معالجة المدى الطويل لاختلالات الموازنات الخليجية

الاثنين 5 يونيو 2017 07:06 ص

حتى الآن، اتخذت الإجراءات الاستثنائية والتحوطية التي اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجي رداً على انهيار أسعار النفط منتصف 2014 والذي ما زال مستمراً حتى اليوم، وخسرت جراءه حوالي نصف إيرادات موازناتها شكلين رئيسيين:

أولهما في صورة إجراءات تقشفية صارمة قصيرة المدى ابتغت معالجة الفجوة الحادة والمفاجئة بين المصروفات والإيرادات التي أحدثها انهيار سعر برميل النفط،

وثانيهما في صورة فرض ضريبة غير مباشرة تم إقرارها مطلع العام الجاري لتدخل حيز التنفيذ ابتداءً من مطلع العام المقبل، بمسمى ضريبة القيمة المضافة التي ستفرض على جميع المنتجات والخدمات باستثناء 94 سلعة أساسية بنسبة 5%، ومعها الضريبة الانتقائية التي سيتم فرضها على التبغ ومشروبات الطاقة بنسبة 100% والمشروبات الغازية بنسبة 50% من سعر التجزئة.

وهذه ذات أمد قصير المدى، وإن ساهمت في توفير مصدر دخل إضافي للموازنات على المدى الأطول. 

تعتبر هاتان الضريبتان، القيمة المضافة والانتقائية، ضريبتين انتقاليتين للعبور نحو مقاربات علاجية بعيدة الأمد لاختلالات الموازنات الخليجية العامة. ذلك أننا نزعم أن ما جرى اتخاذه حتى الآن من إجراءات يقع ضمن إطار المعالجة المحاسبية الدفترية البحتة. 

ومن نافلة القول إن هذه الإجراءات لا تكلف في العادة جهداً ووقتاً لدى السلطات المسؤولة عن إدارة أدوات السياسة المالية. فليس أفضل من المحاسبين لإجراء مناقلات القيد بين مختلف بنود الميزانية بشطريها اللذين يمثلان جانب الإيرادات والمصروفات من أجل تضبيط توازنهما.

وعلى أي حال فإننا في الوقت الذي نعتقد فيه أن ما قام به المسؤولون عن السلطات المالية في دول التعاون، من نصح وتوجيه الحكومات الخليجية لاتخاذ تلك التدابير المالية التقشفية الاستثنائية، كان عملاً موفقاً وضرورياً اقتضته اللحظة المالية الحرجة التي وُضعت فيها الماليات العامة الخليجية على حين غرة إثر تواتر تبخر أكثر من نصف إيراداتها المالية جراء انهيار سعر برميل النفط، إلا أننا نعتبر أيضاً هذه الإجراءات ليست كافية بحد ذاتها لمعالجة الاختلال المالي في الموازنات الخليجية بين الإيرادات والمصروفات على المدى الطويل. 

صحيح أنها تخلق لجانب الإيرادات وفراً مالياً قصيراً ومتوسطاً، والى حد ما طويل الأمد، إلا أنها تستجيب في ظرف زمني محدد لمستوى، محدد أيضاً، من العجز المسبِّب للفجوة بين الإيرادات والمصروفات، وهذا العجز مرشح للارتفاع في حال استمرت إعادة إنتاج النموذج المالي، والتنموي العام، الحالي، ما سيجبر مسؤولو إدارة أدوات السياسة المالية للنصح من جديد بفرض مزيد من الضرائب غير المباشرة لتغطية نسبة الارتفاع الجديدة في العجز.

ثم إن هذه الإجراءات المتخذة ذات وجهة تقشفية ضاغطة، على كافة مكونات إجمالي الناتج المحلي، لاسيما معامل الاستهلاك، وذلك نتيجة فرملته، أو فرملة قدرته الشرائية، ما سينعكس سلباً على جانب الطلب على إجمالي الناتج، حتى إذا ما انخفض الإجمالي فلسوف تنخفض ترتيباً حصيلة القيمة المضافة المجباة. علماً أن ضريبة القيمة المضافة سوف تفرض على الفارق بين سعر تكلفة السلعة وسعر بيعها.

المطلوب إذاً التفكير في خيارات أخرى ذات طبيعة بعيدة المدى لمعالجة اختلالات الموازنات الخليجية. المطلوب من القائمين على إدارة السياسة المالية ألا يتوقفوا عند حلولهم المحاسبية الدفترية ذات المفاعيل قصيرة ومتوسطة المدى وذات الأثر السالب على نمو الإجمالي، والتي هي في العادة الوصفات العلاجية المقدمة من قبل خبراء ومستشاريي صندوق النقد وبعض وكالات التصنيف الدولية، والتي تركز «مشوراتها ونصائحها» على خفض الرواتب والأجور والتخلص من دعومات السلع والخدمات الأساسية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من حزمة القدرة الشرائية للأفراد وما يسمى بمؤشر نوعية الحياة الضامن لزخم إنتاجيتهم.

* د. محمد الصياد خبير اقتصادي

المصدر | د. محمد الصياد | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية

اختلالات الموازنات الخليجية إجراءات تقشف دول مجلس التعاون الخليجي انهيار أسعار النفط إيرادات الموازنات فجوة بين المصروفات والإيرادات ضريبة القيمة المضافة المنتجات والخدمات الضريبة الانتقائية مقاربات علاجية بعيدة الأمد