استفتاء كردستان.. لماذا ترحب السعودية والإمارات بصعود الأكراد؟

السبت 30 سبتمبر 2017 02:09 ص

أعلنت سلطات إقليم كردستان العراق عن نتيجة التصويت على استفتاء انفصال الإقليم بنسبة هائلة لصالح «نعم» كما كان متوقعا، بأكثر من 90% من الأصوات، في استفتاء غير ملزم حول استقلال كردستان، عقد في 25 سبتمبر/أيلول. وأعلن جيران الإقليم، العراق وتركيا وإيران، الذين لديهم جماعات كردية كبيرة، غضبهم، وأعربت الولايات المتحدة عن رفضها الشديد لنتائج الاستفتاء، في حين أشادت (إسرائيل) بالتصويت وأعلنت تأييدها لدولة كردية. لكن معظم دول الخليج العربي كانت لديها استجابة أكثر تناقضا، تعكس مصالحها المتنوعة في إقليم كردستان، وما يمكن أن يؤدي إليه التصويت والاستقلال الكردستاني المحتمل من إغراء، سواء إيجابا أو سلبا، من وجهة نظرهم.

وبصفة عامة، ترى العديد من دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في الانفتاح على إقليم كردستان توسيعا للكتلة السنية المؤيدة للعرب في الشرق الأوسط، وتعزيزا لموقف العرب السنة في أجزاء أخرى من العراق، وإحباطا لإيران على عدد من الجبهات، وخلقا لنفوذ إضافي أمام تركيا. وتشمل تخوفاتهم الرئيسية احتمال اندلاع صراع وتفكك محتمل وغير منضبط للعراق، وأزمة في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أو أن تقع السيطرة على القضية الكردية بطريقة أو بأخرى في أيدي إيران وعملائها في العراق.

وقد انعكس هذا التناقض في رد الفعل في دول الخليج العربي في الفترة التي سبقت الاستفتاء. وكان هناك تأييد قوي في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية السعودية والإماراتية للتصويت، لكن الحكومتين أعربتا رسميا عن قلقهما إزاء سلامة أراضي العراق والحاجة إلى الاستقرار. كما نصحت البحرين القادة الأكراد بعدم التسرع في إجراء التصويت على الاستقلال، الذي قد يزعزع استقرار العراق. وكانت الكويت أكثر صراحة في التأكيد على أن مصلحتها الأساسية تتمثل في استمرار الوحدة الوطنية واستقلال العراق. ولم تتخذ عمان موقفا عاما. وقد اتخذت قطر أقوى موقف خليجي معارض للاستفتاء، وأعربت عن «قلقها العميق» من احتمالية تشكيل الاستفتاء «تهديدا لوحدة العراق وأمن واستقرار المنطقة»

العلاقات مع كردستان

وتعد العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج العربية وحكومة إقليم كردستان محدودة، حيث كان على الدول العربية الخليجية الموازنة بين بناء العلاقات مع الأكراد والحفاظ على علاقاتها مع الدولة العراقية ومصالحها. ولدى دولة الإمارات علاقات دبلوماسية وسياسية واسعة مع العاصمة الكردية في أربيل، حيث أنشأت قنصلية عامة هناك في وقت مبكر عام 2012. وتبعتها الكويت عام 2015، ثم السعودية عام 2016، بترقية العلاقات على الرغم من اعتراضات إيران. وزار رئيس حكومة إقليم كردستان، «مسعود بارزاني»، عددا من دول الخليج عام 2015، بما في ذلك السعودية والإمارات. وقد منحت حكومة الإقليم الإماراتيين والقطريين والكويتيين حق الدخول بدون تأشيرة عام 2014. ولا يوجد لعمان أو البحرين أو قطر تمثيل رفيع المستوى في إقليم كردستان.

ولدى العديد من دول الخليج استثمارات واسعة في إقليم كردستان، وخاصة الإمارات، وبدرجة أقل السعودية. وفي وقت مبكر من عام 2014، صعدت العراق إلى المركز السابع بين الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، حيث تتركز معظم الاستثمارات الإماراتية في العراق في إقليم كردستان، مع تسجيل 130 شركة إماراتية في مجال الأعمال التجارية هناك. كما أن لدى الكويت استثمارات كبيرة في الإقليم كردستان، على الرغم من أن معظم وجودها في العراق يميل إلى أن يكون في الجنوب. لكن المخاوف الدبلوماسية والسياسية لدول الخليج في شمال العراق تفوق الآن أي مصالح تجارية، مهما كانت كبيرة.

