ما الفرق الذي يمكن أن تحدثه صفقة مع إيران؟

الثلاثاء 2 ديسمبر 2014 05:12 ص

يتبيّن أن التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران أمر صعب، وهذا ما اتضح من عملية تمديد المحادثات لمدة سبعة أشهر، والتي تم الاتفاق عليها مؤخرا. إلا أن التفاوض حول التوصل إلى اتفاق لن يكون سوى الجزء الأول من حل جمود الأزمة النووية. ولن يكون موضوع إقناع إيران بالالتزام بالاتفاق مع مرور الوقت أقل أهمية، إذ يشير سجل النظام الإيراني إلى أن الأمر لن يكون سهلاً. فبين عامي 2003 و2004 توصلت طهران إلى اتفاقيتين نوويتين مع دول الاتحاد الأوروبي الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، إلا أنها لم تلتزم بتطبيقهما. وفي عام 2009، توصّل النظام إلى عقد اتفاق مع «مجموعة الخمسة زائد واحد» (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة)، ولكن المرشد الأعلى علي خامنئي اعترض عليه قبل أن يدخل حيز التنفيذ. أما اليوم، فإن مجموعة متنوعة من العوامل الاقتصادية والسياسية قد تهدد استمرارية أي اتفاق جديد يمكن التوصل إليه.«»

التداعيات الاقتصادية

إذا تم النظر إلى الاتفاق كونه يعود بفوائد حقيقية على إيران بتكلفة بسيطة، سيكون لطهران سبب وجيه للمضي قدماً في تنفيذه بالكامل. وفي المقابل، إذا نُظر إلى الاتفاق باعتباره لا يعود بمنفعة كبيرة على إيران، فقد يميل النظام في طهران إلى عدم تنفيذه بالشكل المناسب أو إلى الانسحاب منه تماماً، وربما إلى إلقاء اللوم على الغرب لعدم احترام التزاماته في الصفقة. وبعبارة أخرى أكثر وضوحاً، في حال تحسن الاقتصاد الإيراني بعد التوصل إلى اتفاق، ستكون النظرة إليه إيجابية، أما إذا ساد الركود الاقتصادي، فستكون تلك الصفقة سلبية.

وكما هو الحال في معظم الدول، بما فيها الولايات المتحدة، سيكون لمثل هذا التقييم الاقتصادي الواضح أثراً سياسياً في إيران أكبر من التفسير المعقد حول ما حدث فعلياً مقابل ما كان ليحدث في حال عدم وجود اتفاق على الإطلاق. وفي الواقع، قد يتخذ الشعب الإيراني قراره بسرعة بناءً على التغييرات الاقتصادية قصيرة المدى التي قد تشهدها البلاد. غير أن هذا الأمر لا يبشر بخير، ففي حين أن الاقتصاد قد يتحسن بعد التوصل إلى اتفاق، إلا أنه لن يشهد الانتعاش الفوري الذي يتوقعه العديد من الإيرانيين على الأرجح.

ونظراً إلى أن الآثار الاقتصادية قصيرة المدى ستكون متفاوتة في أحسن الأحوال، فإنها ستكون خاضعة لتفسيرات متباينة. وسيركز بعض الإيرانيين على قلة الآثار الإيجابية المباشرة. ففي أعقاب التوصل إلى اتفاق، ستبقى معظم العقوبات الأمريكية والكثير من العقوبات الدولية نافذة وسيتم إنهاء العقوبات ذات الصلة بالموضوع النووي تدريجياً على مدى سنوات عدّة، وذلك فقط بعد تنفيذ إيران لأحكام الاتفاق، بينما ستبقى العديد من العقوبات المتعلقة بالارهاب وحقوق الإنسان نافذة إلى أجل غير مسمى. إلى جانب ذلك، فإن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران منذ فترة طويلة منتشرة للغاية لدرجة أن أي تحسن ينتج عن رفع العقوبات قد لا يكون مؤثراً من الناحية السياسية. أضف إلى ذلك أن الأشخاص نفسهم الذين يستفيدون من الانحراف الاقتصادي الحالي سيستنكرون بالتأكيد التغييرات إذا ما انفتحت إيران على تجارة واستثمارات ذات حرية أكبر.

