحركة لا يكون بالحظر بل بالتصدي لأسباب تمددها في المجتمع».

لكن ثمة مبادرة انشقت عن «الإخوان المسلمين» في الآونة الأخيرة وقدمت فكراً أكثر انفتاحاً ووسطية من الجماعة في الأردن، هذه المبادرة أطلقت على نفسها اسم «مبادرة زمزم» ومنسقها العام هو الدكتور رحيل الغرايبة، وهو أحد الوجوه البارزة في تيار الحمائم في «الاخوان» المواجه لتيار الصقور في الحركة ذاتها، الذي يعد بني ارشيد أيضا أحد أبرز وجوهه، فهل يمكن اعتبار «زمزم» هي الحل، وبالتالي يوجه النظام ضربته للحركة الاسلامية بلا مخاوف من كابوس التطرف؟

«زمزم ولدت ميتة». هكذا يجيب شحادة الذي رأى أنها لا يمكن أن تكون بديلاً. وشحادة وغيره من المراقبين يجمعون على أن أي حركة تولد من رحم الشك والانقلاب، لن تشكل حالة.

يتوقف شحادة قليلاً ويقول «قد تؤدي زمزم الدور لمرحلة مؤقتة، لكنني أعتقد أن الدولة تراجعت عن دعم مبادرة زمزم لأنها وجدت أنها لن تكون فاعلة، ولن تختلف عن حزب الوسط الاسلامي، والحالة السياسية لا تحتمل حزب وسط إسلاميا آخر».

لكن برغم القوة التي تتمتع بها الحركة الاسلامية في الشارع الأردني، فإن الانقسامات التي تعيشها منذ سنوات والتي تتعزز اليوم، واعتقال بني ارشيد، وفق شحادة، سيعززها إذ سيزيد من حجم الفرقة بين تياري الحمائم والصقور في الحركة، بالإضافة إلى الضغوط التي تشهدها «الاخوان» في الدول العربية. 

 

المصدر | رانية الجعبري، السفير

  كلمات مفتاحية

الاردن الامارات مصر العراق «الإخوان المسلمين» الربيع العربي داعش جبهة النصرة السياسة التصريحات الشعارات فايسبوك

إخوان الأردن يواجهون تحديات جديدة .. وبني ارشيد اختار «السجن» عن «الإعتذار» للإمارات