وقد تكون مصالح الكويت في إقليم كردستان هي الأكثر وضوحا. وكما هو الحال مع موقف الكويت من بقية العراق، فإن علاقاتها مع أربيل ينظر إليها في المقام الأول من خلال غزو العراق واحتلاله للكويت عام 1990، والتصميم على تجنب أي تكرار لهذا السيناريو. ولذلك، طالما اهتمت الكويت بالحفاظ على علاقات طيبة مع القادة العراقيين، خاصة الذين يمثلون بعض الدوائر القومية أو الإقليمية أو الطائفية أو الإثنية، واهتمت قبل كل شيء بجنوب البلاد بالقرب من الحدود الكويتية. وتشكل الفوضى التي قد تنتج عن التفكك العنيف المحتمل للعراق نفس التهديد للكويت كما هو الحال بالنسبة لجميع جيرانها. ومع ذلك، قد يكون للكويت مصلحة في تشجيع عراق أكثر انقساما وأقل توحدا، تتمتع فيه السلطات الإقليمية بسلطة كبيرة، مما يقلل من إمكانيات قيام جارتها بمغامرة كبيرة في المستقبل.

الدور الاستراتيجي لكردستان

وفي الآونة الأخيرة، بدأت السعودية والإمارات أيضا في رؤية منافع استراتيجية وسياسية من بعض الصعود للأكراد، إذا أصبحت دولة مستقلة، ولكن يشمل ذلك بالتأكيد الحكم الذاتي في عراق اتحادية. ولا تزال الوحدة الوطنية العراقية والسلامة الإقليمية، على الأقل بأحسن أشكالها الرسمية والاسمية، تمثل قيما هامة لهذه البلدان. ولن يكون التفكك الرسمي للعراق من خلال إقامة دولة كردية مستقلة، ما لم يتم التفاوض على ذلك بشكل ودي بين أربيل وبغداد، على الأرجح قضية سلمية، ويمكن أن يبدأ نزاعا دمويا طويلا، مزعزعا للاستقرار، لا يخدم مصالح الرياض وأبوظبي. وعلاوة على ذلك، تعد السعودية والإمارات في الأساس قوى قائمة في الشرق الأوسط، على الأقل بشكل عام، ومن غير المرجح أن ترحب بكثير من إعادة رسم الخرائط السياسية الراسخة.

ومع ذلك، أصبح تعزيز حكومة إقليم كردستان تحديدا، والموقف الكردي في العراق بشكل عام، مصلحة استراتيجية قوية للمملكة والإمارات. وتعتبر حكومة الإقليم الآن إضافة جديدة هامة إلى كتلة سنية تكافح في الشرق الأوسط، حتى لو كانت علاقاتها مع تركيا وبعض الأعضاء الآخرين المحتملين في ذلك المعسكر متوترة في ظل هذه الظروف. وقد أصبحت الفكرة القائلة، أن جمهورية كردستان المستقلة ستكون عقبة كبيرة أمام المصالح الإيرانية، لا تقاوم. وكحد أدنى، سيكون الإقليم على مسافة جغرافية متساوية من طهران والرياض، وعلى أقل تقدير، سيميل قليلا نحو الأخيرة. وبحد أقصى، يمكن لدول الخليج العربية إقامة علاقة استراتيجية مع أربيل كعضو كامل العضوية في مجموعة العناصر المعارضة لإيران في الشرق الأوسط.

ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة لأن إقليم كردستان قد يصبح عائقا كبيرا أمام تطوير وصيانة «جسر بري» من إيران إلى سوريا ولبنان عبر العراق، ويربط طهران مع كل من وكلائها في تلك البلدان ومع البحر المتوسط. ومثل هذا الجسر البري، إذا تم إنشائه تحت السيطرة الكاملة لإيران ووكلائها، سيغير بشكل كبير المعادلة الاستراتيجية للشرق الأوسط. ونظرا لنجاح القوات الموالية لإيران والموالية للرئيس السوري في سوريا، وخاصة بعد سقوط حلب، فإن منع إقامة هذا الجسر البري يصبح أحد الأهداف الرئيسية لخصوم إيران في الشرق الأوسط.

وسوف يكون هذا الهدف أكثر أهمية إذا تمكنت السعودية والإمارات وغيرها من المساعدة في تعزيز علاقات أفضل بين أربيل والقيادة العربية السنية في غرب العراق (التي سيشمل معظم أراضيها الطريق الوحيد الآخر من إيران إلى سوريا). وهناك علاقات قوية بالفعل تختمر منذ عدة أعوام، حيث لجأ القادة السياسيون العرب السنة العراقيون، الذين اضطروا للفرار من الميليشيات الشيعية أو الحكومة أو تنظيم الدولة، إلى أربيل. وعلاوة على ذلك، لا تعزز السعودية علاقاتها مع حكومة رئيس الوزراء «حيدر العبادي» في بغداد فقط، بل أيضا مع الزعماء السياسيين والقبليين السنة في غرب العراق. وسيمثل التعامل مع هذه القوى، خاصة في فترة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، جنبا إلى جنب مع اتجاه أربيل، الكثير في تحديد توازن القوى داخل العراق

