لبنان 2015: هل اقتنعت السعوديّة؟!

الأربعاء 7 يناير 2015 04:01 ص

بنهاية عام 2014، أمضى لبنان 221 يوما من دون رئيس للجمهوريّة، أي أكثر من نصف سنة، بلا انتخاب لمن يصفه الدستور اللبنانيّ بأنّه "رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن". ومع ذلك، يدخل لبنان سنة 2015 بأمل أكبر، وبمناخ أكثر إيجابيّة وتفاؤلاً، حيال إيجاد حلول لأزماته، لا لشيء، إلّا لأنّ مسارين حواريّين قد انطلقا في بيروت، ولأنّ الحوارين المقصودين مرتبطان على ما يبدو، بنيّة سعوديّة في الحلحلة لبنانيّاً.

الحوار الأوّل الذي بدأ في 23 كانون الأوّل/ديسمبر في بيروت، هو بين "تيّار المستقبل" الذي يقوده رئيس الحكومة السابق سعد الدين الحريري، وبين حزب الله. وهو لذلك حوار بدلالات كثيرة.

فهو أوّلاً حوار مباشر بين الفريقين الأساسيّين لدى كلّ من السنّة والشيعة في لبنان. لكنّه في الواقع، يحمل أبعاداً أوسع من الإطار اللبنانيّ. فحزب الله منخرط في الكامل في الحرب الدائرة في سوريا، وهو على علاقة بنيويّة بطهران، فيما الحريري معنيّ مباشرة أيضاً بقسم من المعارضة السوريّة التي تقاتل ضدّ نظام بشّار الأسد، وعلاقته بالنظام السعوديّ عضويّة ومطلقة، حتّى أنّه يحمل جنسيّته، ويعيش في غالب أيّامه في السعوديّة.

هكذا يصير الحوار بين فريقين لبنانيّين داخليّين، حواراً غير مباشر أو بالواسطة، بين الرياض وطهران، أو حتّى بين السنّة والشيعة، في لحظة التوتّر المذهبيّ القصوى بين الجماعتين، على مستوى المنطقة برمّتها.

من جهّة ثانية، شهدت نهاية العام اللبنانيّ بداية حوار مقابل، بين الزعيمين المسيحيّين الأساسيّين في بيروت، رئيس أكبر تكتّل نيابيّ ووزاريّ مسيحيّ الجنرال ميشال عون، ورئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع. هنا أيضاً، تبدو الدلالات كثيرة، فالرجلان متحالفان كلّ منهما مع فريق، عون حليف حزب الله، وجعجع حليف الحريري، والرجلان مرشّحان لرئاسة الجمهوريّة. ويقال إنّ بعض أسباب الشغور الرئاسيّ يعود إلى عدم اتّفاقهما. ويقال إنّ أيّ توافق رئاسيّ بين الرجلين يمكن أن يؤدّي إلى خرق في جدار المأزق الرئاسيّ اللبنانيّ، أيّاً تكن العوامل الأخرى، داخليّة أم خارجيّة.

يبقى السؤال الأساسيّ خلف الحوارين: لماذا يحصلان الآن؟

فبين الحريري وحزب الله قطيعة سياسيّة فعليّة عمرها نحو أربعة أعوام، منذ بادر الحزب الشيعيّ الأوّل في لبنان، مع حلفائه، إلى إسقاط حكومة الحريري بالاستقالة منها، في كانون الثاني/يناير 2011. ومنذ ذلك التاريخ، صار التباعد السياسيّ كاملاً بين الفريقين.

أمّا من جهّة عون وجعجع فالقطيعة أكبر، إذ بين الرجلين حرب عمرها 25 سنة تقريباً، بدأت عسكريّاً عام 1989، واستمرّت في أشكال مختلفة ولم تنته بعد. هكذا تصير أبعاد الحوارين المذكورين أكثر أهميّة في حصولهما وفي توقيتهما، كأنّ جهّة ما وجدت مصلحة لها في كسر القطيعة وانطلاق الحوار، وكأنّ هذه الجهّة قادرة على التأثير في الأطراف المعنيّة، فصار الحواران ممكنين.

في هذا السياق، لا يبرز طرف مرشّح لهذا الدور، إلّا السعوديّة. فالحريري الذي بادر نحو حوار حزب الله، مقيم في أراضيها أصلاً. وجعجع الذي بادر نحو محاورة عون منافسه المسيحيّ الأوّل ، أقدم على الخطوة بعد زيارة قام بها إلى السعوديّة هو أيضاً، وتخلّلتها لقاءات له مع مختلف مسؤولي الرياض الأساسيّين.

في ضوء المعطيات المتوافرة، يمكن القول إنّ الأوضاع السعوديّة ليست بألف خير، وذلك على المستويين الخارجيّ كما الداخليّ. فالأزمات في محيط النظام السعوديّ ضاغطة جديّاً عليه.

في اليمن، بات فريق مخاصم للرياض، هو التيّار الحوثيّ، يسيطر على معظم البلاد المحاذية للسعوديّة، وهي البلاد التي تتداخل تاريخيّاً مع السعوديّة نفسها، في الجغرافيا كما في السكّان، خصوصاً في منطقة عسير السعوديّة، ذات الأصول اليمنيّة.

