هل تستطيع ”إسرائيل“ حل مشكلات الطاقة في أوروبا؟

الأربعاء 17 ديسمبر 2014 04:12 ص

تمتلك إسرائيل خططًا كبيرة لقيادة عملية إنقاذ أوروبا من خلال توفير إمدادات جاهزة من الغاز الطبيعي لمساعدة القارة العجوز على التخلص من اعتمادها على الطاقة الروسية. ومن الناحية النظرية؛ فإن الحصول على الغاز من شرق البحر المتوسط يوفر الكثير من الإغراء للمنطقة صاحبة الاعتماد الأكبر على استيراد الطاقة في العالم، والتي كانت محل اهتمام موردين آخرين حتى من قبل توغل موسكو في أوكرانيا.

لكن بناء خط أنابيب من إسرائيل إلى اليونان، حيث سيتم بعد ذلك شحن الغاز برًا إلى دول أوروبية أخرى، سيكون وسيلة بالغة التعقيد والتكلفة نظرًا لأنها لن تُوصّل سوى كميات صغيرة نسبيًا من الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وقد يحمل خط الأنابيب المقترح ما بين 8 إلى 12 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، مقارنة باستهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز والذي يزيد على 450 مليار متر مكعب في السنة، روسيا وحدها مسئولة عن 160 مليار متر مكعب على مدار العام.

وبدلاً من ذلك؛ فإن احتياطيات إسرائيل المتزايدة من الطاقة من المحتمل أن يكون أفضل استخدام لها في تأمين احتياجات سوقها المحلية الخاصة وسوق بعض جيرانها مثل الأردن في حالة أن السياسيين العرب غير معترضين على فكرة عقد صفقات مع إسرائيل.

وظلت إسرائيل لفترة طويلة من الزمن أحد البلدان القليلة في الشرق الأوسط التي لا تمتلك احتياطيات وفيرة من الطاقة. ولكن في السنوات الأخيرة - وحتى الأيام الأخيرة – فإن الاكتشافات الكبيرة في حقول الغاز الطبيعي البحرية أعطت اسرائيل ليس فقط دفعة نحو الاستقلال في مجال الطاقة، ولكن فرصة لتتحول إلى قوة طاقة إقليمية. وأعلنت شركات طاقة عاملة في حقول الغاز هذا العام عن خطط لتصدير الغاز إلى الأردن ومصر. وتحمل حقول إسرائيل البحرية الرئيسية في أحشائها ما يُقدر بنحو 33 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويمكن للاكتشاف الأخير أن يضيف ثلاثة تريليونات قدم مكعب أخرى. وتمتلك روسيا - صاحبة أكبر احتياطيات غاز في العالم 1688 تريليون قدم مكعب من الغاز.

وفي الأسابيع الأخيرة؛ عزز مسئولون إسرائيليون وبعض جيران البحر المتوسط مثل قبرص واليونان من طموحاتهم. لقد مارسوا ضغوطًا على بروكسل للنظر في دعم خط أنابيب من إسرائيل يمر عبر قبرص واليونان لينتهي إلى بقية القارة الأوروبية، والذي يهدف في المقام الأول إلى تجنب الاعتماد على طاقة الدب الروسي.

ومن جانبه؛ صرح وزير الطاقة الإسرائيلي سيلفان شالوم لــ«بلومبيرج» في وقت سابق من الشهر الجاري: «نستطيع أن نقدم الغاز وبالطريقة التي يفضلونها هم، وأعتقد أنه سيكون أقل تكلفة».

تحديات كبيرة

الحصول على الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي للمشروع - والذي يحدده الإسرائيليون بأنه قد يتكلف حوالي 6 مليار دولار في حين يراه محللون خارجيون ضعف ذلك – هو أمر هام لجعل الاقتصاديات تنشط. ومن المرجح أن يتطلب نوعًا من الاستعداد الأوروبي لتسليم الأموال التي تقود إلى خلق استثمارات في البنية التحتية الضخمة اللازمة لتنويع إمدادات الطاقة في أوروبا نفسها. 

