استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أطفال «خان شيخون» ورباعية الفاجعة

الاثنين 17 أبريل 2017 09:04 ص

منهم من انطفأت عيناه، وتكورت في الحدقات المائلة سماء داكنة ذابت في آخر ثانية من «عمرهم الصغير» الذي ازدحم بالموت السوري وبغبار المدن المتهالكة من حولهم.. ومنهم من بقي يصارع عذابات «السارين» أمام الكاميرات، مغسولا بالماء الأخير وبالأنين المتدفق من صدور كانت تتشبث بالهواء من حولها شيئاً فشيئاً حتى همدت بصمت.

مشاهد هزت الدنيا، ستُخلّد كأكثر اللحظات مأساوية في التاريخ البشري الحديث. سوريا تلاشت من عيون أطفال مدينة خان شيخون في ريف إدلب، في مشهدية لم تحصل في حياة أي دولة وأي شعب. كم قرأنا عن فظائع ارتكبتها دول في حروبها مع الآخرين، وقرأنا عن إبادات حلّت عبر التواريخ المختلفة وعن الليالي «الزجاجية» وغرف الغاز، ومعسكر أوشفيتز البولندي، ومجمع بوخن فالد في مدينة فايمار الألمانية، وغير ذلك.

لكن ما نراه اليوم له وقع آخر.. لوحة طرية وشفافة تقدِّم للعالم نموذجا مختلفا، شديد الوحشية والغرابة، وباحترافية القرن الواحد والعشرين. لأن الموت الكيماوي الحديث لم تحمله طائرات الأعداء، بل حملته طائرات «وطنية، قومية، عروبية، اشتراكية، ممانعة».

أتت من السماء وانطلقت من مطارات الأرض التي سار عليها التاريخ منذ سبعة آلاف عام، وقامت عليها حضارات عريقة وظلت قلب الشرق الجميل الذي تصارعت عليه إمبراطوريات متعددة.. لكنها احتفظت بهويتها وأنجبت هذا الشعب المتفرد الصامد الذي يقتله حكامه بكل أدوات الرعب. فالقاتل هو الحاكم الذي حمل إرث أبيه وأمجاد حزب تغنى بـ«الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة».

اليوم بعد سبعين عاما على تأسيس حزب البعث العربي السوري اكتملت حروف «الرسالة الخالدة» بصورة مرعبة وماتت «الأمة الواحدة» في عيون أطفال شيخون، واحترقت بغاز السارين كل أدبياته، واستحال «البعث» إلى موت جديد شديد القبح. فلم يتم ذلك بأيادي جيش الصهاينة الذين بنوا «ملكهم السامي» على مسافات قصيرة من «مقراته»، ولكن بأيادي الجيش العربي حامي حمى «الحاكم الأخير» في سورية الجريحة، وتلك هي أم المآسي العربية الحديثة.

كم كنا نضع أيدينا على قلوبنا في الأعوام الأولى من «الثورة» خوفا من انهيار الدولة السورية، وخوفا من أي تدخلات أجنبية، لكي لا تذهب سوريا إلى مصير العراق، فلم نتوقع أو نصدق أن نظاما سياسيا يحمل عقلا طبيعيا أن يصل به الجنون حتى يضرب شعبه بأسلحة الدمار الشامل، فيموت الأطفال أمام مرأى الدنيا بأسرها بطريقة جعلت من العالم كله يقف مرعوباً أمام هذا التوحش الاستثنائي، لتكتمل في عيونه الصورة المزدوجة لإرهاب التنظيمات المتطرفة وإرهاب الأنظمة في هذا الشرق المكلوم.

لم يعد هناك إذن ما يبرر لإنسانية النظام ولأهليته العقلية والأخلاقية والسياسية، وليس فقط لوطنيته والأهداف التي سوقها ضد الإرهاب والحفاظ على الدولة، أو الممانعة، وقبلها المفردات القومية التي تغنى بها لأكثر من نصف قرن، إذا كان هو من يقتل شعبه بالطريقة نفسها التي يفعلها الإرهابيون، بل بإخراجات تطغى على مشهدية الذبح والحرق الذي مارسه «تنظيم الدولة».

حين يُصاب صغار خان شيخون بالغازات السامة، بعد أن أصيب قبلهم الكثيرون في المدن السورية بالسلاح نفسه المحرم دولياً، ويتم هذه المرة عرض الحالة الطازجة على الهواء، ليتجرع بلايين المشاهدين في العالم هول الخبر، وترتج قلوبهم لتلك الصور الصادمة للوجوه الصغيرة الساكنة كالشمع المرصوص، أو تلك التي تصارع حالات النزع الأخير..

