بين الحرب وجدار حدودي تركي.. نازحون سوريون يستعدون لاغتراب طويل

الأربعاء 8 مارس 2017 08:03 ص

بيروت - كانت أسرتا فواز أطمة ومحمد موسى من بين أوائل الأسر التي هربت من التدخل الروسي في الصراع السوري بالاحتماء في مخيمات في أرض موحلة قرب الحدود التركية بينما قصفت طائرات قراهم إلى الشرق.

ومع تغير خطوط القتال في الصراع السوري على مدار الأشهر الثمانية عشر التي أعقبت التدخل الروسي شاهد الرجلان كيف اكتظ مخيمهما بالأسر والمقاتلين الذين يهربون من القوات الحكومية التي حققت مكاسب على الأرض ومن الصراع بين الجماعات المسلحة فضلا عن عنف تنظيم الدولة الإسلامية.

ويقول أطمة إن عدد الخيام تضاعف بينما تنتشر القمامة في خندق غير عميق يمتد عبر المخيم حيث يلعب الصبية كرة القدم ويجلس الرجال على كراس من البلاستيك لقضاء الوقت ويذهبون أحيانا في محاولات غير مثمرة للبحث عن وظائف.

لا يزال أطمة وموسى اللذان تحدثا مع رويترز أول مرة عندما وصلا للمخيم في محافظة إدلب في أكتوبر تشرين الأول 2015 يأملان بأن يعودا إلى منازلهما يوما ما في ريف حلب الجنوبي.

لكن كل تطور جديد في الصراع يجعل العودة حلما بعيد المنال لأولئك الجاثمين عند الحدود.

وبين القتال في غرب سوريا من جهة والقيود المشددة المفروضة على الحدود التركية المغلقة من جهة أخرى يستعد الرجلان لحياة اغتراب.

وقال أطمة (33 عاما) عبر الهاتف من المخيم "نحن على أعتاب تركيا لكننا ممنوعون من العبور. تركيا شيدت جدارا وتطلق النار على أي شخص يقترب منه."

وتابع قائلا "في الاتجاه الآخر، داخل سوريا، لا نستطيع الحركة سوى لمسافة 15 كيلومترا من المخيم" قبل الاقتراب بشكل خطر من الاقتتال الداخلي بين الجماعات المسلحة في إدلب.

وأضاف قائلا "لا نستطيع العودة لبيوتنا. النظام (السوري) يسيطر على هذه المنطقة. أنا مطلوب من الحكومة والأمر سيان بالنسبة لأسرتي.. نصفنا متهم بالإرهاب للتعاطف مع الانتفاضة السورية التي بدأت في 2011."

وتغير شكل ساحة المعارك في سوريا منذ بدأت روسيا حملتها الجوية دعما للرئيس بشار الأسد الأمر مما أدى إلى تدفق المزيد من النازحين على مخيمات إدلب.

واستعاد الأسد حلب في ديسمبر كانون الأول وهو ما أجبر الكثير من مقاتلي المعارضة وأسرهم على الرحيل إلى إدلب. كما توجه مقاتلون من المعارضة وأقاربهم إلى هناك من المناطق المحيطة بدمشق فيما تسعى الحكومة لتطهير الأراضي القريبة من العاصمة من جيوب تسيطر عتليها قوات المعارضة.

وفي الآونة الأخيرة هرب سوريون في محافظة إدلب نفسها من قتال بين جماعات جهادية وفصائل أكثر اعتدالا. وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن بعضا من النازحين قرب الحدود التركية جاءوا من مناطق بعيدة مثل الباب حيث استطاع مقاتلون من المعارضة تدعمهم تركيا طرد تنظيم الدولة الإسلامية.

وبشكل عام تقول الأمم المتحدة إن نحو 900 ألف نازح سوري يحتمون في إدلب أو حوالي نصف عدد سكان المحافظة. وتسبب الصراع السوري في تشريد أكثر من 11 مليون شخص نصفهم تقريبا داخل سوريا والنصف الآخر كلاجئين في الخارج.

ومن ناحية أخرى تشَيد تركيا، التي بدأت عملية توغل في سوريا دعما للمعارضة المناهضة للدولة الإسلامية، جدارا وتعزز قطاعات من الحدود في حملة تمنع كلا من المتشددين واللاجئين من دخول أراضيها.