أمّا في البحرين، فالصراع الشيعيّ مع النظام السنيّ المدعوم من الرياض لا يزال محتدماً. بينما العراق على فوهة بركان، خصوصاً مع قيام دولة "داعش" في المنطقة القريبة تحديداً من الحدود السعوديّة. هكذا يبدو النظام السعوديّ في حال حصار جغرافيّ كامل، لا بل ما هو أخطر، أنّ بوادر تلك الأزمات بدأت تنتقّل إلى داخل النظام نفسه:

توتّر مستمرّ في المنطقة الشرقيّة ذات الأكثريّة الشيعيّة، وتسجيل حوادث عنف واعتداءات إرهابيّة لافتة داخل نظام العائلة السعوديّة، حيث يهاجم جهادي سنيّ حسينيّة شيعيّة في منطقة الإحساء السعوديّة، أو يسقط مواطن أميركيّ بإطلاق نار سعوديّ في الرياض نفسها، أو يصاب مواطن كنديّ آخر في اعتداء من سعوديّ آخر بعد نحو شهر.

حين تتكرّر مثل هذه الحوادث، يصير منسوب القلق لدى الحكّام السعوديّين في حدود قصوى، ويصير التحرّك لاحتواء أسباب العنف والإرهاب، مصلحة عليا لدى العائلة الحاكمة.

لكلّ ذلك، يمكن أن تكون الرياض قد قرّرت المبادرة، قبل أن تصل نار الحرب إليها، وأوّل قرارتها تبريد جبهات التوتّر على أكثر من صعيد. أوّلها كان في العراق، مع التوصّل إلى اتّفاق مقبول سعوديّاً وإيرانيّاً على خروج المالكي ومجيء العبادي رئيساً للحكومة. لكنّ الأساس الأوّل للسياسة السعوديّة الجديدة، يظلّ في الانخراط الفعليّ في الحرب ضدّ "داعش"، علماً أنّ لهذه الحرب جبهات أخرى ساخنة، للرياض أكثر من تأثير فيها، منها جبهة "داعش" في سوريا، كما جبهتها في لبنان.

وإذا كان الموقف السعوديّ من الحرب الدائرة في سوريا معقّداً ومؤجّلاً، فموقفها من تطوّرات الأزمة اللبنانيّة أكثر سهولة وسرعة. هكذا يبدو أنّ من مصلحة الرياض تطبيع الأوضاع في بيروت. ومن مصلحتها ترتيب أمور السلطة اللبنانيّة، بما يحفظ لها نفوذها اللبنانيّ، قبل تدهور الأوضاع أكثر، أو تطوّرها في شكل مغاير للمصالح السعوديّة.

بل يمكن القول إنّ حسابات الرياض في بيروت باتت بين خطرين: خطر التدهور الإرهابيّ والمزيد من سيطرة "داعش" على الساحة السنيّة اللبنانيّة، وخطر التقدّم في العلاقات الأميركيّة-الإيرانيّة.

كلاهما يضرب مصالح العائلة السعوديّة، وكلاهما يقلّص نفوذها اللبنانيّ، لذلك كان لا بدّ من التحرّك السريع، على الأقلّ لإعادة حليفها الأساسيّ سعد الدين الحريري، إلى الشراكة في سلطة بيروت. وعودة الحريري مستحيلة من دون التفاهم مع حزب الله، كما من دون إنجاز الاستحقاق الرئاسيّ... لهذه الأسباب ربّما، انطلق حوارا بيروت الأخيرين. حوار سنيّ-شيعيّ لترتيب الأوضاع بين الجماعتين، وحوار مسيحيّ-مسيحي قد يفتح الباب أمام حلّ رئاسيّ. ولهذه الأسباب، يدخل اللبنانيّون عامهم الجديد بشيء من التفاؤل، على الرغم من الـ221 يوماً من الفراغ، المرشّحة للاستمرار إلى بعض أيّام السنة الجديدة.

المصدر | جان عزيز | المونيتور

  كلمات مفتاحية

لبنان 2015 السعودية البحرين اليمن إيران الحريري عون سمير جعجع حزب الله

«ولايتي»: النفوذ الإيراني في المنطقة يمتد من اليمن إلى لبنان

«جعجع» يلتقي «الأمير مقرن» ويؤكدان أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية بأسرع وقت

آلة القتل الصهيونية وفوضى غياب التوافق اللبناني يشغلان اهتمام افتتاحيات صحف الإمارات

«المالكي» من لبنان: متفائل جدا بأن «العراق سيكون مقبرة لداعش»

الأجهزة الأمنية اللبنانية والسعودية توقعان بـ«أخطر خبير كيمائي» لتصنيع المخدرات

إحباط محاولة اغتيال سفير السعودية بلبنان

السياسة السعودية الجديدة بلبنان.. إلغاء الهبة العسكرية وترحيل لبنانيين ومغادرة «عسيري»