مـصر.. لـغـز الدولار

الأحد 4 يونيو 2017 02:06 ص

من المعروف ان رفع الفائدة ينعكس بالتبعية على سعر العملة، فكلما زادت الفائدة على العملة المحلية جذبت الناس وجعلتهم يستبدلون المدخرات بالعملة الاجنبية إلى العملة الوطنية، ولذا تصبح إحدى الادوات التى تلجأ اليها البنوك المركزية كوسيلة مساندة لعملتها مع اشياء اخرى لتصويب السياسة المالية وتنفيذ الرشادة الاقتصادية.

فى مصر هناك قرار متخذ من 3 نوفمبر الماضى، المعروف بتحرير سعر الصرف، وخضوعه للعرض والطلب وعدم التدخل مثلما كان يحدث فى السابق، وساهم تطبيق المساندة بتبديد الاحتياطى النقدى المكون فى عهد الرئيس الاسبق مبارك من 36 مليار دولار إلى 12 مليار، معظمها ودائع وقروض ومساعدات فى فترات تالية لما بعد 25 يناير 2011، قبل أن يسترد جزءا من عافيته بفضل السندات الدولارية وقرض الصندوق وتقليل الاستيراد واصلاحات اخرى.

الصمود وعدم التدخل وترك التجربة يحسب لصانع القرار، لكن هل يظل السعر الحالى متوسطا عند 18.13جنيها، رغم رفع الفائدة لمستوى تاريخى، وتحمل البنوك تكلفة الاموال وتحميلها للمقترضين مما ينجم عنه تباطؤ كبير فى عملية الائتمان اساس التنمية والاستثمار.

الارقام تؤكد أن البنوك مولت عمليات التجارة الخارجية خلال الفترة من 3 نوفمبر، وقت تحرير سعر صرف الجنيه وحتى 25 مايو الماضى، بنحو 35 مليار دولار، وسددت مستندات تحصيل واعتمادات مستندية بنحو 25 مليار دولار، بالإضافة إلى فتح اعتمادات مستندية بقيمة 10 مليارات دولار، وهى ارقام ايجابية، تؤكد كثرة التدفقات الاجنبية بعد شح وعجز لفترة كبيرة.

لكن اين ذلك من سعر الصرف، المقدر من قبل مؤسسات دولية معتبرة، بأنه يجب الا يتجاوز 13 جنيها على اقصى تقدير، ونفس تصريحات كبار رؤساء البنوك إبان القرار التحرير، وان اية زيادة ما هى الا مضاربات غير واقعية وغير شرعية وتفتقد الاخلاق قبل القانون، بل بنوك كبيرة أدرجت نفس السعر فى موازنة العام المالى الجديد، ليصدم عملها طوال الشهور الخمسة الماضية بالسعر الموجود فى السوق، المتخذ وضع الثابت ولا احد يعلم متى ينخفض.

رفع الفائدة لم يفيد العملة الوطنية بالتأكيد، وان كان جزءا من المشكلة يعود لأسباب معروفة ابسطها عدم ترجمة الاصلاحات الاقتصادية إلى واقع، مع تراجع فى الإيرادات الجاذبة للنقد الاجنبى وهى ليست مهمة جهة واحدة، فمازالت السياحة بعيدة عما كانت عليه، وقناة السويس العوائد تتراجع لأسباب تتعلق بسير التجارة العالمية، واستثمار اجنبى مباشر يرى المخاطر مازالت مرتفعة مع جملة تعقيدات اخرى، وانجازات البعض تتجاهل ان سعر العملة الاجنبية كان عند 8.80 جنيه، فمن العبث ان نقول هناك زيادة فى الصادرات والارباح، ونتجاهل عن عمد انه تعود بالأساس إلى متغير سعر الصرف.

وقد امتلك محمد عباس فايد رئيس بنك «عودة ـ مصر» شجاعة كبيرة عندما اعلن عن وجود جزء فى ارباح مصرفه ناتج عن فرق العملة، وتجاهلت مؤسسات حكومية كبيرة ان تعلن ذلك سواء كان ذلك من التعويم الجزئى او التعويم الكامل، لكن يظهر هذا بوضوح من اعمالها وارباحها.

فإن كان الرفع بمقدار خمس نقاط مئوية فى 7 أشهر لم يفد العملة الوطنية، فمتى يكون رفع الفائدة مفيدا لها، مع الايمان ان للرفع جوانب ايجابية تتعلق بكبح التضخم الذى وصل لأرقام تاريخية إذ قفز معدله السنوى إلى 31.5%، ليسجل بذلك أعلى معدل تضخم على مستوى الاقتصادات الأكبر فى العالم، باستثناء فنزويلا التى يشهد اقتصادها وضعا كارثيا ندعو الله ألا نصل إليه، وننتظر هوجة جديدة لرفع الاسعار ظهرت من تصريحات وغضب المسئولين مؤخرا، وما تقدمه الحكومة باليمين «رفع المعاشات» تاخذه الاسعار بالشمال.

ثبات سعر العملة الاجنبية على ما هو عليه يرفع تكلفة الواردات ونحن نستورد اكثر من 90% من الاحتياجات، ويربح أصحاب الودائع الدولارية، ولن ينعش اموال غيرهم من المصريين، إذا ظل التضخم على ما هو عليه حتى لو رفعنا الفائدة اكثر من ذلك.

فى مطلع العام الحالى كتبت ان «الدولار» الحاكم بأمره فى 2017 والتأرجح السمة الغالبة، وغضب مسئول كبير، كنت أتمنى أن يكون التأرجح، هو الغالب لكن ظل الارتفاع والثابت عند المستوى الحالى، دون اشارة إلى خفض او تراجع، دون انكار محاولات السيطرة التى تحتاج إلى بركات الشيخ أبوالليل.

* محمد مكى كاتب مصري

  كلمات مفتاحية

تعويم الجنيه المصري الدولار تحرير سعر الصرف التضخم الاقتصادي غلاء الأسعار