وفي المقابل، سيستفيد بعض الإيرانيين من التغييرات الفورية التي قد تنتج عن هذا الاتفاق. إن إستعادة إمكانية وصول البلاد إلى نسبة أكبر من احتياطياتها من النقد الأجنبي المجمدة في الخارج من شأنها أن تسمح بحقن كميات كبيرة في الاقتصاد، ولا سيما في السنوات القليلة الأولى قبل أن يبرز التأثير الكامل لعملية تخفيف العقوبات التجارية.

لذا قد ينظر الإيرانيون إلى الاتفاق بنظرة إيجابية، ولكن ذلك ليس بالأمر المضمون بأي شكل من الأشكال. فالوضع الأكثر ترجيحاً الذي قد تشهده إيران يكمن في أن يدافع بعض السياسيين عن الآثار الإيجابية للصفقة في حين يلقي البعض الآخر اللوم على الغرب عن المشاكل الاقتصادية المستمرة. وليس هناك شك في أن هذه المجموعة الأخيرة من السياسيين ستطرح حجة تقول بأن الحكومات الغربية لم تحترم التزاماتها، وأنه بدلاً من السعي إلى التعاون الاقتصادي مع الغرب، يُستحسن بإيران اتّباع طريق "اقتصاد المقاومة" الذي لطالما دعا إليه المرشد الأعلى.

التداعيات السياسية

من شأن الاتفاق النووي أن يقوّي مكانة الرئيس حسن روحاني ويحسّن العلاقات الأمريكية الإيرانية. إلا أن هذا الأمر ليس مضموناً. فإذا لم يتحسن الاقتصاد بسرعة تتماشى مع توقعات الشعب، قد تزيد خيبة الأمل من حكم روحاني، وهذا بالفعل شعور شائع في إيران اليوم. وإذا اعتقد الشعب أن الاتفاق لم يؤدِ إلى حدوث تحسن ملحوظ بالنسبة إلى بلادهم، فبالتالي قد ينهار الاتفاق في النهاية، وسيصاحب ذلك إلقاء واشنطن وطهران اللوم على بعضهما البعض لحدوث الانهيار.

لا بد من الإشارة إلى أن هيكلية النظام الإيراني لا تنصب في اتجاه تعزيز قوة روحاني. فمصلحة خامنئي في حشد سلطة أكبر لمكتب المرشد الأعلى تؤدي إلى ميله نحو الحد من سلطات المؤسسات الأخرى، سواء أكان مجلس الشورى الإسلامي أو رئاسة الجمهورية. وفي الواقع، واجه آخر ثلاثة رؤساء جمهورية في إيران هذا المصير بعد العامين الأولين من توليهم المنصب، كما أن خامنئي لم يبيّن عن حزمٍ كبير في دعمه لروحاني. فصوت المرشد الأعلى يعلو بشكل متزايد حول رأيه بأنه لا يمكن الوثوق بالغرب وأن المقاومة أفضل بكثير من الحل الوسط. ولقد ندد في العديد من خطاباته بالمفاوضات ذاتها التي سمح بها في وقت سابق. على سبيل المثال، صرّح في 13 آب/أغسطس ما يلي:

"إن العلاقات مع أمريكا والمفاوضات مع هذا البلد، باستثناء حالات معيّنة، لا تحمل أيّ منفعة للجمهورية الإسلامية فحسب، بل تضر بها أيضاً... وقد كان من المقرر إجراء الاتصالات والاجتماعات والمفاوضات على مستوى وزراء الخارجية، إلا أن ذلك لم يعد بأي منفعة، وأمست لهجة الأمريكيّين قاسية ومهينة أكثر؛ إذ زادوا من توقّعاتهم غير المعقولة في اجتماعات التفاوض والبيانات العلنية... إن هذه التجربة قيّمة جداً جعلتنا ندرك جميعاً أنّ الاجتماع بالأمريكيّين والتحدّث إليهم لا يساهمان على الإطلاق في تخفيف عداوتهم ولا يحملان أيّ منفعة".

