«فورين أفيرز»: كيف يمكن أن تستفيد روسيا من الصراع بين (إسرائيل) وحزب الله؟

الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 10:10 ص

مع عودة القوات الموالية للحكومة للسيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا، بدأ المخططون الإسرائيليون يركزون من جديد على احتمال نشوب حرب أخرى مع «حزب الله»، وهو جماعة شيعية مقاتلة وحليف رئيسي للرئيس السوري «بشار الأسد».

وفرت الحرب الأخيرة بين (إسرائيل) وحزب الله، في عام 2006، أكثر من عقد من الهدوء على طول الحدود الشمالية لـ(إسرائيل).

ولكن على مدى السنوات العشر التي انقضت منذ ذلك الحين، رفع «حزب الله» بشكل كبير من حجم وتطور ترسانته وحسن من موقعه السياسي داخل لبنان.

وهناك حرب أخرى يمكن أن تنشب لعدد من الأسباب منها إذا قرر أحد الطرفين استغلال لحظة ضعف من جانب الآخر للهجوم؛ أو إذا تجاوز سلوك أي من الجانبين الخطوط الحمراء للآخر.

ولا يشكك الاستراتيجيون الإسرائيليون في احتمال نشوب حرب مع حزب الله، لكنهم يتساءلون كيف ستستجيب روسيا، التي هي رفيق لكل من إيران وحزب الله في سوريا، لمثل هذا الصراع.

وقد كثفت (إسرائيل) مؤخرا ضرباتها ضد «حزب الله» في لبنان وسوريا، ولكنها تمكنت حتى الآن من الحفاظ على علاقة حساسة مع الكرملين، وغالبا من خلال العلاقات الشخصية مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين».

وفى حالة حدوث قتال بين (إسرائيل) و«حزب الله» يتعارض مع مصالح روسيا فإن موسكو ستكون فى وضع جيد لتقييد حرية عمل الجانبين والمساعدة فى تسوية الصراع، ومن المحتمل أن يستغل الكرملين مثل هذه الحرب لتحسين موقفه وتأثيره في الشرق الأوسط.

تفضيلات موسكو

مع استقرار الوضع في سوريا، تعمقت منافسة روسيا وإيران على النفوذ هناك، ويريد الكرملين الحفاظ على أصوله في ظل أي ترتيب سياسي في المستقبل، حتى لو تم استبدال «الأسد» كزعيم لسوريا أو تحولت البلاد إلى الفيدرالية.

وتسعى إيران أيضا إلى تعزيز قوتها في بلاد الشام، وكلاهما يسعى إلى إقامة موطئ قدم عسكري دائم في سوريا لزيادة التأثير الجيوسياسي في المنطقة، ولكن الأراضي التي استعادها «الأسد» لا يمكن أن تستضيف رعاة مختلفين.

أصبحت طموحات إيران مشكلة بالنسبة لروسيا، ويود الكرملين الحد من طموح إيران للهيمنة الاقليمية دون أن تتوتر العلاقات مع البلاد التي ما زالت أكبر حليف إقليمي له، وتفضل موسكو أن يكون وجود إيران و«حزب الله» في سوريا ليس بالقوي ولا بالضعيف جدا.

ويبدو أن تصميم (إسرائيل) على استخدام القوة قد يخدم هذا الهدف، وإذا اندلع الصراع بين (إسرائيل) و«حزب الله»، فمن المحتمل أن تترك موسكو «حزب الله» وإيران ينزفان من أجل إضعاف مواقفهما الإقليمية، لكنها ستسعى أيضا إلى منع انتصار إسرائيلي كامل، لأنها لا تزال تحتاج إلى حزب الله كفاعل استراتيجي في المنطقة.

ومن خلال تسوية الصراع واستعادة الوضع الراهن، يمكن أن تثبت روسيا على أنها تتجاوز الولايات المتحدة كقوة في الشرق الأوسط.

وبالتالي فإن أفضل نتيجة للكرملين ستكون حربا قصيرة تقتصر على لبنان مما يسمح لكل من (إسرائيل) و«حزب الله» بادعاء الانتصار بعد قيام موسكو بالتوسط لإنهاء القتال.

وأسوأ النتائج هي تفكك لبنان، وهو تطور من شأنه أن يحول البلاد إلى شيء مثل العراق بعد «صدام»، كما أن امتداد القتال إلى مرتفعات الجولان السورية، أمر من شأنه أن يعرض إنجازات موسكو في تهدئة سوريا للخطر ويمكن أن يزعزع استقرار المنطقة.

