فك الحصار عن غزة مقابل «قطار تجاري» يربط بين (إسرائيل) والدول العربية

الأحد 9 أبريل 2017 03:04 ص

بدأت (إسرائيل) في الحديث مجددا عما يوصف بـ«السلام الاقتصادي»، حيث أبدت استعدادها لتقديم مساعدات اقتصادية للفلسطينيين مقابل خطوات تطبيع مع الدول العربية.

جاء ذلك بعد خيبة أمل اليمين المتطرف في حزب الليكود الحاكم وحليفه حزب المستوطنين «البيت اليهودي» من إدارة «دونالد ترامب»، مشككين في موقفها حيث تحدثوا عن «تغيير حاد وصادم في خطاب ترامب قبل وبعد الانتخابات».

ونبعت خيبة الأمل هذه عقب تعيين المستشار اليهودي جيسون غرينبلات مبعوثاً خاصاً للرئيس الأمريكي، حيث تلقت الحكومة الأمر بارتياح بالغ، كونه معروفاً كشخصية يهودية بارزة مقربة من اليمين الإسرائيلي والمستوطنين.

لكن عندما حضر «غرينبلات» في أول جولة إلى المنطقة، الشهر الماضي، صدموا من طروحاته ونوعية لقاءاته.

ولكي يخرج المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية من مأزقها، شدد على مفاوضات إسرائيلية عربية وعلى دفع عملية سلام إقليمي بين (إسرائيل) والعرب أجمعين.

وأدرك رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» وعدد من وزرائه، أن عليهم البحث عن أية وسيلة تمنع التصادم، بل وطرح أفكار ومشاريع تبدو مغرية للأمريكيين ويرفضها الفلسطينيون والعرب.

ووجدوا ضالتهم في العودة الى الحديث عن السلام الاقتصادي، وكان وزير المواصلات الإسرائيلي، «يسرائيل كاتس»، أول من طرح مشروعًا متكاملاً في هذا المضمار.

ومع أن «نتنياهو» أبدى تحفظاً، فقد سمح له أن يطرح مشروعه على المبعوث الأمريكي الخاص للعملية السلمية، «جيسون غرينبلات».

 وتم إشراك «كاتس» في إحدى جلسات «نتنياهو مع «غرينبلات»، وعرض مقترحاته، التي تتمثل في خطتين مترابطتين: فك الحصار تماماً عن قطاع غزة مقابل تفعيل قطار تجاري بين (إسرائيل) والدول العربية يمر عبر قطاع غزة والضفة الغربية.

 المشروع

ويطلق «كاتس» على مشروعه عنوان «جزيرة الانفصال عن غزة». والمقصود بذلك بناء جزيرة تقام عليها منشآت لإنتاج الكهرباء ومفاعل لتحلية مياه البحر وميناء بحري، وتسمح لسكان القطاع بالتواصل مع العالم، من دون المس بأمن (إسرائيل).

الجزيرة، وفق «كاتس»، تقام على مساحة 8 كيلومترات مربعة ويتم ربطها بقطاع غزة بجسر طوله 4.5 كيلومتر.

ويمكن أن يقام على الجزيرة ميناء بحري وأيضاً مطار، شرط ان تتولى (إسرائيل) مسؤولية الفحص والإشراف الأمني.

الخطة الثانية طرحها «كاتس تحت عنوان «السكك الحديد للسلام الاقتصادي الإقليمي»، ومع أنه لم يضع تنفيذها شرطاً لخطته حول غزة في شكل مباشر، إلا أن مقربين منه أكدوا أنها لا يمكن أن تنفذ إلا إذا وافق العرب على خطة القطار.

وأوضح «كاتس أمام المبعوث الأمريكي، خلال لقائهما في 16 مارس/آذار الماضي في القدس، أنه أنجز الشق الإسرائيلي من المشروع، بواسطة خط سكة حديد جديد يمتد من حيفا إلى بيسان، على بعد أمتار من الحدود الشمالية مع الأردن، وأن هناك مخططاً في درجه لربط هذا الخط مع غزة من جهة ومع جنين (شمالي الضفة الغربية) من جهة ثانية. وعندما يوافق العرب، ينطلق تنفيذ الخطة على الفور.