لكن مسئولي الاتحاد الأوروبي ليسوا على استعداد للمضي في المشروع حتى الآن. واقترح «ماروس سيكوفيتش» - نائب رئيس الاتحاد الأوروبي لوحدة الطاقة - تلك الوظيفة الجديدة في بروكسل التي تهدف إلى توحيد سياسات الطاقة الأوروبية - إجراء دراسة جدوى في العام القادم على الطريق المقترح لخط الانابيب، واختص بالذكر التحديات التقنية للمشروع.

تلك التحديات كبيرة للغاية؛ وتشمل: تشغيل خط أنابيب بطول 750 كيلومتر عبر قاع البحر الأبيض المتوسط من إسرائيل إلى قبرص – التي هي في نزاع مع تركيا وجيرانها القبارصة بسبب مخزون الغاز البحري - ثم إلى جزيرة كريت والبر الرئيسي لليونان هو أمر شاق للغاية. وخلافا لأنابيب المياه الضحلة التي تمتد من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق فإن الأعماق في بعض مناطق البحر الأبيض المتوسط تصل إلى أكثر من 6,000 قدم. كما تجعل تلك الأحجام المتواضعة نسبيًا من حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط الاستثمارات الضخمة الصريحة أقل جاذبية. (في الصورة: وحدة معالجة الغاز في أشدود، نيويورك تايمز)

وأشار «مايكل لي» - خبير الطاقة بالبحر الأبيض المتوسط - لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية في الخامس من الشهر الجاري أن «الصلاحية التقنية والتجارية لخط أنابيب تحت سطح البحر الأبيض المتوسط أمر مشكوك فيه».

ورغم ما يقوله المسؤولون الإسرائيليون؛ إلا إنه من الصعب أن نرى خط أنابيب جديد بكميات زهيدة من الغاز الطبيعي يقف موقف المنافس ضد خطوط أنابيب قديمة تحمل كميات كبيرة من الغاز الروسي. ولا يمكن إغفال دور الأسعار؛ لأنه حتى في ظل القلق البالغ لأجزاء من أوروبا من الاعتماد الأقوى على إمدادات الطاقة من موسكو فإن التحرك لضمان وجود البديل هو أمرٌ مختلفٌ تمامًا.

ولن تحتاج أوروبا في الواقع إلى هذه الكمية الإضافية من الغاز على مدى السنوات الــ 15 المقبلة أو نحو ذلك. ومن المرجح أن يُعيد النمو المتواضع في استهلاك الغاز الطبيعي بين 2015 و 2030م أوروبا إلى مستويات الاستهلاك التي كانت عليها قبل الأزمة المالية العالمية 2008–2009م. إن عدم نمو الطلب بصورة كبيرة من شأنه أن يخفض سعر هذا الغاز الذي من الممكن أن يُنقل إلى القارة الأوروبية. تمامًا مثل مستقبل صادرات الغاز الطبيعي المُسال المنقولة بحرًا من الولايات المتحدة التي من شأنها ألا تفعل شيئا يذكر لمعالجة تحديات الطاقة الأمنية الأكثر إلحاحًا في أوروبا، وخط الأنابيب الإسرائيلي سيكون من الصعب ترويج بيعه.

وأوضحت «بريندا شافير» - خبيرة في أمن الطاقة في جامعة جورج تاون - إن «معظم الأسواق التي تعاني مشكلات في أمن الإمدادات غير ساحلية، ومعظمها – حتى في حالة الحصول على إمدادات إضافية – لا يمكنه إيجاد مصادر بديلة للغاز».

