في الذكرى الـ86 لاستشهاده.. «عمر المختار» سيرة نضالية خالدة

السبت 16 سبتمبر 2017 09:09 ص

قبل 86 عاما ترجل «عمر المختار» بعد 20 عاما قضاها في قتال المحتل الإيطالي، ليكتب التاريخ العربي والإسلامي اسم البطل الليبي بحروف من نور ويصبح «شيخ الشهداء» أو «فارس الصحراء» مضرب الأمثال في المقاومة والفداء، ونبراسا يهتدي به من يسيرون على دربه.

وفي مثل هذا اليوم 16 من سبتمبر/ أيلول تدلى جسد الشيخ الطاعن في السن (73 عاما) عليل الجسد، من حبل المشنقة بعد عروض مغرية رفضها، ثم محاكمة صورية قضت بإعدامه، لتبقى صورته معلقا على المشنقة رمزا للكفاح لأجيال تلت.

ظن المحتل الذي غزا البلاد عام 1911 أن وفاة «شيخ المجاهدين» ستفت في عضد المقاومين، وتقضي على الحركات المناهضة للحكم الإيطالي، لكنها كانت وقودا جديدا للثورة التي انتهت بانسحاب الطليان من البلاد عام 1943.

نشأته وتعليمه

وُلد «عمر المختار بن عمر محمد فرحات أبريدان» سنة 1862 في قرية تسمي «زاوية جنزور» على الساحل الشرقي لليبيا شمال قرية بئر الأشهب (برقة آنذاك)، و ينحدر نسبه من قبيلة «المنفة إحدى اكبر قبائل الشرق الليبي.

عاش «عمر المختار» يتيمًا، حيث تُوفي والده وهو في طريقة لمكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وتولى رعايته شيخ زاوية تلك القرية الشيخ «حسين الغرياني، وذلك بوصية من أبيه كما يقول المؤرخون الليبيون. وهنا انطلق نحو تعلم القرآن الكريم في تلك الزاوية (مدرسة دينية) فحفظه عن ظهر قلب.

سافر «المختار» بعد ذلك إلى واحة «الجغبوب»، وكانت وقتها عاصمة للدعوة السنوسية شرقي ليبيا، والتحق بالمعهد الديني هناك لينهل من العلوم الشرعية المتنوعة، فدرس فيه، على مدار 8 سنوات، الفقه والحديث والتفسير واللغة العربية، على يد كبار علماء ومشايخ السنوسية، وفي مقدمتهم الإمام «المهدي السنوسى»، قطب الحركة.

«سيدي عمر»

تقلد «عمر المختار» في بداية حياته العديد من المناصب ففي سنة 1897 أصبح، بتكليف من «المهدي السنوسي، شيخاً (بمثابة والي) لبلدة تسمى زاوية القصور، التي تقع بمنطقة الجبل الأخضر (شرق)، كان فيها منصفا حكيما لما يعلمه من فنون فض النزاعات بين الناس .

في تلك الفترة، حصل عمر المختار علي لقب «سيدي» عمر، الذي لم يكن يحظى به إلا شيوخ الحركة السنوسية الكبار (دعوة إسلامية أسسها الشيخ العالم المجاهد محمد بن علي السنوسي)، وذلك لحكمته ومكانته التي اكتسبها إضافة لعلاقته وقربة من العائلة السنوسية).

أيضا مكث «عمر المختار» في دولة السودان سنوات طويلة نائباً عن «المهدي السنوسي»، الذي قال فيه بإعجاب قوله المعروف «لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم»، وذلك لما أبداه الرجل من حكمة وفراسة.

وأقام «المختار» في «قرو» (غرب السودان) مدة من الزمن ثم عينه السيد «المهدي» شيخًا لزاوية «عين كلك» فاستمر «المختار» بالسودان وقتًا طويلاً نائبًا عن السيد «السنوسي» وكان يقوم بتعليم أبناء المسلمين، وينشر الإسلام في هذه البقاع النائية.

بعد وفاة «محمد المهدي السنوسي»، ثاني رجال الحركة السنوسية عام 1902، عاد «المختار» مجددا إلي برقة بطلب من القيادة السنوسية ليعين مجدداً وللمرة الثانية شيخاً لبلدة زاوية القصور، الذي أحسن إدارتها لدرجة أنَ العثمانيين (كانوا يحكمون ليبيا وقتها) رحبوا بإدارته للمنطقة التي جلب لها الهدوء والاستقرار .

من القلم إلى البندقية

تحول «المختار» من واعظ وشيخ وعالم ديني إلى مقاتل لا يشق له غبار، لم يأت ذلك وليد الغزو الإيطالي لبلاد، فقبلها بسنوات قاتل جيوش الانتداب البريطاني على الحدود المصرية الليبية، في مناطق البردية والسلوم ومساعد، وخاض معركة السلوم عام 1908، التي انتهت بوقوع البلدة في أيدي البريطانيّين .

كما شارك «المختار» أيضا في القتال الذي نشب بين السنوسية و الفرنسيين في المناطق الجنوبية في السودان إضافة لقتال الفرنسيين عندما بدأ استعمارهم لتشاد عام 1900.

بوابة التاريخ

دخل «المختار» التاريخ من أوسع أبوابه بإعلان إيطاليا عام 1911 الحرب على الدولة العثمانية، ونشبت حرب بين الطرفين علم بها «شيخ المجاهدين"، وكان عائداً من مدينة الكفرة (جنوب شرق)، ليسارع على الفور إلى زاوية القصور لتجنيد أهلها.