ووفق «كاتس فإن المبعوث الأمريكي أعرب عن تأييد المشروع بحماسة شديدة.

وقال: «ليس عندي شك في أن الرئيس سيتحمس مثلي للمشروع».

 وأضاف «كاتس: «قلت لغرينبلات أن هذين المخططين سيساعدان على العلاقات بين إسرائيل والدول العربية السنية والفلسطينيين، وستغير وتحسن خطة السكة حياة السكان في المنطقة وتشكل قاعدة لمبادرات سياسية لاحقاً. وأعرب المبعوث عن انطباعه العميق واستعداده لتجنيد الرئيس ترامب والإدارة الأمريكية لدفع الموضوع. ويمكن أن يكون للولايات المتحدة دور سياسي مهم في دفع المبادرة وقيادتها، كما يمكن أن يكون لدول أخرى في المنطقة والعالم دور في المساعدة على تطبيقها، سواء في التخطيط والتمويل والتنفيذ».

وتناول «غرينلات هذه الفكرة في العديد من اللقاءات التي أجراها مع مسؤولين إسرائيليين وغزيين وأمريكيين وتحدث فيها مع عدد من الوزراء والقادة العرب، خلال لقاء القمة في عمان.

وفحص مع قيادة الجيش الإسرائيلي فرص نجاحها، وتلقى الضوء الأخضر لذلك من منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، الجنرال يوآب مردخاي. وبحثه مع نائب الوزير في مكتب نتانياهو، مايكل أورن، الذي كلفه رئيس الوزراء بمسؤولية «دفع إعادة بناء البنية التحتية في قطاع غزة، بالتعاون مع المجتمع الدولي».

و«غرينبلات يعرف أورن منذ أن كان سفيراً ل(إسرائيل) في واشنطن. فلم يكتف بلقائه في القدس ودعاه قبل أسبوع للقاء في واشنطن. ثم التقى غرينبلات في واشنطن الوزير نفتالي بنيت، رئيس حزب المستوطنين (البيت اليهودي) وطلب سماع رأيه فيها، ففاجأه بقبول الخطة، شرط أن تلتزم حركة «حماس» باتفاق هدنة طويل الأمد.

وطرح «غرينبلات هذه الخطة أيضاً خلال لقاءين أجراهما في واشنطن وبيت لحم، مع رجال أعمال فلسطينيين.

إحراج نتنياهو

هذا الاهتمام من طرف المبعوث الأمريكي أحرج «نتنياهو. فهو شخصياً لم يظهر موقفه من الخطة بعد، بل أنه محتار. فقد حاول «كاتس خلال السنة ونصف السنة الأخيرتين طرح الموضوع للنقاش في المجلس الوزاري السياسي الأمني. وتم طرح الموضوع في شكل مقلص خلال جلسات، لكنه لم يتم إجراء نقاش معمق حولها.

 ويدعم ضباط في الجيش هذه الفكرة ويعتقدون أنه يجب مناقشتها بجدية، لكن جهاز المخابرات العامة (الشاباك) يعارضها. كما يعارضها وزير الدفاع، «أفيغدور ليبرمان.

وإذا أراد «نتنياهو تبني الخطة فسيصطدم بمعارضيها في المخابرات وربما أيضاً في اليمين المتطرف، خصوصاً داخل حزبه.

وإذا رفضها، فسيصطدم مع الإدارة الأمريكية. وقد اختار الاستمرار في الصمت، وفي الوقت نفسه عدم اتخاذ أية خطوة ضدها. فيترك للوقت ان يحسم، لعل العرب يعارضونها ويريحونه.

ويقول خبراء في السياسات الداخلية الإسرائيلية إن «نتنياهو لا يعارض الخطة مبدئياً بل يعارضها لأن صاحبها هو يسرائيل كاتس، الذي يعتبره خصماً سياسياً. ففي السنتين الأخيرتين، يقوم كاتس بنشاطات واسعة مع الكوادر الحزبية لليكود تمهيدًا للمنافسة على رئاسة الحزب والحكومة «بعد نتانياهو».

