ثروت أباظة..«ابن الباشا» الناجي بأعجوبة بعد إنذاره «جمال عبد الناصر» بالحرق!

السبت 18 مارس 2017 12:03 م

حلت، أمس الجمعة، الذكرى الخامسة عشرة لوفاة الأديب المصري «ثروت أباظة» عن يُقارب 75 عاماً، إذ وُلِدَ، رحمه الله، في حي المنيرة بمدينة القاهرة، وقيل بل قرية غزالة التابعة لمركز الزقازيق في الشرقية، وتوفي في حي الزمالك في القاهرة في 17 من مارس/أذار 2002م.

و«ثروت أباظة» سليل عائلة «الأباظية الشركسية»، التي تعد إحدى أشهر العائلات المصرية، بالإضافة إلى تميزها بإنجاب مُبدعين من مثل والده «الدسوقي أباظة» وعمه الشاعر الراحل «عزيز أباظة»، والكاتب الراحل «فكري أباظة».

أغرب احتجاج على «الضباط الأحرار»

و«ثروت أباظة» هو صاحب أغرب احتجاج أدبي على حكم «الضباط الأحرار» لمصر منذ 

23 من يوليو/تموز 1952م، وبالتالي حرمانه وأهله من المكانة التي كانوا يحظون بها من تملك أفدنة زراعية غير محدودة، قضى عليها قانون الإصلاح الزراعي في عام 1952م، بالإضافة إلى تكميم أفواه الأدباء والمثقفين، ولو كانوا محسوبين على نظام يوليو/تموز من مثل حبس الراحل الروائي «إحسان عبد القدوس» عقب نشره عدداً من الآراء التي لم تعجب «جمال عبد الناصر».

فطن «أباظة» إلى الدرس جيداً فإنه إن عبر عن رأيه فيما يحدث لمصر فسيكون مصيره مثل «إحسان عبد القدوس، الذي كان صديقاً مُقرباً من «جمال عبد الناصر» لكنه فور كتابته مقال «الجمعية السرية التي تحكم مصر» في عام 1954م قرر «عبد الناصر» اعتقاله على الفور، فقد جاء في المقال أن على «الضباط الأحرار» العودة إلى ثكناتهم فقد قاموا بدور عظيم أعظم من حكم مصر، وهو إعادة الحرية والحياة إليها، وهي الكلمات التي اعتمد عليها رئيس النظام المصري الحالي «عبد الفتاح السيسي» قبل إعلان ترشحه لحكم مصر لما قال: «عايز أقولكم شرف أن إحنا نحمي إرادة الناس أعز من حكم مصر».

وفور قراءة «عبد الناصر» لكلمات صديقه قرر اعتقاله، وبعد قرابة 3 أشهر أفرج عنه مع أمر بأن يتناول الإفطار في اليوم الثاني مع الرئيس شخصياً ليسأله في تشفٍ:

ـ «أنت اتربيت ولا لسه يا إحسان؟».

حتى انصرف الأخير عن السياسة مؤقتاً، بل إن البرنامج الإذاعي الذي كان يقول 

للناس فيه في نهاية كل ليلة (تصبحوا على حب)، ففسرت مراكز القوى الكلمات بالدعوة إلى الإباحية، «عبد القدوس» من تقديم برنامج إذاعي بعدها لقرابة 30 عاماً حتى مات!

كان «أباظة» في دائرة مقربة من «عبد القدوس» من الأدباء والمثقفين، ورأى معالجة «نجيب محفوظ» لكبتْ بل منع الحريات في مصر، بخاصة بعد هزيمة 1967م المريرة، وكان «محفوظ» يكتب روايات رمزية تقرأ على وجهها المباشر، والمتأمل فيها يجد لها معنىً سياسياً عميقاً من مثل «الحب تحت المطر»، «ثرثرة فوق النيل»، و«ميرمار».

ولكن «أباظة» المنفعل بطبعه، الحار الدماء لم يستطع التفكير ليفعل مثل «محفوظ»، ولا المباشرة ليُسجن مثل «عبد القدوس»، وقيل إن «عبد الناصر» زاد من غضبه على الأخير تأليفه رواية «في بيتنا رجل»، رغم أنها كانت ضد الملكية ودارت في أجواؤها.

وكان اعتراض «أباظة» عجيباً إذ قرر في عام 1960م تأليف رواية قصيرة أسماها «شىء من الخوف» في إشارة إلى الآية الكريمة: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) من الآية 155 من سورة البقرة.

«عتريس» و«فؤاده» والعصابة

صدرتْ الرواية في هدوء ودون ضجة عن «دار المعارف» الحكومية المصرية في عام 1960م، مثلها مثل «ابن عمار»، و«هارب من الأيام»، وغيرهما من مؤلفات «أباظة» الروائية.

وكانت «شىء من الخوف» تدور في أجواء متماهية في الغرابة والخيال حول قرية مصرية، غير معروفة الاسم ولا الزمان، مقطوعة عن جسد الدولة، لا ظل لمركزية أو حكومة فيها، يحب طفل صغير طفلة في مثل سنه، وتراها الأخيرة فتاها المُرتقب، مع الانغلاق الريفي يظل الحلم في ذهن الصبي والصبية، ثم الشاب والشابة لولا تداخل الأمور في القرية كلها ووضعهما أمام مواجهة حادة.

كانت الرواية تبدو عادية لم ينتبه إليها أحد، لكن الراحل المخرج «حسين كمال» انتبه إلى النص عقب هزيمة 1967م، ليطلب من شاعر العامية المصري الراحل «عبد الرحمن الأبنودي» كتابة الأغاني والسيناريو والحوار، ويبدأ في عام 1969م تصوير الفيلم وفق ميزانية المؤسسة العامة للسينما الحكومية الرسمية التابعة إلى وزارة الثقافة.

