روسيا والمملكة العربية السعودية ... الشراكة الخليجية الجديد؟

الأربعاء 25 يونيو 2014 12:06 م

يوري بارمين، روسيا مباشر 24/6/2014 - ترجمة: الخليج الجديد

الهجمة الدبلوماسية الخاطفة لموسكو في المملكة العربية السعودية تمثل حقبة جديدة في العلاقات الثنائية مع واحد من اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط، وربما تحول كبير في التحالفات الإقليمية.

شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدا في أعمال العنف في الشرق الأوسط، مع تقدم داعش داخل العراق والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي هناك. وقد سلط عدم الاستقرار المتزايد في المنطقة الضوء على التحولات الهائلة التي تجري داخل التحالفات السياسية الراسخة.

في الوقت الذي يدرس فيه البيت الابيض إرسال مساعدات عسكرية الى بغداد، يزور وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف» المملكة العربية السعودية، وهي حليف للولايات المتحدة منذ فترة طويلة في المنطقة، ومن أصحاب المصلحة الرئيسيين في الأزمة العراقية.

وكانت روسيا تتطلع إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، ولكن عدم قدرة موسكو على استمالة دول الخليج - مفتاح التأثير على الشرق الأوسط – منعها بشكل مستمر من أن تحل محل الولايات المتحدة كشريك موثوق به بالنسبة للقوى الإقليمية. على هذه الخلفية، قدمت زيارة «لافروف» إلى المملكة العربية السعودية لموسكو فرصة للبرهنة لدول الخليج أن الكرملين في واقع الأمر، وليس البيت الأبيض، هو من يستطيع في الوقت الراهن التأثير على سوريا المضطربة وعصاة إيران.

روسيا والمملكة العربية السعودية: تحويل العلاقات الجامدة

في العقد الماضي، كانت العلاقات بين روسيا والمملكة العربية السعودية جامدة، في أحسن الأحوال. وقد كرس العداء بين موسكو والرياض بسبب الخلافات القوية بشأن رد الكرملين على الحركة الانفصالية الشيشانية في وقت مبكر من الألفية الحالية، ودور الرياض المزعوم في ذلك. ومع ذلك، يكمن الآن خلافهما الكبير حول مواقفها فيما يتعلق بالحرب الأهلية السورية والبرنامج النووي الايراني.

وقد انتقدت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي باستمرار دعم روسيا غير المشروط لدمشق وطهران.

ومع ذلك، تحسنت العلاقات بين روسيا والسعودية منذ فبراير عام 2014، عندما تولى وزير الخارجية الأمير «سعود الفيصل» زمام الأمور فيما يتعلق بسياسة المملكة العربية السعودية تجاه سوريا من الأمير «بندر بن سلطان»، رئيس المخابرات السعودية الذي دعم تمويل المعارضة السورية.

بالمعنى الجغرافي الاستراتيجي، هذا يعني أن المملكة العربية السعودية كانت تعيد التفكير في التحالف غير المريح مع الولايات المتحدة واختيارها لسياسة أكثر دهاء تجاه سوريا - قرار في الوقت المناسب نظرا للأزمة الراهنة في العراق والادعاءات الأخيرة بأن المال السعودي يصل في نهاية المطاف إلى أيدي داعش. 

وقد أعقب قرار الرياض سلسلة من الاجتماعات بين كبار المسؤولين الروس والسعوديين، بما في ذلك لقاء في سوتشي بين الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ووزير الخارجية السعودي «الفيصل» في يونيو الماضي. في هذا السياق، زيارة «لافروف» إلى جدة، واحدة من المدن الرئيسية في المملكة العربية السعودية، يمثل حقبة جديدة في العلاقات الثنائية، وربما تحول كبير في التحالفات الإقليمية.

العراق وسوريا في دائرة الضوء

في جدة، بحث الوزير «لافروف» ونظيره السعودي مجموعة من القضايا من تعزيز العلاقات الاقتصادية لتحسين التعاون النووي، ولكن كانت دائرة الضوء متجهة على نحو خاص إلى عدم الاستقرار المتزايد في العراق والحرب الأهلية الجارية في سوريا.

القضيتان مترابطتان، ودون أدنى شك، يتطلب حلها عمل واسع على كل الجبهات. روسيا والمملكة العربية السعودية، ومع ذلك، لديهما آراء مختلفة حول القضايا الجوهرية في الأحداث في سوريا والعراق.

