المحكمة الجنائية الدولية .. ومأزق إسرائيل

الجمعة 9 يناير 2015 05:01 ص

يقول المؤيدون لإسرائيل إنه من المستبعد أن تؤدي محاولة فلسطين الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية إلى توجيه اتهامات حقيقية لإسرائيل لأسباب قانونية وسياسية ومؤسساتية.. وعليه، فلماذا يرغب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في دفع ثمن باهظ من حيث عائدات الضرائب المفقودة وإغضاب الولايات المتحدة في سبيل ذلك؟ ولماذا تبدو أيضاً إسرائيل قلقة للغاية من هذه الخطوة الفلسطينية؟

الواقع أنه يبدو من المستبعد جداً أن يرغب أي رئيس للادعاء العام في الجنائية الدولية في دخول مستنقع النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. فحتى الآن، تركز الجنائية الدولية بشكل حصري تقريباً على النزاعات الأفريقية، وهو ما جرّ عليها انتقادات لاذعة واتهامات بالجهل وقصر النظر والانتقائية، بل والعنصرية أحياناً.

لكن القاسم المشترك بين القضايا التي رفعت حتى الآن هو أنه في كل واحدة من تلك القضايا لم يسبق لأي طرف غربي أن عارض رفعها بشدة. وهذا لن يكون عليه الحال بخصوص إسرائيل. ثم إنه أياً تكن الشرعية التي قد تكتسبها الجنائية الدولية لدى أشد منتقدي إسرائيل في أوروبا أو العالم النامي، فإنها ستواجه انتقادات طويلة من الولايات المتحدة وجماعات الضغط فيها الموالية لإسرائيل.

وعليه، فإنه من الصعب تصور الجنائية الدولية تجعل من إسرائيل أحد أهدافها الأولى خارج أفريقيا.

ولكن لماذا يشدد عباس على هذا الانضمام إلى المحكمة؟

الواقع أن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الفلسطيني لم تكن بدون تكلفة سواء له أو للسلطة الفلسطينية، حيث قامت إسرائيل بخطوات أولى عدوانية شملت قطع عائدات الضرائب التي تعول عليها السلطة الفلسطينية بشكل كبير. وأوضحت أنها ستستعمل انضمام السلطة الفلسطينية إلى المحكمة كذريعة لعدم استئناف المفاوضات -كما أنه يبدو من شبه المؤكد أن الولايات المتحدة ستدعم هذا القرار، ولاسيما مع اقتراب موسم الانتخابات الرئاسية.

ومن جانبه، يشير رد إسرائيل العدواني إلى أن حكومة نتنياهو تأخذ المحاولة الفلسطينية للانضمام إلى الجنائية الدولية على محمل الجد، وهذا بدوره يتطلب شرحاً وتفسيراً بالنظر إلى ضعف احتمال حدوث متابعة قضائية حقيقية.

الجواب في كلتا الحالتين يكمن في الكيفية التي يمكن للفلسطينيين أن يستعملوا بها الاحتمال غير القوي لقيام الجنائية الدولية بتوجيه تهم لإسرائيل لتأطير طبيعة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. فالإنجاز الكبير لاتفاقات أوسلو من وجهة النظر الفلسطينية كان وضع فلسطين وإسرائيل على قدم مساواة مفترض، أمام الغرب، كدولتين تتفاوضان حول سبل التسوية. وبالنسبة لشعب لم يُحرم من السيادة فحسب، ولكن وقع تحت احتلال قاسٍ، فقد مثّل ذلك إنجازاً رمزياً كبيراً.

بيد أن الاعتراف بفلسطين كدولة قيد التشكل لم يمنح الفلسطينيين في الواقع قوة ضغط كافية للحصول على اتفاق من النوع الذي كانوا يشعرون، أو كان ياسر عرفات يشعر، بأنه ضروري للتخلي عن مطالبته التاريخية بكل فلسطين المحتلة. ومنذ وفاة عرفات، لم يتمكن عباس من الحصول على تنازلات من النوع الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك مستعداً لتقديمه لمشروع الدولة الفلسطينية.

وهذا الأمر يترك الفلسطينيين أمام ضرورة محاولة إنتاج أشكال جديدة من التأثير السياسي. وأحدثها، وأكثرها بعثاً على الأمل، هو إقناع الدول الغربية (باستثناء الولايات المتحدة) بأن الاحتلال الإسرائيلي إجرامي بالأساس، وبأن إسرائيل بالتالي دولة مارقة أو خارجة عن القانون وينبغي نبذها من قبل المجتمع الدولي.

وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات الموجهة ضد إسرائيل تمثل جانباً واحداً من هذا البرنامج الذي يروم خلق تأثير تفاوضي وتحريك أوراق ضغط مؤثرة على الاحتلال الإسرائيلي. وتسعى الحركة، التي تحاول محاكاة تجربة الحركة الاجتماعية التي سعت إلى التنديد بنظام التمييز العنصري السابق في جنوب أفريقيا، إلى أن توضح لإسرائيل التهديد الجوهري المتمثل في أن استمرار الاحتلال سيجعلها منبوذة في العالم.

ومن هذا المنظار، فإنه لا يهم فقط ما إن كانت الجنائية الدولية ستتولى الاختصاص القضائي على المشكلة الإسرائيلية- الفلسطينية أم لا، وذلك لأن الدعوات المتكررة إلى المحكمة ستؤدي بالضرورة إلى تشديد دائم ومستمر في المجتمع الدولي على أن إسرائيل تنتهك القانون الجنائي الدولي، كما سيكون الربط بزعماء أفارقة متورطين بارتكاب جرائم إبادة جماعية مفيداً لخلق وإحداث تأثير لصالح الفلسطينيين.

وبالنظر إلى قسوة رد نتنياهو العدواني، فإنه من الواضح أن إسرائيل قلقة من إمكانية أن تكلل هذه الاستراتيجية بالنجاح.

ولئن كانت المرحلة النهائية من النزاع ما زالت محل تفاوض، فإن التكتيكات للوصول إلى هناك وإحداث تأثير على الطاولة تتطور بسرعة وتسير في عكس اتجاه ما تريده إسرائيل.

* نوح فيلدمان أستاذ أميركي لدراسات الشرق الأوسط

المصدر | خدمة «واشنطن بوست وبلومبرغ» ، ترجمة الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية

المحكمة الجنائية الدولية مأزق إسرائيل احتلال إسرائيلي نتنياهو النزاع

الأمير «سلمان بن عبدالعزيز»: قضية فلسطين هي قضية المملكة الأولى ولن نتهاون فى تقديم الدعم

لماذا تخشى ”إسرائيل“ من القضاء الدولي؟

حزب «البيت اليهودي» يرى أن قيام دولة فلسطينية يعني «الانتحار»

قطر تدعو إلى إحالة ملف العدوان الإسرائيلي على غزة إلى «المحكمة الجنائية الدولية»

القمة الأفريقية لن تبحث عضوية (إسرائيل) والاتحاد سينسحب من المحكمة الجنائية