بالنسبة لموسكو فإن انتصار «حزب الله» الكامل أو إبادته الفعلية هما أمران غير مرغوبين لأن الأول يمكن أن يشجع المجموعة إلى حد أنها تتجاهل موسكو، كما أن الآخير سيجعل روسيا تبدو كحليف لا يمكن الاعتماد عليه.

وتحت أي نتيجة، قد تحاول موسكو تجميد الصراع، وهو تدبير تمارسه في مناطق ما بعد الاتحاد السوفييتي مثل أبخازيا ودونباس وناغورنو كاراباخ وأوستيا وترانسنيستريا.

وسيتطلب ذلك الإبقاء على التوترات بين الأطراف عالية بما فيه الكفاية للحفاظ على آفاق الوساطة ولكن ليس بدرجة عالية جدا بحيث تؤدي إلى حرب مطولة.

إن الحفاظ على قدر من الاستقرار الضعيف في لبنان من شأنه أن يزيد من اعتماد جميع الأطراف على روسيا، ما يحافظ على غنى موسكو، ومن ثم، فإن الصراع بين (إسرائيل) و«حزب الله» يمكن أن يهيئ فرصة لروسيا، طالما أنه يمكن التحكم في مستوى التصعيد.

لحظات من الخطر

ستتميز الحرب المقبلة بين (إسرائيل) و«حزب الله» بنظريات النصر الجديدة التي اعتمدها الجانبان منذ صراعهما الأخير.

ومن غير المرجح أن يقتصر عمل «حزب الله» على إطلاق القذائف الصاروخية ضد الإسرائيليين، كما حدث في الماضي، بل سيسعى إلى تدمير آلة الحرب الإسرائيلية.

إن التحسينات في دقة وقوة صواريخ «حزب الله»، وأعدادها المتزايدة، يمكن أن تسمح له بضرب أهداف مهمة من الناحية التشغيلية، مثل قواعد القوات الجوية الإسرائيلية، ومنشآت جمع المعلومات الاستخباراتية، أو حتى تجمعات القوات.

ويتوقع المخططون الإسرائيليون أيضا قيام عدد من وحدات النخبة في «حزب الله» بمناورات متطورة في الأراضي الإسرائيلية وربما السيطرة على بعض المستوطنات الحدودية.

ومن غير المرجح أن تقوم (إسرائيل)، من جانبها، بإجراء عملية ردع أخرى حيث كانت خيارها الافتراضي خلال صراعات العقد الماضي، والتي سعت في معظمها إلى فرض ضرر محدود على أعدائها من أجل الحيلولة دون وقوع جولات من العنف في المستقبل.

ويمكن أن تسعى بدلا من ذلك إلى ما يسميه المخططون الإسرائيليون «قرار ساحة المعركة»، أو انتصار لا جدال فيه على الأرض.

ولكن الصراع الذي تشكله هذه المذاهب الجديدة يمكن أن يعرض مصالح روسيا للخطر، إن الوضع الأكثر صعوبة بالنسبة لموسكو قد ينشأ إذا ما قامت (إسرائيل) بإلحاق ضرر بـ«حزب الله» أكثر من احتياجات الكرملين، ثم المضي في متابعة ذلك بهدف تحقيق انتصار حاسم.

ومن شأن جر «حزب الله» إلى حافة الدمار أن يضعف إيران، راعي حزب الله وحليف روسيا الإقليمي الرئيسي، وقد تضغط موسكو على (إسرائيل) لوقفها، لكن الحماس المحتمل لـ«حزب الله» من أجل التصعيد يمكن ألا يكون قابلا للتحكم، ما سيزيد من إرهاق الشرق الأوسط دون استفادة من موسكو.

وسيعتمد المدى الذي تسعى روسيا إلى تقييد (إسرائيل) و«حزب الله» على حالة الحرب السورية، وكلما احتاجت موسكو إلى «حزب الله» لمحاربة بقية القوى المناهضة للأسد، حمى ذلك المجموعة من الهجمات الإسرائيلية، وكلما كان النظام المؤيد للكرملين أكثر أمانا في سوريا، وموقف موسكو الأكثر استقرارا هناك، زادت مساحة (إسرائيل) للمناورة.

