الأردن فوق "برميل غاز اسرائيلي" على وشك الانفجار.. الشارع يتململ.. والبرلمان يتحرك لسحب الثقة من الحكومة

الأربعاء 17 ديسمبر 2014 05:12 ص

في الاردن ضجة سياسية كبرى، وحراك برلماني غير مسبوق، وصحافة تكتب دون انقطاع، وحالة غليان يمكن ان تعيد الحراك الشعبي الاحتجاجي الى ايامه الذهبية قبل ثلاثة اعوام، والسبب قرار الحكومة توقيع عقد لشراء غاز اسرائيلي مدته 15 عاما قادمة.

النواب في البرلمان الاردني يعيشون حالة "صحوة" بعد سبات عميق، على حد وصف أحدهم، وبدأوا يهددون بسحب الثقة من حكومة السيد عبد الله النسور التي تعتبر الاطول عمرا حتى الآن بالمقارنة مع حكومات اخرى لم تعمر الا بضعة اشهر.

وزير الطاقة الاردني محمد حامد حاول امتصاص حالة الاحتقان المتضخمة بإطلاق تصريح "تطميني الطابع" قال فيه ان "الاتفاق الذي ابرمته شركة الكهرباء الاردنية (حكومية) لاستيراد الغاز الاسرائيلي عبر شركة امريكية (نوبل انيرجي) لا يهدد مستقبل البلاد ولا يضع الاقتصاد الاردني رهينة في يد احد".

وأضاف "ان مصر والسلطة الفلسطينية وقعتا اتفاقا لشراء الغاز الاسرائيلي من الشركة نفسها".

كلام الوزير ليس مقنعا لانه يبتعد عن الجانب السياسي في هذا الاتفاق الذي هو جوهر المشكلة، ومصدر غضب الكثيرين سواء داخل مجلس النواب او في الشارع الاردني. فالأردنيون يشعرون بحساسية غير عادية وهم من بين الشعوب الاكثر وطنية وإسلامية، يدركون أنهم يطبخون طعامهم على غاز مستورد من الدولة العدو التي ترتكب المجازر في حق اهلهم في الاراضي المحتلة، ويهودون القدس المحتلة، ويفتحون الباب على مصراعيه لاجتياحات الحاخامات اليهود لاقتحام باحة المسجد الاقصى بحماية الجيش الاسرائيلي تمهيدا لتقسيمه وربما نسفه.

فمن غير المنطقي، بل والمهين، ان تقدم شركة الكهرباء الاردنية على شراء الغاز الاسرائيلي في الوقت الذي تواجه فيه اسرائيل حملة مقاطعة دولية نشطة خاصة في الدول الاوروبية.

المنطقة العربية تعيش فوق محيط من النفط والغاز، واكبر دولتين مصدرتين للغاز في العالم عربيتان (قطر والجزائر) والثالثة مسلمة (ايران)، فلماذا استيراد الغاز الاسرائيلي وبأسعار السوق العالمي وتعزيز الاقتصاد الاسرائيلي على حساب الشعب الاردني وكرامته الوطنية؟

نختلف مع التبريرات التي ساقها وزير الطاقة الأردني وقال فيها ان مصر والسلطة والوطنية الفلسطينية وقعا اتفاقات مماثلة لاستيراد الغاز الاسرائيلي، فخطآن لا يعنيان صوابا، والاردن ليس مصر، كما انه لا يمكن ان يكون في وضع السلطة الفلسطينية التي تخضع للاحتلال، وتفتقد السيادة والكرامة الوطنية معا.

مشكلة الشعوب العربية مع حكومتها انها عندما تقدم على خطوات تطبيعية، وتوقع اتفاقات مع العدو الاسرائيلي، لا تحسب حسابا لشعوبها ولا لبرلماناتها، وتعتقد ان مثل هذه الصفقات التطبيعية تمر دون اي اعتراض وهذا خطأ كبير يؤكده الحراك البرلماني الاردني الذي نرى ارهاصاته حاليا في العديد من النقاشات والاحتجاجات الصاخبة والمصحوبة بتهديدات بسحب الثقة من الحكومة.

ندرك جيدا ان ديون الاردن بلغت 20 مليار دينار، وان العجز في الموازنة وصل الى 1.3 مليار دينار، وان فاتورة الطاقة بلغت 6.5 مليار دولار سنويا، وخسائر شركة الكهرباء تجاوزت السبعة مليارات دولار، ولكننا ندرك ايضا ان هذه الأرقام السلبية هي نتيجة لبعض السياسات "المهادنة" التي تتبناها الدولة الاردنية طوال السنوات العشر الماضية. فالأردن قدم خدمات جليلة لدول الخليج، وارسل قوات للتدخل ضد الاحتجاجات في البحرين، وأخرى لقتال الحوثيين في السعودية، وثالثة لإسقاط النظام الليبي واقتحام مقره في طرابلس، ورابعة لمحاربة "الدولة الاسلامية" في سورية والعراق في إطار التحالف الدولي، وما خفي كان أعظم، ومن غير المنطقي أن تقدم كل هذه الخدمات أو معظمها بصورة شبه مجانية او بمقابل محدود.

فكيف يريدون انضمام الأردن إلى قوات عسكرية خليجية لحماية دول الخليج في مواجهة "الخطر الايراني" والأردن في حال من الإفلاس، ويضطر لشراء الغاز الاسرائيلي لان تكلفة نقله ارخص؟

نسأل سؤالا نعتقد انه يتردد على السنة معظم الاردنيين عن اسباب تدفق عشرات المليارات على مصر، ومعها طوفان من النفط والغاز، بينما لا يحصل الاردن الا على فتات الفتات من المساعدات؟

مرة اخرى نقول ان الشعب الاردني من اكثر الشعوب العربية والاسلامية وطنية وشهامة، ولا يجب ان يجد نفسه يتدفأ بالغاز الاسرائيلي، ويطبخ طعام اطفاله البسيط المتواضع على نيرانه، فهذا الشعب يعاني معيشيا من غلاء الاسعار والمحروقات بشكل خاص وارتفاع في الضرائب والرسوم، وتحمل كل ذلك بصبر وجلد، ولكن ان يتحمل الغاز الاسرائيلي فهذا فوق طاقة تحمله خاصة ان هناك بدائل عربية كثيرة، ونحن متأكدون لو ان هذا الشعب طولب بدفع فوارق تكلفة النقل للغاز الاسرائيلي في مقابل البديل العربي والاسلامي فإنه لن يتردد في ذلك حفاظا على كرامته ومشاعره الوطنية.

نأمل ان يقرأ وزير الطاقة الاردني هذه الافتتاحية، وكذلك السيد عبد الله النسور رئيس الوزراء، مثلما قرأ ويقرأ آراء عديدة مماثلة لها لعله يتراجع عن قراره هذا بشراء الغاز الاسرائيلي وينقذ حكومته والاردن معا من تبعات هذه الصفقة التي تعتقد انها خطيرة.

 

المصدر | رأي اليوم

  كلمات مفتاحية

الأردن غاز إسرائيلي تململ الشارع البرلمان سحب الثقة من الحكومة الصفقة المسمومة بدائل الغاز العربية المشاعر الوطنية الشعبية

التعاون الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي مع الأردن ومصر يصل مستويات غير مسبوقة

الأردن يعيد سفيره إلي (إسرائيل) بعد تحسن الأوضاع في الحرم القدسي

أنبوب لتقاسم المياه مع إسرائيل .. الأردن: تطبيع في خضم الحرب