«ستراتفور»: عقوبات «ترامب».. الطريقة الخاطئة لمواجهة إيران

الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 10:10 ص

في نزاع دبلوماسي يبدو أنه يزداد سخونة يوما بعد يوم، وجهت الولايات المتحدة انتقادا آخر لإيران، وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» قراره بالتخلي عن التصديق على الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، قبل يومين فقط من الموعد النهائي، والشروع في جولة جديدة من العقوبات على جزء من الحكومة في طهران.

كما وصف «ترامب»، وفقا لما نص عليه قانون مكافحة الخصوم الأمريكيين بالعقوبات لعام 2017، قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، أحد أقوى فروع الجيش الإيراني، بالمجموعة الإرهابية، بيد أنه امتنع عن إدراجه كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو خيار أشاعه البيت الأبيض في وقت سابق من هذا العام.

وعلى الرغم من أن الوصف الجديد سيكون رمزيا إلى حد كبير، لكن هذا التسمية الجديدة ستثير غضبا كبيرا في إيران، لكن ما قد يضر الولايات المتحدة هو أن هذه الخطوة قد تعود بنتائج عكسية من خلال توحيد الفصائل السياسية الإيرانية المنقسمة وراء المجموعة الآن من جديد.

حجر الأساس

وقد وضع البيت الأبيض ناظره على الحرس الثوري الإيراني كون المجموعة هي حجر الأساس في الاستراتيجية الإيرانية الحديثة في الشرق الأوسط.

وفي عهد النظام الملكي الذي حكم إيران في السبعينات، تباهت البلاد بواحد من أقوى الجيوش في المنطقة، والمجهز بأجهزة متقدمة اشتراها من الولايات المتحدة، غير أن المرشد الأعلى «آية الله روح الله الخميني»، بعد الثورة الإسلامية عام 1979، لم يثق بشكل عميق بالجيش النظامي في البلاد، بسبب علاقته الوثيقة بالشاه الذي تمت الإطاحة به.

وحرص «الخميني» على تشكيل قوة موالية له فقط، وأنشأ الحرس الثوري الإسلامي، وبدأ الجيش الذي يعاني من الهزيمة في التراجع وسط نقص التمويل، واليوم، أصبحت أسلحته وتكتيكاته التقليدية ضعيفة مقارنة بنظيراتها التركية والسعودية.

وبدلا من ذلك، قامت إيران ببناء استراتيجيتها الأمنية حول القدرات غير المتناظرة للحرس الثوري الإيراني المهيمن، وذلك في جزء منه لتجنب نوع الصراع العلني الذي من شأنه أن يجر البلاد إلى الحرب التقليدية.

ومن العناصر الحاسمة في هذا النهج، دعم إيران للمجموعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك «حماس» و«حزب الله» و«الجهاد الإسلامي» الفلسطيني، وكتائب حزب الله، وجميعها أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها منظمات إرهابية أجنبية.

ويعد الحرس الثوري الإيراني (ولا سيما فيلق القدس) هو المسؤول الرئيسي عن هذه العلاقات، ويقدم الدعم والتمويل للوكلاء مقابل اتخاذ إجراءات ضد منافسي طهران.

وتعتبر «حماس»، و«حزب الله»، على سبيل المثال، أدوات مفيدة للضغط على (إسرائيل) من حدودها الجنوبية والشمالية، على التوالي.

وبطريقة مماثلة، يمكن لإيران أن تتكئ على الحوثيين اليمنيين وكتائب عشتار في البحرين للضغط على المملكة العربية السعودية.

لكن لعل ما يتعلق بالولايات المتحدة هو شراكة إيران مع الميليشيات الشيعية في العراق، وبعضها يعمل حاليا مع واشنطن، وتخشى الولايات المتحدة من أن تبدأ هذه الجماعات باستهداف القوات العسكرية الأمريكية في العراق.

وهناك أجزاء أساسية أخرى في استراتيجية إيران مثل الصواريخ الباليستية وبرامج الفضاء، التي يؤديها سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني.

وعلى الرغم من أن إيران قد لا تكون قادرة على إطلاق رأس حربي إلى الولايات المتحدة في المستقبل القريب، يمكنها استخدام الصواريخ الباليستية، مثلها مثل الكثير من وكلائها، لضرب أو ردع هجمات قوات حلفاء واشنطن المجهزين بشكل أفضل.

كما صممت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني للقيام بهجمات سريعة وهجمات صاروخية وعمليات التعدين في الخليج العربي، الأمر الذي قد يعرقل الشحن العالمي في مضيق هرمز بسهولة، ما يسفر عن خسائر اقتصادية ومادية ونفسية ثقيلة على أعداء طهران.

