الصواريخ التركية الجديدة.. ماذا تعني «إس-400» لأنقرة والناتو؟

الخميس 26 أكتوبر 2017 08:10 ص

وقعت تركيا في 12 سبتمبر/أيلول 2017 على اتفاق بقيمة 2.5 مليار دولار لشراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية «إس-400» وقدمت عربونا لذلك أيضا. وسوف تبيع روسيا بطاريتين لتركيا فيما سيتم نقل التكنولوجيا إلى أنقرة لإنتاج بطاريتين خاصتين بها بينما ستقوم تركيا بتزويد البطاريات بالبرامج الإلكترونية اللازمة. وكما لاحظ مسؤولو البنتاغون، فإن منظومة «إس-400» ليست قابلة للتشغيل المتبادل مع نظام الدفاع الجوي للناتو، مما دعا بعض الخبراء للبحث حول مستقبل علاقة تركيا مع التحالف.

و«إس-400» هو نظام دفاع صاروخي للدول وهناك مبالغة في الحديث عن استخدامه في الدفاع ضد تهديدات الجماعات المسلحة غير الحكومية مثل تنظيم الدولة الإسلامية أو الأكراد. وتمثل المنظومة استثمارا سياسيا واقتصاديا هائلا لتركيا، التي تتطلع إلى تحسين نظمها الدفاعية الصاروخية منذ التسعينات. بالإضافة إلى أن قرار أنقرة بالذهاب إلى روسيا من أجل هذا الهدف يشير إلى إحباط مستمر من العلاقة مع الناتو.

ومن المفترض أن يحمي التحالف تركيا من التهديدات الخارجية، وفي السنوات الأخيرة، أدت مخاوف أنقرة من الحرب السورية إلى التذرع مرارا بالمادة الرابعة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، التي تتطلب من أعضاء الناتو «التشاور معا إذا حدث تهديد لوحدة الأراضي الإقليمية والسياسية أو استقلال أو أمن أي من الدول الأعضاء».

ومنذ بداية الحرب السورية، على سبيل المثال، دعت تركيا إلى منطقة حظر جوي في سوريا وهو ما تم إحباطه في نهاية المطاف من قبل الولايات المتحدة. ويبدو أن هذه الحالات قد أقنعت تركيا بأنها تحتاج إلى البحث عن حماية نفسها.

كما ستدعم منظومة «إس-400» أجندة السياسة الخارجية التركية التدخلية، مما يمنح أنقرة حرية أكبر في التصرف في الخارج. وبالإضافة إلى مشاركتها في سوريا، أبدت تركيا اهتماما بالوساطة في أفغانستان، ودعمت مسلمي الروهينغا في ميانمار، ولعبت دورا في النزاع بين قطر وتكتل دول الخليج بقيادة السعودية، وفي مكافحة العنف في الصومال. ومن خلال اكتساب قدرات دفاعية متزايدة، تلعب تركيا لعبة طويلة الأمد، وتعزز قدرتها على الاستجابة للتهديدات في بيئة أمنية سريعة التطور.

واليوم، فإن الثقة بين تركيا وبقية دول حلف شمال الأطلسي غير موجودة عمليا. ويجب على أعضاء التحالف الذين يساورهم القلق بشأن نزاهة المؤسسات الديمقراطية في تركيا أن يعملوا من أجل إعادة بناء علاقتهم مع أنقرة. ومن الحلول العملية لأعضاء الناتو هو التنسيق مع تركيا في جهودها الدبلوماسية وبناء الثقة في التحالف. فقط من خلال القيام بذلك يمكن أن يحتفظوا بنفوذهم مع تركيا ويمكن الاحتفاظ بها من الانجراف أكثر نحو روسيا.

وليس سرا أن العلاقات بين تركيا وأعضاء الناتو الآخرين متوترة. وانتقد العديد من هؤلاء سياسة أنقرة في عهد الرئيس «رجب طيب أردوغان»، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو / تموز 2016.

وكانت النزاعات بين أنقرة وحلف شمال الأطلسي علنية تماما. وفي أبريل/نيسان واجه أردوغان غضب القادة الأوروبيين خلال حملة بين الأتراك الذين يعيشون في أوروبا حيث رفضت هولندا دخول اثنين من الوزراء الأتراك ودعمتهما ألمانيا وفرنسا.

وفي مطلع سبتمبر/أيلول، دعت المستشارة الألمانية «أنغيلا ميركل» إلى إنهاء محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بسبب انتهاكات أنقرة المزعومة لحقوق الإنسان، ورد «أردوغان» مباشرة، مشيرا إلى موقف ميركل بأنه «نازية».

كما أن العداء الأمريكي التركي قد نما أيضا، حيث انتقدت الولايات المتحدة ما اعتبرته انتهاكات تركيا لحقوق الإنسان، وفي حين كانت أنقرة تشعر بالقلق على حد سواء بسبب رفض واشنطن تسليم «فتح الله كولن» -وهو داعية تركي يعيش حاليا في بنسلفانيا يعتقد «أردوغان» أنه يقف وراء الانقلاب فإنها كانت مستاءة أيضا من الدعم العسكري للمجموعات الكردية المسلحة في سوريا، وكثير منها مرتبط بالانفصاليين الأكراد في تركيا.

وفى الوقت الحالى علقت الولايات المتحدة وتركيا طلبات الحصول على تأشيرات من بعضهم البعض وذلك فى سياق تصعيد حاصل بعد اعتقال الحكومة التركية لموظف في القنصلية الأمريكية متهم بإقامة علاقات مع تنظيم كولن.