وتنتبه الجهات الأمنية إلى الرواية والفيلم وترميز «عتريس» إلى «جمال عبد الناصر»، و«فؤاده» إلى مصر، والعصابة إلى «الضباط الأحرار»، وكان الفنان الراحل «محمود مرسي» يقوم بدور البطل، والفنانة «شادية» تقوم بدور البطلة.

وتفننت الجهات الأمنية في منع تصوير الفيلم وتعطيله، وكان يرأس المؤسسة للسينما الراحل «نجيب محفوظ»، والذي تم إنتاج أفلام له في تلك الفترة رمزية ذات دلالة تُندد بما يحدث في مصر، ويبدو أن طلب الجهات الأمنية السيادية آنذاك من «أباظة» توقيع إقرار بأن «عتريس» ليس «عبد الناصر»، و«فؤادة» ليست مصر كان حلاً للأمر مؤقتاً، رغم سذاجته وطفوليته، لكنه كفل استمرار تصوير الفيلم، والكلام للكاتب «يوسف القعيد» على إحدى الفضائيات الخاصة المملوكة لأحد رجال الأعمال المصريين الحاليين.

«عبد الناصر» والحرق

لكن لما تم تصوير الفيلم رفعتْ المخابرات إلى «عبد الناصر» رأساً أن الفيلم يرمز إليه، وأن العصابة التي تمعن في قتل «كفر الدهاشنة»، (الاسم يُشير إلى المظلومين المندهشين من الاكتفاء بفعل الدهشة دون رد فعل)، تعني «الضباط الأحرار، وأن «فؤادة» الفتاة/الحبيبة، هي مصر، والأخيرة، في الفيلم، تنقلب على حبيبها لما يبدأ في قتل أهلها، بل تتحداه لما يغلق المياه عليهم، لتفتح (الهويس)  الذي يحجب الخصب عنهم متحدية قراره بنفسها، وتشمخ أمامه لما يحاول قتلها، برسم مفتاح الحياة على عينيها، في ترميز واضح إلى مصر ذات التاريخ الفرعوني.

وتمضي الأحداث بكون «عتريس»، الذي يرفض قتل «فؤادة»، يتزوجها عنوة بتزوير توكيل القبول، فترفض الأخيرة إتمام العقد الفعلي، ليضطر إلى الإمعان في التنكيل بالقرية لتثور عليه في النهاية وتقتله بقيادة الحبيبة السابقة، وتهرب العصابة في إشارة إلى قرب تجمعها من جديد.

يقول «أباظة» في الصفحة الأخيرة من مجلة «المصور» في الثمانينيات أنه قصد «عبد الناصر» بالفعل في شخصية «عتريس»، مستدلاً وجود حرفين من اسمه بالاسم، ولكنه ابتعد عن مصر في فؤادة، أو أخذ حرف من حروفها الاسم للتعمية، واكتفى بمعنى الحب والقرب فيه.

وأضاف الأديب الراحل أن المؤامرة، بلغة عصر «عبد الناصر»، التي قام بها مع  «حسين كمال» و«الأبنودي»، كادت تطيح بما تبقى من أعمارهم، بخاصة أن «عبد الناصر» في ذلك الوقت كان في العام الأول من الخمسينيات من عمره (وُلِدَ الراحل في 15 من يناير/كانون الثاني 1918م).

ويصف «أباظة» الأيام التي قضاها في انتظار قرار «عبد الناصر» بأنها كانت أسوأ أيام قلق قضاها في عمره، ويُشاهد «عبد الناصر» الفيلم في النهاية برفقة نخبة من «الضباط الأحرار»، وفي مقدمتهم الرئيس الراحل «أنور السادات» ليخرج «عبد الناصر» من المشاهدة قائلاً:

ـ «إحنا لو كنا كده ..يبقى نستاهل الدبح مش الحرق بس»..

خان «عبد الناصر» ذكاءه فقرر عرض الفيلم، فلما توفاه الله عقبها بعامين فقط، صرح «أباظة» أنه كان يقصده، لكن تصريحه جاء بعد فترة كافية لمنع الضرر عنه.

تاريخ وإبداع

تخرج «أباظة» من كلية الحقوق في جامعة فؤاد (ألقاهرة حالياً)، حسب رغبة أبيه لكنه فشل في العمل كمحامٍ، لينهمك في تأليف المسلسلات الإذاعية (40 مسلسلاً)، بالإضافة إلى عدد مماثل القصص القصيرة، و27 رواية أبرزها «شىء من الخوف»، و«ثم تشرق الشمس»، الذي تحول إلى فيلم سينمائي هو الآخر.

في عام 1974 تولى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، بالإضافة إلى رئاسة القسم الأدبي بجريدة الأهرام ابتداءً من 1975 وحتي 1988م، إلا أنه ظل يكتب في الجريدة نفسها حتى وافته المنية عام 2002.

شغل الراحل منصب رئيس اتحاد كُتَّاب، كما تولى وكالة مجلس الشورى، بالإضافة إلى عضويته بالمجالس القومية المتخصصة ومجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون، والمجلس الأعلى للصحافة، بجانب رئاسته الشرفية لرابطة الأدب الحديث.

تردد في آخر عمره على مستشفى دار الصفاء حيث كان مصاباً بسرطان في المعدة تُوفي من جرائه.

 

  كلمات مفتاحية

ثروت أباظة عبد الناصر إنذار نجاة حرق

(إسرائيل): حديث «ودي» بين «عبد الناصر» و«رابين» على طعام الغداء في حرب 48