في زاوية القصور نجح «المختار» في جمع 1000 مقاتل، مؤسسا أول معسكرات منطقة الخروبة (جنوب مدينة المرج القديمة) قبل أن ينتقل إلى الرجمة (شرق بنغازي) ويلتحق بالجيش العثماني هناك.

مقاومة الطليان

في 1912 أعلنت روما ليبيا مستعمرة إيطالية، منذ ذلك الوقت قاد «أسد الصحراء» البالغ وقتها 53 عاما المقاومة الليبية ضد المحتل الإيطالي، وطوال هذه الفترة الممتدة لـ 20 عاما (1912-1931) وحتى إعدامه، لم يغب «المختار» عن ساحات القتال.

أنزل «المختار» بالإيطاليين خسائر فادحة، بعد معارك كر وفر تركز معظمها على مدينة درنة (شمال شرق)، منها معركة «يوم الجمعة» 16 من مايو/ أيار 1913، التي دامت يومين، وانتهت بمقتل 70 جنديا إيطاليا وإصابة نحو 400 آخرين.

كما دارت في 6 أكتوبر/تشرين أول من العام نفسه معركة «بو شمال» في منطقة «عين مارة»، وفي فبراير/شباط من عام 1914 دارت معارك «أم شخنب» و«شلظيمة» و«الزويتينة» كان خلالها «المختار» يتنقل بين جبهات القتال و يقود المعارك .

ترجل الفارس

في أكتوبر/تشرين أول سنة 1930 تمكن الإيطاليون من الاشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة عثر الإيطاليون عقب انتهائها على نظّارات «المختار» كما عثروا على جواده المعروف مقتولًا في ميدان المعركة.

أيقن المحتل أن «المختار» ما زال حيا، وقتها قال القائد الايطالي «غراتسياني» مقولته المشهورة متوعدا «لقد أخذنا اليوم نظارات المختار وغدًا نأتي برأسه».

وفي 11 من سبتمبر/ أيلول 1931 و بحسب رواية المجاهد التواتي «عبد الجليل المنفي» «كنَا غرب منطقة سلنطة (قرب مدينة البيضاء شرقا) هاجمنا الأعداء الخيالة وقُتل حصان سيدي عمر المختار فقدَم له ابن أخيه المجاهد حمد محمد المختار حصانه».

وتابع المجاهد الشاهد علي الواقعة: «وعندما همَّ بركوبه (الحصان) قُتل أيضًا وهجم الأعداء عليه ورآه أحد المجندين العرب، وهو مجاهد سابق له دوره ذُهل واختلط عليه الأمر وعزَّ عليه أن يُقبض على عمر المختار فقال (يا سيدي عمر يا سيدي عمر!! ) فعرفه الأعداء وقبضوا عليه وردَّ عمر المختار على المجند العربي الذي ذكر اسمه واسمه عبد الله بقوله: (عطك الشر وأبليك بالزر)» .

بعدها بـ3 أيام في 14 من سبتمبر/ أيلول وصل «غراتسياني» الذي لم يصدق نفسه إلى بنغازي، وأعلن على عجل انعقاد المحكمة الخاصة  في 15 من سبتمبر/أيلول 1931 وفي الساعة الخامسة مساء اليوم المحدد، لمحاكمة «المختار»، الصورية شكلا و موضوعا، وعُقدتْ مكان برلمان برقة القديم، لتقضي بالحكم على البطل بالإعدام شنقًا .

في صباح اليوم التالي للمحاكمة أي في 16 من  سبتمبر/أيلول 1931 اتُخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق (جنوب بنغازي) لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيات والطيران و 20 ألفا من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين الليبيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.

وأُحضر «المُختار» مكبل اليدين وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا، سار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، وصعد إلى حبل المشنقة لا يهاب موتا ولا يستجدي أحدا، ومضى إلى جوار ربه شهيدا.

أقوال خالدة

من أقوال «شيخ الشهداء» عمر المختار المشهورة والتي تنتشر اليوم في ليبيا ويحفظها أهلها عن ظهر قلب قوله لقادة الاحتلال الايطالي حينما طالبوه بالاستسلام و الكف عن مقاومتهم: «نحن لن نستسلم ننتصر أو نموت».

ومن أقوال «المختار»، وهو في سجنه لدى الايطاليين: «سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن حياتي ستكون أطول من حياةِ شانقي».

وقال «المختار»، أيضًا: «إن الظلم يجعل من المظلوم بطلاً، وأما الجريمة فلا بد من أن يرتجف قلب صاحبها مهما حاول التظاهر بالكبرياء».

ومن أقوال «المختار» المهمة، أيضًا: «يمكنهم هزيمتنا إذا نجحوا باختراق معنوياتنا»، و«إنني أؤمن بحقي في الحرية وحق بلادي في الحياة وهذا الايمان اقوى من كل سلاح».

أما نهاية ما قاله «المختار»: «الحكم حكم الله لا حكمكم المُزيَّف، إنا لله وإنا إليه راجعون»، قالها مبتسماً عند سماعه الحكم عليه بالإعدام.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

ليبيا احتلال إيطاليا عمر المختار مقاومة نشأة تعليم تكوين جهاد توعد محاكمة صورية ثبات إعدام

ليست فلسطين فقط.. تجارب تحرر عالمية اتهمها المحتل بالإرهاب وذكرها التاريخ