المعالجة «الانتقالية» لاخـتلالات المـوازنات الخـليجـية

الثلاثاء 30 مايو 2017 06:05 ص

ذكرنا في مقالنا السابق أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية شرعت فوراً ومن دون إبطاء للرد على تحدي انهيار أسعار النفط التي تشكل عائداتها حوالي 85% في المتوسط من إيرادات موازناتها العامة، بإجراءات تنتمي عموماً للسياسة المالية التقشفية التي شملت الإنفاق الجاري والإنفاق الرأسمالي على حد سواء، من رفع أسعار بعض السلع والخدمات المدعومة، ومطاولة بعض شرائح الأجور وتعليق تنفيذ بعض المشاريع الحكومية.

كما اضطرت دول التعاون لخفض إنفاقها من 615 مليار دولار في عام 2014 إلى 563 مليار دولار في عام 2015 والى 519 مليار دولار في عام 2016، نتيجة لانخفاض إيراداتها النفطية من أعلى مستوى لها في 2013، وكانت 735 مليار دولار، إلى 443 مليار دولار في عام 2015، الأخفض من خمس سنوات، مع توقع أن تهبط إلى 356 مليار دولار نهاية العام المالي المنصرم 2016.

ما سيرفع العجز المجمع في موازناتها العامة من 114 مليار دولار في عام 2015 إلى 153 مليار في عام 2016، وفقاً لتوقعات دراسة شركة الاستثمار الكويتية «كامكو ريسيرتش» (وكالة الأنباء الفرنسية 20 سبتمبر 2016). وهي إجراءات تستهدف تجسير الفجوة بين الإيرادات التي خسرت نصف حصتها تقريبا وبين المصروفات المرتفعة سنويا بحكم المتطلب التنموي، الاقتصادي والاجتماعي.

هي اجراءات ذات أمد قصير تتعامل مع حالة طارئة ومستعجلة لا تحتمل التأجيل، لأن الأمر يتعلق بالموقف المالي للدولة بما يشمل قدرتها المستدامة على تأمين انسيابية تجارتها الخارجية، وتأمين مناخها الاستثماري الجاذب والداعم لميزان مدفوعاتها، فضلا عن تأمين استقرار عملتها الوطنية.

كما أن هذه الإجراءات لها مفاعيل إسهامية في المعالجة متوسطة وطويلة الأمد للاختلال الحاصل بين المصروفات والإيرادات في الموازنات الخليجية، من حيث تأمينها إيراداً إضافياً ومنتظماً لهذه الموازنات.

ولأن هذا الاستخدام الاضطراري لبعض أدوات السياسة المالية، ليس كافياً بحد ذاته لمعالجة اختلالات الموازنات العامة الخليجية على المدى الأبعد، فكان لا بد من التفكير في خيارات أخرى إضافية، حيث استقر الأمر بعد طول مباحثات ومشاورات واستشارات داخل أروقة اللجان والفرق الفنية لممثلي دول مجلس التعاون في اجتماعات الأمانة العامة للمجلس في الرياض استغرقت بضع سنوات، استقر الأمر أخيراً، وتحت وطأة الانهيار الأخير في أسعار النفط، على اللجوء لضريبة القيمة المضافة.

فقد أقر المجلس الوزاري لمجلس التعاون مطلع العام الجاري الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة لدول مجلس التعاون الخليجي، والاتفاقية الموحدة للضريبة الانتقائية لدول المجلس، وسيجري تطبيق ضريبة القيمة المضافة اعتباراً من أول يناير / كانون الثاني 2018 بنسبة 5% على على جميع المنتجات والخدمات باستثناء 94 سلعة أساسية تم توصيفها ب«السلع الصفرية»، فيما ستُفرض الضريبة الانتقائية بنسبة محددة على سلع منتقاة تم حصر قائمتها حالياً في التبغ ومشروبات الطاقة بنسبة 100% والمشروبات الغازية بنسبة 50% من سعر التجزئة.

وسيضاف للقائمة بعض السلع لاحقا، الأرجح أن تكون سلعاً كمالية. وقد روعي في القرار إعطاء فترة سماح اقصاها نهاية 2018 لبعض الدول لحين استكمال اجراءاتها وتشريعاتها لتطبيق الاتفاقيتين. 

وقد حظيت الاتفاقيتان بمصادقة كل من السعودية ودولة الإمارات، ما جعلهما نافذتين استناداً لما نصت عليه الاتفاقيتان باعتبارهما نافذتين حال قيام دولتين بإيداع وثيقة التصديق عليهما لدى الأمانة العامة لمجلس التعاون.

كما حظيت الاتفاقيتان بموافقة مملكة البحرين وكذلك دولة الكويت وقطر، بصورة رسمية عليها، على أن تستكمل هذه الموافقة بالإجراءات الدستورية والتشريعية اللازمة بشأنهما من قبل السلطات التشريعية المعنية بالمصادقة عليهما. وغنيٌ عن القول أن الأمر يستلزم موافقة ومصادقة الدول الست على الاتفاقيتين للحيلولة دون تدفقات مالية ورأسمالية عبر الدول الست للإفادة من تغير السياسات المالية.

هكذا، فقد رأينا كيف اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي اجراءات استثنائية تخص السياسة المالية، وكيف جاءت هذه الإجراءات على مستويين زمنيين، الأول قريب الأمد يغطي الحاجة الفورية لمقابلة النقص الحاد والداهم في الإيرادات، فيما يغطي الثاني، المدى الأوسط متمثلاً في ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية.

ونميل إلى اعتبار هاتين الضريبتين بأنهما ضريبتان انتقاليتان، لكونها تشكلان مرحلة انتقالية نحو مقاربات علاجية بعيدة الأمد لاختلالات الموازنات الخليجية العامة. 

* د. محمد الصياد كاتب اقتصادي من البحرين

  كلمات مفتاحية

المعالجة «الانتقالية» اختلالات الموازنات الخليجية دول الخليج العربية انهيار أسعار النفط عائدات الخام إيرادات الموازنات العامة إجراءات تقشف السياسة المالية التقشفية الإنفاق الجاري الإنفاق الرأسمالي الضرائب رفع أسعار السلع الخدمات المدعومة شرائح الأجور تعليق المشاريع الحكومية