قطر وإيران وتركيا

قبل عام، قد تكون قطر تبنت العديد من وجهات النظر هذه. ومع ذلك، ونظرا للمواجهة بين الدوحة والدول المعارضة لسياسات قطر، أصبح الموقف القطري أكثر حساسية لمخاوف الدول التي تدعم الدوحة تماما، مثل إيران وتركيا، الحليف الإقليمي الرئيسي لدولة قطر، وكانا قد أطلقا تحذيرات قوية بشكل غير عادي ضد الاستفتاء الكردي. ومع ذلك، فتركيا ليست في وضع الصدمة من الاستفتاء. وهي تعيش مع «المسألة الكردية» منذ تفكك الإمبراطورية العثمانية. وكذلك يشعر العرب العراقيون بالغضب، لكنهم أيضا لم ينصدموا، بعد أن شاهدوا الأساس لاستقلال الأكراد في المنطقة منذ إنشاء مناطق حظر الطيران في العراق عام 1991، وخاصة مع تداعيات الغزو الأمريكي عام 2003.

إلا أن إيران تشعر بالقلق والصدمة، ليس فقط من خلال الآثار الاستراتيجية للسلطة الكردية في شمال العراق، ولكن أيضا بسبب الانفجارات المفاجئة لمظاهر غير مسبوقة من القومية الكردية داخل إيران (التي لديها عدد أكبر بكثير من السكان الأكراد من تركيا، وأكبر حتى من العراق). وحتى الآن، تركزت المخاوف الرئيسية داخل إيران على الأقليات البلوشية والعربية. ومع ذلك، يبدو أن الأكراد الإيرانيين يزدادون على نحو متزايد وغير راضين للغاية. ومن الواضح أن هذه المشاعر الكردية القومية داخل إيران مرتبطة بالتحركات الاستقلالية في إقليم كردستان، ويسهم هذا أيضا في التعاطف مع الاستفتاء وحركة الاستقلال الكردية بشكل عام في أجزاء من دول الخليج العربي.

أهداف الرياض وأبوظبي

يعد السيناريو المثالي فيما يتعلق بحكومة إقليم كردستان على المدى الطويل، من وجهة نظر الرياض وأبوظبي، هو الدخول في مفاوضات مع كيان كردستاني مستقل وفعال، في سياق عراق رسمي ولكن غير مسيطر. وهذا من شأنه أن يسمح للأكراد أن يلعبوا أدوارهم الإقليمية والمحلية بأقصى قدر من الفعالية، ولكن دون المخاطرة بالعنف الذي قد ينتج عن صراع الانفصال. ومن شأن ذلك أن يسمح للأكراد بالعمل كقوة موازنة ضد إيران في المنطقة، بما في ذلك في العراق. وينبغي، على الأقل من الناحية النظرية، تعزيز يد العرب السنة داخل العراق، وبالتالي، على الصعيد الإقليمي. وسوف يقلل ذلك كثيرا من احتمالات توطيد الجسر البري الإيراني إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط.

وعلاوة على ذلك، سيتيح نموذج النظام الفدرالي الموحد في العراق للعرب السنة السيطرة على مناطقهم، مما يخلق فرصا أخرى للتصدي لنفوذ إيران في العراق. وعلاوة على ذلك، من منظور سعودي وإماراتي، يعد نموذج الاتحاد الفضفاض بمثابة حل عملي ممكن ومقبول يمثل الحد الأدنى لمستقبل طويل الأجل في سوريا. وفي الواقع، من المرجح أن كلا البلدين سوف يستخدم الآن نفوذه لتعزيز تطوير النظم الاتحادية في كلا من العراق والإقليم.

ومع ذلك، لا تعتبر المعارضة العربية للاستقلال الكردي الكامل والرسمي مطلقة بأي حال من الأحوال. وفي حال فشل مشروع إحباط نفوذ إيران من خلال تقوية العرب السنة والأكراد في العراق، وإقامة علاقات أقوى مع حكومة العبادي وأجنحة أخرى من الطائفة السياسية الشيعية العراقية، فقد تنجح على الأقل في تعزيز كونفدرالية فضفاضة في العراق على المدى الطويل. وإذا كان على السعودية والإمارات والدول العربية الأخرى أن تختار بين الاستقلال الكردي الكامل والرسمي في شمال العراق ودولة عراقية أكثر تكاملا تسيطر عليها إيران، فإنها ستختار الأولى بلا شك، على الرغم من المخاوف الحتمية بشأن تفكك دولة عربية كبرى.

  كلمات مفتاحية

استفتاء كردستان السعودية الإمارات العراق كردستان قطر تركيا الأكراد

قيود على تحويل الأموال من الإمارات لكردستان العراق.. ما السبب؟

الإمارات وإقليم كردستان.. سببان لشراكة متنامية يهددها خطران