على الرغم من أن «لافروف» أكد في مؤتمر صحفي يوم السبت أن روسيا والمملكة العربية السعودية يتشاركان نفس الرأي، وهو أن «الإرهاب هو المشكلة الرئيسية الآن [وأنه] يجب أن توجه جميع الجهود إلى منع الإرهابيين من السيطرة على المنطقة». وترى الرياض الانقسامات الطائفية في كل من العراق وسوريا باعتبارها القوة الدافعة وراء الصراعات.

بالنسبة للرياض، عامل الشيعة في كلا البلدين هو السبب في النظر في تورط إيران الممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية ألقت باللوم صراحة في الأزمة الحالية في العراق على السياسات الطائفية والإقصائية التي فرضتها حكومة رئيس الوزراء «المالكي» الشيعية على مدار الثمان سنوات الماضية.

في سوريا، يعتبر السعوديون أن العلويين، فرع من الأقلية الشيعية وزعيمها «بشار الأسد»، هي وكيل لطهران.

في الاجتماع، اتفق الطرفان على أن السلامة الإقليمية لكل من العراق وسوريا هي أمر أساسي لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط كله، وقال «لافروف»: «إنه أمر حاسم لتجنب موجة أخرى من التفكك داخل دول المنطقة. تظل المخاطر المتزايدة في الآونة الأخيرة بسبب الإجراءات التي يقوم بها مسلحو ما يسمى بدولة العراق الإسلامية وبلاد الشام».  

احتمال تفكك سوريا والعراق قد يحدث على طول الخطوط الطائفية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى إقامة دول منفصلة للشيعية والأكراد والسنة التي يسيطر عليها متطرفو داعش.

وهذا من شأنه أن يشكل سابقة خطيرة من شأنها أن تؤدي بالتأكيد إلى زيادة الاضطرابات الطائفية في المملكة العربية السعودية، حيث إن تكوينها العرقي أبعد ما يكون عن التجانس.

في 20 يونيو، تحدث الرئيس «بوتين» مع رئيس الوزراء العراقي «المالكي» وأعرب عن دعمه للحكومة العراقية وإجراءتها ضد داعش. وكرئيس وزراء منتخب ديمقراطيا، يحظى «المالكي» أيضا بدعم من إيران والولايات المتحدة. وتدعم الدول الثلاث العمل العسكري ضد داعش، وهذا هو ما أثار التوترات مع المملكة العربية السعودية. بالنسبة للرياض فهي لا تفضل مثل هذا الاصطفاف، وترى أن هناك إمكانية للمصالحة في تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل ممثلين عن جميع الطوائف المحلية.

هل وجدت روسيا طريقها إلى الخليج؟

كانت زيارة «لافروف» إلى جدة رمزية في أنها جرت قبل رمضان، والتي تعطي بوضوح روسيا وضعية كونها لاعب إقليمي مهم ويعززها موقفها كوسيط. وكوسيط يمكن أن تستغل موسكو علاقاتها الجيدة مع إيران، وبالتالي مع شيعة العراق، في التأثير عليهم في استبدال رئيس الوزراء الحالي بأخر أكثر اعتدالا وهو «إياد علاوي». الكرملين بدوره يجب ألا يفشل في عرض هذا التحالف الناشئ مع الرياض كنهاية للهيمنة الدبلوماسية الأميركية في المنطقة.

في الاجتماع الذي عقد في جدة يوم السبت أنجز الطرفان اتفاقًا رئيسيًا آخر، وهو ما يبدو أنه تم تجاهله من قبل وسائل الإعلام، حيث شدد «لافروف» وفيصل على أن هناك حاجة للعودة إلى اتفاق جنيف1 لتسهيل الانتقال السلمي للسلطة في سوريا.

وحيث إن «الأسد» تم إعادة انتخابه لفترة رئاسية أخرى فهذا يعني أساسا أنه هناك ليبقى، وهذا يقترن مع استبدال الأمير «بندر»، الذي كان يفضل تسليح المتمردين في فبراير، والذي يعني أيضًا أن الرياض قد أقرت بأن سياستها التي تهدف إلى الإطاحة بـ«الأسد» لم تنجح.

ويمكن تفسير هذا القرار بأن السعوديين يرون الآن الرئيس السوري كلاعب رئيسي في القضاء على داعش والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

كون روسيا نقطة اتصال بين الرياض ودمشق، يقدم هذا فرصة أخرى لروسيا لتحقيق مكاسب سياسية في الشرق الأوسط وتشكيل تحالف طال انتظاره مع الخليج.

  كلمات مفتاحية

النظر خلف العلاقة الروسيّة الإيرانيّة

تحليل: لهذه الأسباب لجأت روسيا لاتباع نهج متوازن بعلاقاتها مع الخليج وإيران