وإذا لم تتمكن موسكو من التوسط في وضع حد سياسي للنزاع، فإنها قد تحاول إجبار الطرفين على إنهاء القتال، وبفضل الرغبة في تحقيق أقصى قدر من المنافع مع الحد الأدنى من الاحتكاك، يمكن أن تقوم موسكو بعمليات إلكترونية محدودة ضد أهداف مدنية في (إسرائيل)، مثل الموانئ أو مصافي النفط.

ويبدو أن مثل هذه الاعتداءات ستكون أقل تصعيدا وسيكون من الأسهل القيام بها مقارنة بالهجمات على البنية التحتية العسكرية، ويمكن لروسيا أن تعزوها إلى إيران أو «حزب الله» للاستفادة من النفي المعقول وتجنب المواجهة المباشرة مع (إسرائيل).

ومن ثم يمكن لموسكو أن تشير إلى أنه ما لم ترفع (إسرائيل) هجومها على حزب الله، فإنها يمكن أن تضغط على «زر أحمر» آخر وهو الضعف الرقمي للبنية التحتية الحرجة لـ(إسرائيل) كما يمكن تقويض تماسك الجمهور الإسرائيلي، من خلال التضليل أو كشف أسرار حقيقية وفضائح كبيرة.

وفي ميدان المعركة، في الوقت نفسه، يمكن لروسيا أن تحاول جعل المخططين الإسرائيليين يعتقدون أن الأفراد الروس متمركزون بالقرب من «حزب الله»، وأن ضرب الحزب سيعرض الروس للخطر.

وفي المستوى التالي من التصعيد، يمكن أن تخرب روسيا إلكترونيا الضربات الدقيقة الإسرائيلية أو تعمل على إسقاط طائرات دون طيار الإسرائيلية.

وإذا لم تستجب (إسرائيل)، يمكن لموسكو أن تقوم بالتخريب عبر الإنترنت ضد بطارية القذائف المضادة للقذائف، وأن تتداخل مع صفارات الإنذار الخاصة بها وأنظمة الإنذار المبكر، وأن ترافق تلك الخطوات بحملة إعلامية عن ضعف الدفاع المدني الإسرائيلي الذي يهدف إلى إثارة الذعر بين الجمهور.

لكن روسيا من المرجح أن تكون عملية، وربما تسعى إلى الضغط على «حزب الله» أيضا، ليس فقط من خلال إيران وسوريا ولكن أيضا بطرق مباشرة.

بعد عامين من القتال جنبا إلى جنب مع الجماعة المسلحة في سوريا، فإن موسكو على دراية وثيقة بالحزب من خلال وحدات القيادة والتحكم، وهندسة الاتصالات والتكنولوجيا التي تدعمه.

ويمكن لروسيا أن تسعى إلى تقويض تلك الهياكل إلكترونيا إذا كان وابل الصواريخ التابع لـ«حزب الله» سيذهب بعيدا جدا، وفي الوقت نفسه، يمكن لروسيا أن تسعى إلى إقناع «حزب الله» مباشرة، على افتراض أن المنظمة قد استنفدت من الحرب في سوريا.

عناق الدب

وستشارك روسيا بشكل أكبر فى الحرب العربية الإسرائيلية القادمة أكثر من أي وقت مضى.

لا تزال الغريزة الإسرائيلية تتحول إلى الولايات المتحدة خلال الأزمات، ومع ذلك، فإن الخلل الذي يميز الإدارة الأمريكية الحالية والروابط الإقليمية للكرملين يمكن أن يجعل موسكو، التي أقامت معها (إسرائيل) بالفعل تبادلات عسكرية وعسكرية وسياسية، طرفا أكثر صلة في عيون (إسرائيل).

إذا كانت (إسرائيل) ستطلب من روسيا المساعدة فى التعامل مع الأعمال العدائية فإن هذا سيكون أول منعطف من نوعه منذ عام 1967 عندما تحولت (إسرائيل) إلى الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى خلال حرب الأيام الستة.

ويعني هذا النداء أنه بعد بضع سنوات من تدخل روسيا في سوريا، كان بوتين قد أعاد تماما وضع موسكو في الشرق الأوسط، الذي خسرته منذ خمسة عقود، وإذا اندلعت الحرب بين (إسرائيل) و«حزب الله» فإن روسيا يمكن أن تثبت فوزها.

المصدر | ديمتري أدامسكي - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

روسيا (إسرائيل) حزب الله سوريا بوتين

سلاح روسي في يد حزب الله ينذر بصدام بين تل أبيب وموسكو