عــام قَــلب أمــن أوروبـا

الثلاثاء 2 ديسمبر 2014 05:12 ص

بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، تعالت صرخات القلق في دول الاتحاد الأوروبي المحاذية لها. أعلن حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن هناك «بيئة أمنية جديدة» في أوروبا. عزز وجوده في دوله الشرقية، ليقوم بإرسال تعزيزات عسكرية إضافة إلى زيادة المناورات والتدريبات.

روسيا بدورها قامت بمناورات عسكرية مكثفة على الحدود مع أوكرانيا، كما شرعت في عرض قوة عسكري غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة. مقاتلاتها الجوية أصبحت تسرح في المجالات الجوية المتاخمة لخصومها الأوروبيين، فوق البحر الأسود وبحر البلطيق. لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل عادت قاذفات القنابل النووية إلى التحليق فوق المحيط الأطلسي، باتجاه خليج المكسيك (بين كوبا والمكسيك وأميركا)، كما قامت موسكو بتجارب على صواريخ عابرة للقارات.

هذه هي طريقة روسيا في إظهار تأهبها للدفاع عما تراه مصالحها الإستراتيجية في أوكرانيا.

حين سئل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تقديره للمعادلات التي يفرضها صراع القوى العظمى، قال صراحة إن لا أوهام لديه. إنه يعرف نقاط قوة بلاده، ومواضع ضعفها. تكون الدولة عظمى وفق تحليله اعتماداً على ثلاثة أعمدة: القوة العسكرية، القوة الاقتصادية، والقوة الثقافية. في الأولى اعتبر أن لا جدال حول طول ذراع موسكو، فهي من أكبر القوى «النووية» في العالم، كما أن حضور الثقافة الروسية ووزنها جليّ برأيه. استثنى الاقتصاد، معتبرا أن على روسيا القيام «بالمزيد» لضمه إلى رصيد قوتها.

لذلك لم يكن غريبا لجوء موسكو إلى عرض القوة، فهي ترى أوكرانيا مثالا لما سيحدث في مجمل الجوار الروسي الذي كان يوما اتحادا سوفياتياً واحداً. إنه صراع بين منطقين متعارضين. الأوروبيون يقولون إن من حق تلك الدول أن تقرر مصيرها بنفسها لصالح التقارب معهم، ما يعني ضمنا حقهم الاستراتيجي في مد نفوذهم. روسيا تعارض ذلك، وتعلي مبدأ أن هذه الدول لا يمكنها أن تتصرف بما يعارض مصالح جارتها الكبيرة.

حتى الآن يبقى صالحاً المنظور الذي اقترحه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي كان أحد أكثر من قابلوا بوتين. منذ اندلاع الأزمة، قال كيسنجر إن بوتين يرى تهديدا مباشرا ليس لحكمه، لأنه يرى ما يحدث على أنه «بروفة» لما يريد الغرب فعله في روسيا.

بعيدا عن الخطابات الدعائية التي تجمّل هذا الصراع، سواء في روسيا أو الغرب، هناك من يدعم الخلاصة التي قدمها كيسنجر. النائب البريطاني المخضرم روبرت والتر قال على مسمع صناع القرار الأوروبي، خلال مؤتمر أمني في بروكسل، إن ما يحدث في أوكرانيا هو «أزمة كانت تنتظر أن تحدث». البرلماني المحافظ تحدث عن ارتدادات «الحماس» الذي ظهر في توسع الغرب إلى مناطق نفوذ روسيا، عسكريا عبر «الناتو» واقتصادياً وسياسياً عبر المشروع الأوروبي للشراكة. رأى أن الجوهر الإشكالي لهذا التوسع هو «الحصرية»، على طريقة هناك رابح وخاسر، فهذه الدول الشرقية لا يمكنها أن توجد إلا في أحد المشروعين: إما الروسي أو الغربي. النتيجة التي يقدمها والتر: «إذا كنت في موسكو، وتشعر أنك تتعرض للإقصاء من الناتو ومن الشراكة الأوروبية الشرقية، فمن المفهوم أن تشعر أنك مهدد».

على كل حال، يرسم السياسي البريطاني آفاق الصراع العسكري وفق أحد احتمالين. الأول هو حفاظ روسيا على نفوذها في إقليمي دونيتسك ولوهانسك، مع الامتداد إلى ميناء مدينة ماريوبول المطلة على بحر آزاروف، والمشرفة على شبه جزيرة القرم، على اعتبار أن القوات الروسية المحتشدة «لا تكفي لغزو كبير». والاحتمال الثاني برأيه هو أن يكون الكرملين يقوم بعرض للقوة، كورقة ضغط لتحقيق تسوية ترضيه، من دون «أساس أو خطة» بعيدة المدى.

لكن كلام والتر لا يأتي على سبيل الاعتراف، بل لحشد الأسباب التي تستوجب برأيه على أوروبا تقوية قدرتها العسكرية. ويقول «روسيا تتحرك لأنها ترانا ضعفاء، ولن نقوم برد عسكري». 

تقدير كهذا صار رائجا بعد الأزمة الأوكرانية. خبراء عديدون نبهوا صناع القرار الأوروبي إلى «عودة سياسات القوة». كذلك فعل «الناتو» الذي يطالب أوروبا بزيادة إنفاقها على التسلّح.

روسيا ترى أن هذا الاستنفار هو هدية ثمينة أرادها «الأطلسي». قال مسؤولون روس إن الحلف هو «الأسعد» في هذا الصراع، بعدما استخدم الأزمة الأوكرانية لإحياء دوره وصقل مبررات وجوده، خصوصا أنه سينهي هذا العام كبرى حروبه في أفغانستان.

 

المصدر | السفير

  كلمات مفتاحية

أوروبا ناتو روسيا المكسيك الاقتصاد الحدود الحرب الباردة حلف الأطلسي

روسيا تسعى لاتفاق قريب مع إيران لمبادلة النفط بالسلع

لأزمة الأوكرانية.. حقائق غائبة

بوتين وسياسات واشنطن الخاطئة

موسكو وواشنطن: حتمية المواجهة؟!

هل ستشرق الشمس من موسكو؟