ولكن على الرغم من هذه الشكوك، قد يسمح خامنئي بالمضي قدماً في الاتفاق النووي. فهو لا يملك قوة سلفه آية الله روح الله الخميني ولا يتمتع بجاذبيته أيضاً، لذا لا يمكنه أن يعبّر عن رأيه بالحرية ذاتها في بعض القضايا أو أن يتوقع من المسؤولين اتّباع رأيه من دون معارضة أو سؤال. إن ذلك يفسر المنهجية التي يتّبعها في القبول المؤقت لسياسات معينة، أو لتعيينات قيادية، أو لنتائج انتخابات تحظى بدعم جماهيري كبير، ليعود وينتقدها أو يعمل على تخريبها في وقت لاحق. وبالتالي، يمكن لخامنئي أن يتّبع هذه الاستراتيجية نفسها بالنسبة للاتفاق النووي، لا سيما نظراً إلى شكوكه العميقة حول المفاوضات. وقد يحسب أنه إذا تبيّن أن تنفيذ الاتفاق كان أفضل مما توقع، فذلك سيعود بالنفع على الجمهورية الإسلامية، أما إذا ظهر أن مخاوفه كانت صحيحة، عندئذ ستدرك النخبة والجماهير الإيرانية أنه كان على حق في اعتبار المحادثات غير مجدية. بعبارة أخرى، إذا آتت الصفقة ثمارها، سيكون الفضل لخامنئي؛ لكن إذا ما فشلت فسيُلقى اللوم على روحاني. وفي كلتا الحالتين لن يعزز ذلك من قوة الرئيس روحاني.

ما هي فرضية القضية؟

حتى لو كان الاتفاق النووي يعزز بطريقة أو بأخرى من قوة الرئيس روحاني، فمن غير الواضح بأي شكل من الأشكال أنه سيضغط من أجل إحداث تغيير في سياسات إيرانية أخرى مرفوضة. يُذكر أن إحدى "فرضيات القضية" التي تحظى بشعبية في البيت الأبيض هي أن الاتفاق النووي سيقوي موقف روحاني وسيعطيه مع مرور الوقت سلطة أكبر على القضايا التي يتمتع في سياقها بسلطة محدودة في الوقت الحالي مثل سوريا والعراق. ويقول الافتراض بأنه، بشكل مماثل إلى حد كبير لتعامله مع الملف النووي، سيرغب في إيجاد سبل لتطبيع علاقات إيران مع بقية دول العالم.

قد يكون ذلك ممكناً، إلا أن الرئيس روحاني بدا حتى الوقت الحالي رجلاً ملتزماً بالنظام. لذا فإنه قد لا يرى سبباً كافياً لتعديل دعم النظام للإرهاب ولزعزعة استقرار الدول المجاورة، ناهيك عن وضع حقوق الإنسان في الداخل الإيراني. وليس هناك شك في أن خطاباته العامة لم تشمل أي إشارة إلى أنه قد يغيّر من سياسات طهران غير النووية التي تطرح مشاكل بحد ذاتها.

وعلى أي حال، لا يمكن لواشنطن أن تقوم بخطوة تُذكر للتأثير في تحديد أي سيناريو ستشهده إيران بعد الاتفاق، إن كان محمّلاً بالتفاؤل أو بالتشاؤم. لذلك يعتمد الأمر كثيراً على الديناميات السياسية الداخلية في إيران، والتي لا تلعب الولايات المتحدة فيها سوى دوراً صغيراً في أفضل الحالات. ونظراً إلى غياب الضمانات بأن يؤدي الاتفاق إلى تغيير في السياسات الإيرانية خارج المجال النووي، يجب تقييم أي اتفاق على أساس تأثيره على الأزمة النووية، وليس على فوائده المفترضة على قضايا أخرى. وباختصار، سيكون من غير الملائم أن تدخل واشنطن في اتفاق نووي بسبب نتائجه المتوقعة على العلاقات الثنائية بشكل عام.

* پاتريك كلاوسون مدير الأبحاث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذراع البحثي للوبي الإسرائيلي بالعاصمة الأمريكية. مهدي خلجي عمل سابقاً في المعهد لفترة دامت تسع سنوات وغادره هذا الصيف لإدارة "مركز الفكرة للثقافة والفنون". وفي الآونة الأخيرة كتب الباحثان مقالاً ضمن المجهر السياسي الذي أصدره المعهد باللغة الانكليزية بعنوان "كيف يمكن أن يرد الإيرانيون على صفقة نووية".

المصدر | معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذراع البحثي للوبي الإسرائيلي

  كلمات مفتاحية

التفاوض المحادثات النووية جمود الأزمة النووية إيران الالتزام بالاتفاق

‏«النواب» الأمريكي يصادق على مشروع يمنع بيع الطائرات لإيران والأخيرة تستنكر ⁦