هل أخطأت المعارضة في البحرين بمقاطعة الانتخابات؟

الجمعة 26 ديسمبر 2014 06:12 ص

انعقد البرلمان البحريني المنتخب حديثًا لأول مرة الأسبوع الماضي في ظل انقسام بارز تشهده الجزيرة الخليجية. وقاطعت المعارضة – التي يسيطر عليها الشيعة الانتخابات التي أجريت الشهر الماضي - وسوف تكون خارج النظام السياسي في المستقبل القريب، تاركة احتمالاً ضئيلاً لتحقيق أي تقدم سياسي لمجتمعها. وشارك في الوقت نفسه معظم الناخبين السنة بقوة في تلك الانتخابات، وسوف يتحركون إلى الأمام وحدهم في سلسلة من الإصلاحات والأولويات التي ينتظرها مجتمعهم وناخبيهم بشدّة.

وبعبارة أخرى، فإن نصف شعب البحرين يتحرك سياسيًا بينما يبقى النصف الآخر جامدًا في مكانه. وربما يزيد هذا الانقسام المتنامي – والذي أخذ صبغة قانونية –من حجم التوترات الاجتماعية، ويفاقم القضايا الهيكلية طويلة الأمد التي قادت إلى الأزمة السياسية الأولية.

المجتمع السني أكثر وعيًا من الناحية السياسية وحصل على صلاحيات أكثر مما كانت في يده قبل أربع سنوات عندما خرجت المعارضة - التي يهيمن عليها الشيعة - إلى الشوارع في احتجاجات مستوحاة من ثورات الربيع العربي. وسوف تصبح مطالب «الموالين» – من خدمات حكومية أفضل، ومزيد من الشفافية في الحكومة، وبرلمان أكثر عرضة للمساءلة - هي الأولويات السياسية في السنوات الأربع القادمة مع مكاسب سياسية واقتصادية محتملة كبيرة للمجتمع.

وفي الوقت نفسه؛ لا يزال المجتمع الشيعي محرومًا من حقوقه السياسية ويخضع لرقابة صارمة من الشرطة. ويتحدث أعضاؤه في كثير من الأحيان عن تمييز تمارسه الدولة ضدهم في الوظائف العامة. وتقود  المعارضة رسمياً مؤسسة سياسية مُسجلة باسم «الوفاق»، والتي اختارت مقاطعة الانتخابات، لم تر الحكومة أو المجتمع الدولي أسباباً تستدعي الضغط من أجل تنازلات سياسية.

الانتخابات

وكانت انتخابات نوفمبر الماضي هي أول انتخابات تُجرى منذ استقالة المعارضة بشكل جماعي في 2011م احتجاجًا على حملة صارمة ضد متظاهرين خرجوا بروح الربيع العربي والتي شجعت عشرات الآلاف للخروج إلى الشوارع.

وتكافح البحرين طيلة السنوات التي أعقبت ذلك للتغلب على الأزمة. وقاد ولي العهد البحريني في البلاد عدة محاولات لعقد حوار وطني يضم أعضاء المعارضة والموالين والمستقلين لكن جميعها عجزت عن إحداث إجماع. وفي الوقت نفسه؛ استمرت الاحتجاجات على نطاق ضيق في القرى ذات الأغلبية الشيعية في البحرين، والتي غالبًا ما قادت إلى اشتباكات مع قوات الأمن لم تنته بسلمية. ووفقًا لنشطاء؛ فإن هناك حوالي ثلاثة آلاف سجين تمّ اعتقالهم بسبب تلك الاضطرابات، فضلاً عن حوالي 150 لقوا حتفهم. وفي الوقت نفسه؛ فإنه على مدار عام ونصف مضى بدأت عناصر متطرفة من المعارضة تنشر قنابل بدائية الصنع ومتفجرات أخرى بهدف الانتقام. وأدت حفنة من الحوادث إلى وقوع عدد من الإصابات، كان آخرها مقتل ضابط شرطة أردني في 8 من الشهر الجاري. وكان الضابط جزءًا من اتفاق تعاون أمني بين الحكومتين.

وفي هذا السياق؛ نظرت كل من الحكومة البحرينية والمجتمع الدولي إلى انتخابات البرلمان كمقياس يمكن أن يجلب المعارضة للعودة إلى النظام السياسي وتجاوز صفحة السنوات الأربع الماضية. وشنّ الدبلوماسيون حملات قوية من شأنها أن تدفع المعارضة للمشاركة في الانتخابات. وعلى الرغم من المخاوف المستمرة بشأن حقوق الإنسان إلا أن الحجة كانت أن دخول المعارضة إلى البرلمان سوف يكون أمرًا حيويًا يفتح الباب أمام العمل من أجل الإصلاح.

«شعرنا نحن والشركاء الدوليون الآخرون بخيبة أمل بالغة تجاه عدم مشاركة كتلة الوفاق» بحسب دبلوماسي غربي استطرد: «كنا نظن أنها خطوة سيئة وقد بذلنا جميعًا أقصى جهودنا لإقناعهم أنه من المنطقي المشاركة».