بدائل جاهزة ... ومكلفة

ولدى أوروبا بالفعل بدائل جاهزة للغاز الروسي، ولكنها لا تستخدمها بالكامل. ويمتلك الساحل الأوروبي القدرة الكبيرة على استيراد الغاز الطبيعي المسال من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وقريبًا من الولايات المتحدة. لكن أوروبا تستخدم حاليًا أقل من ربع قدرتها الاستيرادية من الغاز الطبيعي المسال لسبب بسيط: لأن الغاز المسال المنقول عبر العالم يتكلف أكثر من الغاز المنقول عبر خط أنابيب. 

والأكثر من ذلك أن عملاء في آسيا على استعداد لدفع المزيد من أجل الغاز الطبيعي المسال أكثر من هؤلاء الموجودين في أوروبا، ما يعني أن معظم ناقلات الغاز الطبيعي المسال تتجه للأسواق المزدهرة في اليابان وكوريا الجنوبية والصين بدلا من السوق الأوروبية التي تعاني الركود.

وقالت «شافير» إن السياسيين الإسرائيليين يربكون الأهداف الجيوستراتيجية بالطريقة التي تعمل بها السوق، مثل الكثير من السياسيين في الولايات المتحدة الذين قاموا بإنزال الغاز الطبيعي المسال بحجة إنقاذ أوروبا. وتتخذ الشركات الإسرائيلية والأمريكية العاملة في حقول الغاز – وليست التابعة للحكومة الإسرائيلية – قرارات بشأن أين وكيف يتم تصدير الغاز.

وتضيف «شافير» إن «سيلفان شالوم بيع حصانا لا يملكه».

ولكن إذا كان نقل الغاز إلى أوروبا ليس هو الحل بالنسبة لإسرائيل؛ فما هو إذن؟ ربما البقاء قريبًا من الوطن.

وقد ساعد الاقتصاد الإسرائيلي القوي والثروة المتنامية في خلق سوق داخلية قوية. وتتطلع مصر- التي كانت يومًا ما منتجًا كبيرًا للغاز ومصدّرًا ولكنها الآن تعاني مشكلات اقتصادية وتراجع إنتاج الغاز في ظل ارتفاع الطلب المحلي- إلى استخدام واردات الغاز الإسرائيلي لتغذية محطاتها لتصدير الغاز الطبيعي المسال. كما يمكن للأردن استخدام الغاز الإسرائيلي للمساعدة في تعزيز الحصول على الطاقة وتحسين الاقتصاد المحلي، مما يساعد في ترسيخ دعائم الاستقرار السياسي.

إن هذا لا يعني أن حبال الطاقة تخلق الانسجام الجيوسياسي بين الجيران التي تستخدم لهجات حادة تجاه بعضها البعض: سَلوا أوكرانيا وروسيا أوالولايات المتحدة وفنزويلا أو قبرص وتركيا. لقد ظلت صفقات الغاز الطبيعي مع إسرائيل مسار جدل سياسي في مصر والأردن، على الرغم من أنهما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان في معاهدة سلام مع إسرائيل.

ولكن مكانًا مثل الأردن الجوعان يشتاق لمصادر طاقة موثوق بها منذ فترة طويلة. إن الطلب الأردني حاليًا متواضع بشكل رهيب مقارنة مع الطلب الأوروبي بكل تأكيد. ويمكن لعَمّان أن تجد وفرة من الاستخدامات الرخيصة نسبيًا والوقود النظيف نوعًا ما لتشغيل كل شيء بدءًا من المصانع الجديدة حتى محطات تحلية المياه.

وأضافت شافير: «إنه أشبه بدخولك إلى مطعم ولا تشتهي نفسك الطعام إلا بالنظر في قائمة الوجبات: الأردن الصغير يرى إمدادات ثابتة من الغاز لأول مرة، وبناءً عليه سترى طلبًا أعلى هناك».

المصدر | كيث جونسون، فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

إسرائيل غاز شرق المتوسط الغاز المسال الاتحاد الأوروبي قبرص روسيا

إسرائيل وقبرص واليونان تقدم للاتحاد الأوروبي رؤيتها لخط أنابيب الغاز

محاولات إسرائيلية للتغلغل في قطاع الطاقة العربي