وفي ظل عدم وجود مهرب يحاول أطمة و11 من أفراد أسرته في خيمته ومن بينهم زوجته وأطفاله الثلاثة أن يجعلوا مكان إقامتهم صالحا للعيش بدرجة أكبر فقاموا بتركيب ستائر وفرش أغطية على الأرض.

وعاش موسى (25 عاما) وأسرته قرابة عام إلى جوار أطمة لكنه قال إنه انتقل إلى خيمة في أرض مرتفعة في الشهور الأخيرة مع زوجته وطفله البالغ من العمر ستة أشهر هربا من الرطوبة والوحل.

ويقول الرجلان إنهما يعتمدان على إمدادات غذائية تصلهما بشكل غير منتظم من منظمات دولية غير حكومية أو على إحسان سكان آخرين في المخيم أو في المنطقة المحيطة به للبقاء على قيد الحياة. ولا يوجد حتى عمل مؤقت في الجوار لأطمة وهو موظف حكومي سابق وموسى الذي كان طالبا.

 

جدران حدودية وأعيرة نارية

يقول الرجلان إن أقرب بلدة والتي يسكنها بضعة آلاف لا تستطيع استيعاب ولو جزء يسير من القوى العاملة بين النازحين.

ويقول موسى إن الحياة اليومية مملة في ظل عدم وجود أي أنشطة سوى محاولة النجاة لكن الخوف من تفاقم الوضع لا يزال موجودا.

وأضاف قائلا "عندما تقع اشتباكات بين الفصائل فإنهم يقتربون بشكل كبير. نخشى على الأطفال والنساء. إذا أصابت رصاصة طائشة إحدى الخيام فستخترق عشرة خيام أخرى. نحن في وضع في غاية الضعف إذا اقترب العنف منا."

وفي المخيمات هناك من لا يريدون الانتظار ويتلهفون إلى الرحيل لدرجة أنهم يعرضون أنفسهم بشكل متكرر لنيران القوات التركية في محاولة لعبور الحدود.

يقترب محمد العلي (30 عاما)، الذي هرب من محافظة حماة الواقعة إلى الجنوب قبل نحو ثلاثة أعوام، من الجدار الذي يمكن رؤيته من المخيم كل يوم ليرى إن كانت هناك فرصة للعبور.

ويقول "الأمر خطير فأنت تضع حياتك على كفيك إذا حاولت. الأتراك شنوا حملة مشددة عند الحدود."

وأضاف قائلا "إذا كنت على الجانب السوري وتحاول العبور (بشكل غير مشروع) فسيطلقون النار فوق رأسك. إذا استطعت الوصول إلى الجانب التركي فسيطلقون النار عليك. شخص ما قتل بهذه الطريقة أول أمس."

وينشر المرصد السوري لحقوق الإنسان تقارير دورية عن مصابين وقتلى بسبب إطلاق الجنود الأتراك النيران على أشخاص يحاولون عبور الحدود.

وتغلق تركيا حدودها مع سوريا بسياج وألغام وخنادق في مسعى لوقف حركة مقاتلي الدولة الإسلامية والفصائل الكردية. لكن الحملة قلصت بشدة أيضا تدفق اللاجئين السوريين.

كما وضع اتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي لوقف تدفق اللاجئين على أوروبا ضغوطا على أنقرة لتوفير أماكن إقامة لقرابة ثلاثة ملايين لاجئ تستضيفهم بالفعل.

وبينما يحاول علي كل يوم الوصول إلى تركيا يفضل أطمة وموسى الانتظار.

وأرسل أطمة صورة لمسكن يقول إنه مملوك "لأغنى شخص في المخيم" وهو عبارة عن أربعة جدران من الطوب اللبن وبابين معدنيين وقطعة من القماش المشمع التي تغطي السقف.

وقال "نحن السوريون أصبحنا مثل الغجر".

المصدر | جون ديفيسون | رويترز

  كلمات مفتاحية

سوريا تركيا الحرب السورية جدار حدودي تركي نازحون سوريون حلم العودة التدخل الروسي الصراع السوري مخيمات موحلة الحدود التركية

الأمم المتحدة: 11 مليون سوري و6 ملايين نازح بحاجة للمساعدة