فإن شعوب العالم تنتظر بأن لا تستمر بأي حال من الأحوال المبررات أو صراعات النفوذ في المنطقة على حساب البشر الذين تسحقهم الطائرات في كل دقيقة، فالجميع يعلمون أن هناك ما هو أفظع من المشاهد التي تدركها العدسات وتنقلها للعالم مباشرة.

لقد كانت ردود فعل الإقليم والعالم ردودا رمزية بما فيها الضربات الأمريكية، حتى إن حملت رسالة سياسية أكثر منها عسكرية، لأن المطلوب هو خلق جبهة تضامنية قوية من دول الإقليم ودول العالم لوقف المأساة بصورة نهائية، فالشعب السوري أصبح الآن، أكثر من أي وقت مضى، بأمس الحاجة لأي منقذ يأتي حتى من الآفاق البعيدة، بل إن الشعوب العربية تتمنى أن يعيد العالم حساباته وأن يتجه بكل الوسائل لإيقاف المذابح اليومية.

سوريا تعيش فاجعة العصر، وفاجعة العصر اكتملت أركانها وتجلت «أبعادها» في رباعية متكاملة، كما لم تتجلَّ في أي مكان آخر من دول المنطقة التي تعاني تداعيات ما بعد «الثورات العربية»، فالنظام القديم ما يزال هو الحاكم ولم تعد أمامه أي خطوط حمراء، بعد أن جرب كل شيء.. تسانده دول خارجية كبيرة ومليشيات لا حصر لها. والعالم العربي من حوله لم يعد قادرا على أن يشارك في حماية الشعب السوري أو في صناعة مستقبله.

كما أن النظام العالمي تعطّل بفعل أولوياته المختلفة وتوازناته الجديدة، حتى أن مجلس الأمن أصبح نسخة أممية من الجامعة العربية، أي أصبح منتدى لخطابات المندوبين والشجب والاستنكار والمهاترات الفارغة، تنتهي جلساته حول أكثر الأحداث خطراً وحرجاً، إما ببيان باهت يخضع لتوازنات الأقوياء، وإما بفيتو «بوتيني» تشاركه الصين الشعبية التي قامت قيامتها ابتداء من فصول سوريا الأخيرة، كما لو أنها انتبهت أخيراً بأنها قوة عظمى فألهمتها أنظمة الشرق فجورها.

تلك ثلاثة أبعاد، أما الرابع فإنه يتعلق بالمقاومة السورية، التي أصبحت بعددها وعديدها غير مفهومة للعالم الذي يحتاج إلى جهود كبيرة لإحصائها، وإلى مراكز دراسات لشرح أهدافها وأولوياتها ووسائلها وأيديولوجياتها وتبعيتها، وفرقها، ومنافساتها، وطموح قياداتها المختلفة.

فساهمت في تضليل العالم حول حقيقة ما يحدث في سورية، ثم ألبسها الخصوم أثوابا بألوان مختلفة، ولم تنتبه منذ بداية الثورة إلى أن هناك جهودا لخلط أوراق المشهد كاملا، واستثمار الخوف الذي يهدد العالم من الإرهاب بطريقة شيطانية. فلم تجد المعارضة وسيلتها الحقيقية في أن تبلور نفسها في فكرة واضحة وفي كيان شفاف موحد أو مؤتلف يتحرك كجسد واحد وعقل واحد، ويجد لغة عصرية لمخاطبة العالم.

لقد شهدت سورية أمام صمت العالم 200 هجوم كيماوي، وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، منذ انطلاق الثورة حتى فبراير 2016. بدأت من محافظة حمص واختتمت في ريف محافظة إدلب، وهي الأكثر استهدافا منذ قرار مجلس الأمن 2118.

لم تعد هناك فاجعة أكثر وقعاً على العالم كالتي حصلت مؤخراً في ريف إدلب، ليس بحجمها ولكن بطريقتها البشعة. فإذا لم يتحرك العالم بصورة موحدة لإنقاذ سورية فإن ذلك يعني أنه قد دخل مرحلة قاتمة، مرحلة من العجز المخيف، وهنا يتعين على دول المنطقة مجتمعة أن تتدخل وتلعب أدواراً حقيقية ومباشرة قبل أن تتصاعد الأزمات وتطالها الحرائق.

* أحمد عبد اللاه كاتب يمني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

سوريا نظام السد مجزرة خان شيخون غاز السارين السام تداعيات الثورات العربية 200 هجوم كيماوي المقاومة السورية

قوات الأسد تتقدم نحو خان شيخون وسط معارك عنيفة