مَن الاقتصاد رقم 1 عالمياً؟

الأربعاء 25 أكتوبر 2017 05:10 ص

القوة لها أوجه وأشكال متعددة، فمنها الدبلوماسية والسياسية والثقافية والعسكرية والاقتصادية. ويدفعنا هذا التعريف إلى طرح سؤال بسيط: مَن الدولة التي تستأثر بأضخم اقتصاد في العالم؟ فأقول: إنها الصين بكل التأكيد.

وربما يحتج كثيرون عندما يطلعون على هذه الحقيقة. وقبل كل شيء يجب الانتباه إلى أن الولايات المتحدة لا زالت أكبر منتج في العالم، وفقاً لمقياس أسعار التبادل في الأسواق المالية، لكن هذا المقياس المقارن مُضلِّل إلى حدّ كبير، لأن تكاليف إنتاج «الأشياء» تختلف من بلد إلى آخر.

ويفترض أن نحتكم بدلاً من ذلك إلى «الناتج المحلي الإجمالي» GDP لقياس الحجم الحقيقي للمخزون الوطني من السلع والخدمات في بلد ما، أي مجموع ما ينتجه ذلك البلد.

وإذا كانت صناعة هاتف محمول تكلّف 400 دولار في الولايات المتحدة، وصناعة الهاتف ذاته لا تكلّف إلا 200 دولار في الصين، فهذا يعني أن الناتج المحلي الإجمالي للصين محسوب بعد خصم 50% من قيمته الحقيقية عندما نحسبها بمقياس أسعار التبادل في الأسواق المالية، وعموماً تكون أسعار السلع والخدمات أكثر انخفاضاً في الدول الأقل تطوراً، بما يعني أن ناتجها المحلي الإجمالي يُقدّر دائماً بأقل من قيمته الحقيقية.

ويحاول الاقتصاديون تصحيح هذا الخلل في القياس بإجراء تعديل يدعى «مكافئ القوة الشرائية» الذي يتحرّى الأسعار النسبية للسلع والخدمات، وهو أيضاً مقياس غير دقيق طالما أنه لا يأخذ في الحسبان عناصر مكملة أخرى، مثل جودة السلع والخدمات.

ووفقاً لاعتبارات الأخرى، يمكن القول إن التفوق الصيني على الولايات المتحدة أكبر مما ذكرنا، فقد تفوق إنتاجها الصناعي على نظيره الأميركي منذ عقد من الزمان، كما أن الحجم الإجمالي لصادرات الصين أكبر من حجم الصادرات الأميركية بنحو الثلث، وإذا كان المحللون الاقتصاديون الأميركيون قد تأخروا في إدراك التفوق الاقتصادي الصيني، فإن بقية شعوب العالم بدأت تعي هذه الحقيقة.

وهذا لا يعني أيضاً أن الشعب الصيني هو الأغنى في العالم، بل هو بعيد عن الاستئثار بهذه الصفة، لكن الدخل الفردي المتواضع لمواطني الصين يدل على تمتعها بفرص كبيرة للنمو.

وبينما لا يمكن للدول المتطورة أن تزداد غنى إلا لو اخترعت أشياء جديدة وجعلت اقتصادها أكثر فاعلية، فإنه بوسع الدول الفقيرة استنساخ التكنولوجيا الأجنبية أو اللجوء إلى تقليد الممارسات التنظيمية والإدارية الأجنبية، لكن ذلك لا يحدث دائماً لأن العديد من البلدان الفقيرة تجد نفسها ضحية لمؤسساتها المشلولة ولنقص رؤوس الأموال وبقية معوّقات النمو.

وتتوافر الآن كثير من العوامل التي تبرر الاعتقاد بأن الصين سوف تتغلب على تلك العوائق. وقد نشر الاقتصاديان راندال مورك وبرنارد يونغ بحثاً جديداً يقارن بين تاريخ اليابان وكوريا الجنوبية من جهة، وهما بلدان نجحا نجاحاً سريعاً في الانضمام إلى نادي الدول الغنية، وبين النهوض الاقتصادي الراهن للصين من جهة ثانية، واستنتجا أن المؤسسات الصينية تتطور وفق وتيرة توحي بتتبعها النهج الناجح ذاته الذي سلكه جيرانها.

ويمكن القول إن الصين لا تستأثر بأضخم اقتصاد في العالم فحسب، بل إن الفجوة الاقتصادية القائمة بينها والولايات المتحدة قابلة للاتساع.

ورغم التباطؤ النسبي الذي شهده الاقتصاد الصيني خلال السنوات القليلة الماضية، فإن اقتصادها لم يتوقف عن النمو بنسبة تجاوزت 6% سنوياً، فيما لا يزيد معدل النمو الاقتصادي للولايات المتحدة عن 2%، ولو استمر الحال على هذه الوتيرة، فإن الاقتصاد الصيني سيتجاوز ضعف اقتصاد الولايات المتحدة خلال أقل من عقدين من الزمان.

* نوح سميث أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة «ستوني بروك»

المصدر | خدمة «واشنطن بوست وبلومبرغ نيوز» - ترجمة الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية

الصين النمو الاقتصادي الناتج المحلي متوسط دخل الفرد طريق الحرير الاقتصاد العالمي