وقد أثبت الفضاء الإلكتروني أنه مسرح يمكن فيه لإيران أن تزدهر أيضا، ويعتقد أن البلاد كانت وراء هجمات شمعون الإلكترونية التي اجتاحت دول الخليج العربي عام 2012، قبل أن يعاود الظهور في شكل معدل العام الماضي.

وعلى الرغم من أن الحرس الثوري الإيراني لا يملك رسميا برنامج الحرب الإلكترونية في إيران، لكنه يسيطر على العديد من الوظائف القيادية للبرنامج.

وفي يوليو/تموز، اعتقل الحرس الثوري الإيراني 23 ضابطا، لاكتشاف أدلة على أن الوحدة مسؤولة عن العديد من الهجمات الإلكترونية التي ضربت تركيا في الفترة بين عامي 2014 و2015.

ومن الواضح أن الحرس الثوري الإيراني له يد في العديد من الأنشطة الإيرانية السرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والولايات المتحدة مصممة على كبح جماحها جميعا، وبشكل افتراضي، عندئذ، يجب أن تقيد أي سياسة شاملة للولايات المتحدة لمكافحة إيران تحركات الحرس الثوري الإيراني بطريقة أو بأخرى.

هل تهم التسمية؟

لا يعد وصف مجموعة ما بأنها «منظمة إرهابية» مسألة تافهة، فوفقا لقانون الولايات المتحدة، هناك طريقتان يمكن لواشنطن أن تصف فيهما مجموعات كمنظمات إرهابية، ولكل منهما آثارها الخاصة.

الأولى هي استخدام قانون الهجرة والجنسية لعام 1965 لتسمية مجموعة ما «منظمة إرهابية أجنبية»، ويعد هذا القانون ضيقا في وصفه لأي كيان يشارك في أنشطة إرهابية، أو لديه القدرة والقصد للقيام بذلك، وهو يهدف إلى استهداف الجناة الذين يمارسون فعلا أنشطة إرهابية، وليس الأفراد أو الشركات أو الجهات الحكومية التي تقدم لهم الدعم المادي.

ولأن الجماعات الخارجية، بدلا من المنظمات الإيرانية مثل الحرس الثوري الإيراني، هي التي تنفذ العمليات ضد منافسي إيران بناء على طلبها، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع بسهولة أن تطلق على فرع عسكري في البلاد منظمة إرهابية أجنبية.

والخيار الثاني هو تسمية الكيانات بأنها «مجموعات إرهابية» (أو أفراد مؤيدين للإرهاب) بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، كما أعلن «ترامب» في 13 أكتوبر/تشرين الأول.

ويهدف هذا القرار، الذي سبق ووقعه الرئيس الأمريكي السابق «جورج بوش» في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، إلى توسيع الأساس القانوني لحصر شبكات دعم الإرهابيين.

وبموجب هذا القرار، لا تعتبر المجموعات في الفئة الأولى هي المنظمات الإرهابية وحدها، بل أيضا الجهات الداعمة لها، وقد احتلت إيران مكانة في هذه القائمة كدولة راعية للإرهاب، وسيظل القرار التنفيذي (الطريقة الثانية) هو الآلية القانونية الأكثر منطقية في الولايات المتحدة لاستهداف المواطنين والمجموعات الإيرانية.

ومن الناحية العملية، فإن ضم الأشخاص التنفيذيين إلى القرار 13224 لن يفعل شيئا يذكر لعرقلة أنشطة الحرس الثوري الإيراني، ولأن الولايات المتحدة قد وضعت تدابير عقابية تتعلق بالإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان وتطوير القذائف التسيارية ضد العديد من أعضاء المجموعة وشركائها وأجنحتها، فإن الحرس الثوري الإيراني هو بالفعل أحد أكثر المنظمات التي تتعرض للعقوبات في العالم.

وعلاوة على ذلك، فقد تم إدراج فيلق القدس في القرار التنفيذي منذ عام 2007، وتم تجميد أصوله الأمريكية، وتم منع المواطنين والشركات الأمريكية من التفاعل معه.

ومن المفارقات أن التسمية بموجب القرار التنفيذي توجب عقوبات مالية أكبر من الإدراج كمنظمة إرهابية أجنبية، لكن التسمية الأخيرة تحمل ميزة حاسمة، وهي التهم الجنائية، أي أن أي شخص، بمن في ذلك المواطنين من خارج الولايات المتحدة، الذين يقدمون السكن أو الخدمات المالية أو غيرها من المساعدات لمنظمة إرهابية أجنبية يواجه إمكانية الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة.

ومن السهل تصور المشاكل الاقتصادية والدبلوماسية التي قد تنشأ لو قامت واشنطن بإضافة الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.