المعارضة

وكانت العلامات المبكرة للمشاركة الانتخابية لا تبشر بالخير. ولكن في أوائل يناير 2014 عقدت شخصيات من كتلة «الوفاق» اجتماعًا «صريحًا وشفافًا» مع ولي العهد في البلاد، علقت عليه الآمال أن يكون بداية لإعادة فتح المحادثات وتحقيق بعض التقدم. وطلب الأمير «سلمان بن عيسى آل خليفة» مقترحات من المعارضة وكذلك من الأطراف السياسية غير المعارضة؛ ليشكّل بها الديوان الملكي جدول الأعمال لحوار وطني جديد.

وبعد حوالي تسعة أشهر، قال كتلة «الوفاق» إنها تفاجأت بإعلان ولي العهد أن هناك ثمّت سلسلة من الإصلاحات السياسية المقترحة لتكون أرضية مشتركة بين مختلف الاطراف. وعلى الرغم من عدم وجود تفاصيل، إلا أن المقترحات تضمنت إيماءات بالموافقة على الأقل على بعض مطالب المعارضة الرئيسية؛ مثل ترسيم الدوائر الانتخابية، ووجود برلمان بصلاحيات أكبر ، واستقلال القضاء، وإحداث بعض الإصلاحات في القطاع الأمني.

ومع ذلك؛ فإن كتلة «الوفاق» قالت إن أحدًا لم يشاورها منذ الربيع ما جعلها تشعر أن المقترحات من جانب واحد. «لم نكن نعرف أن المفاوضات قد انتهت» هكذا قال «عبد الجليل خليل إبراهيم» - الرئيس السابق لكتلة «الوفاق» البرلمانية. وقررت الكتلة مقاطعة الانتخابات بحجة أن الانتخابات لن تقدم شيئًا يذكر لرأب الصدع السياسي.

ووفقا لبعض المحللين في البحرين؛ فقد أثار هذا القرار جدلاً داخل المعارضة مع أجزاء معينة من «الوفاق» تسعى للمشاركة في حين بقي الباقون على موقفهم الرافض. وقام مرشح واحد من بين صفوف الحزب بالتسجيل على الرغم من أنه انسحب في وقت لاحق، ونفى «إبراهيم» أن تكون هذه المسألة قد تسببت في أي انشقاقات.

وأُجريت الانتخابات بمرور الوقت وسط مقاطعة من المعارضة. وتراجعت نسبة المشاركة في أقوى منطقتين للمعارضة دون 10%. وفي الوقت الذي بدا فيه أن المعارضة قاطعت بمحض إرادتها، أشارت أيضًا تقارير عن ضغط مُكثف على المجتمع لقتل أي أمل لدى الناخبين من وراء الانتخابات.

التصويت

وبينما ناقشت المعارضة المشاركة من عدمها، فإن هؤلاء الذين لا ينتمون لها - ومعظمهم من الطائفة السنية في البحرين - كانوا يأخذون الانتخابات على محمل الجد، ويمكن القول إن ذلك كان بدرجة إقبال فاقت أي تصويت في السابق. وتشير النتائج في هذه المناطق إلى بعض المكاسب الديمقراطية؛ والتي من بينها الإقبال العالي من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، ومعدلات العقاب المؤثرة للمرشحين الذين كان يُنظر إليهم على أنهم فشلوا في تحقيق الوعود الماضية.

وشهدت الانتخابات نجاح وجوه جديدة ومستقلين على حساب سياسيين ومجتمعات سياسية اعتادت التواجد في البرلمان، ما أصاب الكثير بالدهشة. ونتيجة لذلك فقد بدأ بعض أفراد الطائفة السنية يصفون البرلمان الجديد بمجلس «المجهولين».

وما ميّز التصويت هذه المرة الأولى أن كل الحديث خلال الانتخابات كان إلى حد كبير حول القضايا التي تشغل المواطنين بحسب «يعقوب السليس» – المؤسس المشارك في ائتلاف شباب الفاتح السني الذي يأمل تسجيله قريبًا كحزب سياسي. «وكانت هذه الانتخابات هي المرة الأولى التي يعاقب فيها الناخبون المرشحين الذين لم يصدقوا. ربما لم تصوّت للمرشح الأفضل لكنك تخلصت من القديم».

وما ساهم في هذه الديناميكية ظهور حسابات على وسائل الإعلام الاجتماعي لتوثيق المساءلة البرلمانية. على سبيل المثال؛ كان هناك حساب على موقع «تويتر» يتابعه 122 ألف قام بنشر قوائم النواب الذين صوتوا لصالح أو ضد تدابير شعبية مثل زيادة الرواتب في القطاع العام.