 الخلافات الإسرائيلية حول هذه الخطة لا تقتصر على المسؤولين في الحكومة والجيش والمخابرات، بل تمتد الى الخبراء والباحثين. بعضهم يرى أنها لن تخرج الى حيز التنفيذ، واعتبر أنها ستبقى حبرًا على الورق، كما يرى الباحث الإسرائيلي اليميني أرنون سوفر، والبعض يعتبرها أفضل خطة لتغيير الأجواء وزرع الثقة.

وكان سوفر قد سبق وأعد مشروعًا تفصيلياً، قبل سنوات، لإقامة جزر مائية على شواطئ (إسرائيل) وقطاع غزة، باعتبار ان الحل الوحيد لمواجهة الضائقة الاقتصادية في (إسرائيل يكمن في توسيع مساحة قطاع غزة إلى داخل البحر، وقال لدى طرحه المشروع إن شاطئ غزة يوفر ظروفًا طبيعية لإقامة جزيرة مائية. لكنه اليوم ينضم إلى معارضي هذا المخطط، معتبراً ان حركة حماس ستشكل سداً مانعاً امام هذا المشروع بعدما وضعت مسألة استعداداتها العسكرية تجاه (إسرائيل) على رأس أولوياتها، وفق ادعاءاته.

وضع اقتصادي خطير

وفي المقابل، هناك باحثون اسرائيليون، حسموا رأيهم لمصلحة المشروع. وقد كشف عن بحث أعده باحثون إسرائيليون وفلسطينيون إن هناك حاجة ملحة لإنقاذ قطاع غزة وأهله من الانهيار، وذلك من طريق إعادة فتح المطار في غزة، وإعمار مرسى الصيادين وبناء ميناء وضخ المياه والكهرباء بكميات تناسب الحاجة، وتقليص قائمة المواد ذات الاستخدام المزدوج، والسماح بحركة منتظمة للأشخاص وقوافل الشاحنات التي تسافر مباشرة من القطاع الى الضفة. ووفق البحث المشترك يسكن مليونا فلسطيني في قطاع غزة، في مساحة 365 كيلو متراً مربعاً، في حالة اكتظاظ خطير.

وطالب الباحثون بإعادة ربط غور الأردن بقطاع غزة، وفق اتفاقات أوسلو، لكي يتاح للعمال من سكان القطاع الانتقال الى الغور للعمل في الزراعة، ولو موسميًا، أو في البناء وفي تطوير البنى التحتية، في السياحة وفي الصناعة.

ويعـكس هـــذا البحث الوضع الاقتصادي الخطير في غزة، الذي لم يخف الإسرائيليون قلقهم من استمراره أو تفاقمه. ووفق هذا البحث فإنه في العشرين سنة الماضية منذ إقامة السلطة الفلسطينية كان الناتج المحلي الخام للفرد في القطاع نحو 1.200 دولار بالمتوسط السنوي.

وبلغت ذروته في عامي 1998 – 1999، 1.450 دولار. وكان في أدنى مستوى له في عامي 2007 – 2008، حين هبط الى 900 دولار. ومقارنة بالأردن، فقد كان الناتج المحلي الخام للفرد 4.200 دولار، وهو أمر يؤكد معدو البحث، انه يعكس الواقع الدراماتيكي ويفسر سبب ارتفاع البطالة بين الشباب في غزة إلى 57.6 في المئة. أما معدل البطالة في عموم السكان في القطاع فكان 41%.

 

  كلمات مفتاحية

غزة حصار غزة ترامب إسرائيل

«جيروزاليم بوست»: (إسرائيل) تأمل أن يتخذ «السيسي» خطوات جريئة نحو التطبيع

المنطقة العازلة في سيناء: مكافحة إرهاب أم إحكام لحصار غزة؟

قطر تقترح إنشاء ميناء تجاري بقطاع غزة تحت إشراف دولي