ويتعين على موظفي الشركات الدولية الذين يمارسون أعمالا تجارية في إيران أن يدرسوا الأمر بعناية لتجنب التهديد بالسجن، وكذلك المسؤولون الحكوميون الذين يستقبلون وفودا إيرانية تسافر إلى الخارج، والتي غالبا ما تضم ​​أعضاء من الحرس الثوري الإيراني.

وعلاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة لم تدرج قط وحدة عسكرية لدولة ذات سيادة كمنظمة إرهابية أجنبية، وفي حالة كسر هذا النمط، قد تتبع بلدان أخرى نفس النمط، وربما حتى في نهاية المطاف تتم معاملة أسرى الحرب على أنهم إرهابيون.

وإدراكا منها لهذه التعقيدات المحتملة، ضغطت وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية على إدارة «ترامب» بعدم الاعتماد على قانون الهجرة والجنسية لعام 1965 لاستهداف الحرس الثوري الإيراني.

وبطبيعة الحال، قد يكون لمعاقبة الحرس الثوري الإيراني بموجب القرار التنفيذي بعض التأثير على قدرات المجموعة، وعلى الرغم من ذلك، تتمتع القوات بمجموعة من الشركات التي تتوغل في الاقتصاد الإيراني، وسيتعين على الشركات الأجنبية أن تولي المزيد من العناية الواجبة لعملياتها في البلاد لضمان عدم تعرضها لفرض عقوبات غربية.

ومع ذلك، لن يجف الاستثمار الأجنبي في إيران، حتى لو أصبح الحرس الثوري الإيراني شريكا أقل جاذبية للعديد من الشركات العالمية وعلاوة على ذلك، ستعوض الحكومة الإيرانية أي مصادر دخل يفقدها الحرس الثوري الإيراني.

وفي الواقع، قد يزداد تمويل المجموعة، وذلك بفضل دورها المركزي في الاستراتيجية الأمنية للبلاد، وقد يعزز ذلك المتشددين الإيرانيين الذين سيعارضون أي محاولة من قبل الرئيس «حسن روحاني» لتقويض النفوذ السياسي والاقتصادي للحرس الثوري الإيراني.

ضد أمريكا

لا يعد «روحاني» الخصم الوحيد للحرس الثوري في إيران، ويعد نفوذ الحرس قضية مثيرة للانقسام في المجتمع الإيراني، وقد وجد الرئيس بعض الدعم الشعبي لتقليص ميزانيته.

ومع ذلك، فإن أهمية الحرس الثوري الإيراني لأمن البلاد لا تولد نفس القدر من الجدل، وفي حين كثفت الولايات المتحدة ضغوطها على الحرس الثوري الإسلامي خلال الأسبوع الماضي، ظهرت وحدة نادرة بين المعتدلين مثل «روحاني» والجماعة العسكرية المحافظة.

ومن المرجح أن يسفر ذلك عن زيادة الميزانية الموجهة للحرس في الأسابيع المقبلة، كما دفع المشرعون الإيرانيون 300 مليون دولار إلى قوة القدس وبرنامج القذائف التسيارية التابع للحرس الثوري الإيراني بعد أن بدأت الولايات المتحدة تصعيد التوتر في وقت سابق من هذا العام.

ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان حلفاء الحرس الثوري الإيراني سيكونون قادرين على الاستفادة من المناخ السياسي لتعزيز مكانتهم في الداخل.

في الانتخابات الثلاثة الأخيرة، قدم المتشددون في البلاد عرضا ضعيفا، ولا يزالون يكافحون للتواصل مع غالبية الشباب الإيراني، ولعله ليس من المستغرب أن يكون المعسكر المحافظ قد بدأ في متابعة أعمال الدعاية التي لم يسبق لها مثيل لدى المحافظين، مثل الاجتماعات مع مغنيي الراب والحملات الإعلامية الاجتماعية.

قد تكون الضغوط الأمريكية المتجددة ضد إيران هي الوقود الذي يحتاجونه لدفع العلامة التجارية الجديدة لهم بين الناخبين، إذا كان الأمر كذلك، فإن المتشددين في إيران يمكنهم العودة مرة أخرى تمكنهم منع محاولات «روحاني» للقضاء على نفوذ الحرس الثوري الإيراني في السياسة الإيرانية.

وإذا لم تكن الولايات المتحدة حذرة، فإن جهودها الرامية إلى عزل الفرع العسكري القوي لن تنجح إلا في ربط الفصائل السياسية الإيرانية معا ضدها.

  كلمات مفتاحية

إيران ترامب الحرس الثوري قاسم سليماني الاتفاق النووي

رئيس الأركان الإيراني يتعهد من سوريا بمحاربة (إسرائيل) و«السنة»

وكالة الطاقة الذرية: لا مشاكل مع إيران