ويُنظر إلى بعض المرشحين الآخرين الذين لم يُوفقوا إلى كونهم عوقبوا بسبب الخطاب الطائفي. على سبيل المثال؛ الداعية السني «جاسم السعيدي» - عضو البرلمان منذ عام 2002م والمعروف بهجومه اللاذع ضد الشيعة - خسر مقعده بأغلبية ساحقة. وقال محللون إن الناخبين غير مقتنعين بالنائب الذي يُلقي باللوم دومًا على شيعة إيران في العديد من المشكلات في البحرين، بدلاً من معالجة المشاكل الداخلية.

ويبدو أيضًا أن تقسيم الدوائر الانتخابية في سبتمبر قد ساهم في خروج النتيجة بتلك الصورة. وتمّ تقليص أو توسيع الخطوط الجديدة لبعض الدوائر التقليدية للجمعيات السياسية السنية في البلاد، مقللة من مزاياهم الانتخابية.

وكانت نسبة إقبال الناخبين هي الأولوية القصوى للحكومة خوفًا من دعوات مقاطعة الانتخابات. ودخلت بعض وسائل الإعلام المحلية في عملية تجييش وربما تكون قد دفعت البعض إلى صناديق الاقتراع. ونقلت تقارير صحف محلية غير مؤكدة - على سبيل المثال - أن الصحف العامة أعطت الأولوية لأولائك الذين شاركوا في الانتخابات. وتلقى المواطنون أختامًا على جوازات سفرهم عند التصويت، وكان البعض يخشى أنها من الممكن أن تكون آلية لمعرفة المشاركين من غيرهم عند التقدم بطلب للحصول على وظائف أو التماس الإسكان العام في المستقبل.

مواصلة المسير

ومن المرجح أن يركز البرلمان المقبل على القضايا التي تشغل اهتمام الجمهور الذي خرج ليُدلي بصوته؛ والتي من بينها تقديم الخدمات العامة ورواتب موظفي الحكومة ومعاشات التقاعد والأمن.

ولا تعني حقيقة أن المعارضة غير مُمثلة في البرلمان بالضرورة أن الحكومة سوف تنجو من الانتقادات. فرغم وقوفهم بجانب الأسرة الحاكمة في عام 2011م في ذروة الاضطرابات، إلا إن الكثير من الطائفة السنية يشعر الآن أنه يمتلك تفويضًا يمكّنه من المطالبة بتلك الأشياء التي سعوا لأجلها منذ فترة طويلة، والتي تتمثل في حكومة أكثر كفاءة وشفافية.

وتتماشى بعض من هذه المطالب مع أهداف المعارضة؛ بما في ذلك تمكين البرلمان المنتخب ليقف على قدم المساواة مع مجلس الشورى المُعيّن.

«ولا يزال البرلمان يعاني بعض القيود، وبصفتنا منتخبين فإننا بحاجة إلى مزيد من السلطة»؛ هكذا قال النائب المرتقب « محمد العمادي» الذي يقترح تعديلاً دستوريًا من شأنه أن يضمن أن أغلبية الثلثين في مجلس النواب يمكنهم أن يحبطوا قوانين تحتاج موافقة مجلس الشورى.

وتبدو في الوقت نفسه احتمالات تأمين المعارضة لأي حل وسط سياسي قوي قائمة على نحو متزايد.

لقد حولت المعارضة في السنوات الأخيرة تركيزها إلى المجتمع الدولي على أمل أن ضغوط حلفاء البحرين الغربيين قد تشجع على الإصلاح. ولكن هذه الديناميكية تتغير بسرعة كلما تزايدت التهديدات الأمنية الإقليمية. وانضمت البحرين إلى جانب60 دولة في التحالف التي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا العراق، وتعتمد كل من واشنطن ولندن على المرافق البحرية في البحرين للقيام بدور بارز في الحملة.

«مجرد أن الوفاق لم يشارك في العملية الانتخابية فهذا لا يعني أنها لم تكن شرعية» بحسب مصدر دبلوماسي غربي أضاف: «لقد أعرب ولي العهد بوضوح أنه يريد تفويض البرلمان، لذا يتعين على الجميع أن يرحبوا».

المصدر | ميدل إيست إنستيتيوت - إليزابيث ديكنسون

  كلمات مفتاحية

الانتخبات البحرينية البحرين مقاطعة الانتخابات الوفاق المعارضة البحرينية

3 مقاعد للإسلاميين و3 للمرأة ونصيب الأسد للمستقلين في البرلمان البحريني الجديد

قطر ترحب بنجاح الانتخابات النيابية والبلدية في البحرين

انتخابات البحرين والبرلمان الجديد .. بداية تجربة في الاتجاه الإصلاحي؟!

انتخابات البحرين: إطاحة بالحوار وتكريس للقبضة الأمنية

ضابط بحريني سابق ينضم إلى داعش ويحرض السُنة على مقاطعة الانتخابات والالتحاق بالتنظيم

29 منظمة بريطانية تطالب المملكة المتحدة باعتبار البحرين «بلد مثير للقلق»