وبدأت هذه المواجهات الثنائية تؤثر على مركز أنقرة داخل الناتو. هذا العام، حظرت كل من ألمانيا والولايات المتحدة مبيعات الأسلحة إلى تركيا. وفي 25 سبتمبر/ أيلول اتهمت تركيا رسميا شركات الدفاع الخاصة في ألمانيا والولايات المتحدة بفرض حظر غير مباشر عن طريق وقف أو تأخير صفقات الأسلحة. وتشكل هذه النزاعات تعديا خاصا على التحالف العسكري، نظرا لأهمية مبيعات الأسلحة داخل التحالف.

التحول للشرق

يأتي شراء منظومة «إس-400» مرتبطا بالسياسة الخارجية التركية أكثر من سياسة أنقرة الداخلية. كانت أنقرة تعمل على تحسين تكنولوجيا الدفاع الجوي منذ سنوات. وسعت في الماضي إلى شراء هذه الأسلحة من أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي، إلا أن أحد النقاط الرئيسية لهذه المفاوضات كان دائما هو نقل التكنولوجيا، الأمر الذي من شأنه أن يساعد تركيا على بناء صناعتها الدفاعية المحلية. ومع ذلك لم يكن أي عضو في التحالف على استعداد للموافقة على هذه الشروط بسعر مناسب، وقد فشلت المحادثات السابقة مع إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة. وهكذا بدأت أنقرة تتحول إلى دول خارج التحالف، مثل الصين وروسيا، ولكنها حتى وقت قريب حاولت الضغط على دول من حلف الناتو لعقد هذه الصفقات.

وتحظى منظومة «إس-400» باحترام كبير في جميع أنحاء العالم وتدعي وسائل الإعلام الروسية أنها يمكن أن تستهدف الطائرات وصواريخ كروز والصواريخ متوسطة المدى وطائرات بدون طيار ونظم المراقبة المحمولة جوا، وذلك على الرغم من أن قدراتها الكاملة لم يتم اختبارها بعد في القتال. ويمكن أيضا قياس القيمة الاستراتيجية للمنظومة من خلال نجاح نظامها (A2/AD) الذي ينشئ أساسا منطقة حظر طيران في المكان الذي يتم فيه تثبيت النظام. وساعد نشر القوات الروسية منظومة «إس-400» في سوريا على فرض التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا لضمان عدم استهداف الطائرات الأمريكية وإسقاطها عن طريق الخطأ، مما قد يؤدي إلى نشوب نزاع مسلح.

وقال «جان قصاب أوغل»و، وهو محلل دفاع في مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إسطنبول، إن تركيا تتبع استراتيجية تخطيط دفاعية ذات مسار مزدوج، والتي تتوافق فيها مع التزامات الناتو باستخدام نظام الدفاع الصاروخي الأوروبي عن طريق تشغيل رادار X-band بينما تعزز أيضا قدراتها العسكرية من خلال شراء المنظومة الروسية. (تم إنشاء نظام الدفاع الصاروخي لمنظمة حلف شمال الأطلسي مع نية صريحة لمواجهة برنامج الصواريخ الإيرانية، وتلعب مجموعة رادار X-band دورا حيويا في الكشف المبكر عن الصواريخ الإيرانية).

خارج أنقرة

وبالتالي فإن شراء «إس-400» هو أمر متعلق بالجغرافيا السياسية. حيث بدأت تركيا تحت حكم «أردوغان» في انتهاج سياسة خارجية أكثر حدة وهي سياسة قد تتطلب قدرا أكبر من المرونة خارج مظلة الناتو.

ورأى خبراء أن «تغيير الناتو في تعريف وتصور التهديدات ذات الأولوية العالية يمثل ثغرة أمنية لتركيا. إن تطوير نظام دفاع مرن يختلف عن نظام دفاع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يركز على إيران يمثل نقلة استراتيجية لتركيا كما أن نظام الدفاع المرن يمكن تركيا من متابعة المبادرات في الخارج دون خوف من الانتقام.

فعلى سبيل المثال، تقوم أنقرة حاليا بتوسيع دورها في أفغانستان (بينما تنأى بنفسها عن بعثة الناتو التي تقودها الولايات المتحدة هناك)، وربما تعمل كوسيط بين أفغانستان وباكستان. وخلال الاجتماع العام للجمعية العامة للأمم المتحدة، ورد أن «أردوغان» ورئيس الوزراء الباكستاني «شهيد حقان عباسي» اتفقا على إحياء عملية السلام الأفغانية الباكستانية التركية، التي بدأت عام 2007. إن إعادة إحياء عملية السلام هذه يمكن أن تقف في مواجهة معارضة الولايات المتحدة، التي تخطط لتصعيد معركتها مع طالبان، لأن تركيا تعتبر عناصر معينة من طالبان جزءا حاسما من أي مصالحة.

كما أصبحت تركيا تعد لاعبا رئيسيا في النزاع بين حليفتها قطر وكتلة من دول الخليج بقيادة السعودية. وفي يوليو/تموز، قامت تركيا خلال الحصار الذي تقوده السعودية بنشر المزيد من القوات في قاعدتها العسكرية في قطر للدفاع عن حدود البلاد، وهو عمل يمكن أن يضع تركيا بقوة في مرمى السعوديين. ولم تتوصل محاولات الوساطة الأمريكية والكويتية حتى الآن إلى اتفاق، لذا ينبغي لأعضاء الناتو أن ينظروا في التعامل مع تركيا لنزع فتيل هذا الصراع.

وفي أغسطس/آب، فتحت تركيا قاعدة عسكرية في الصومال كجزء من جهود مكافحة حركة الشباب. وقادت تركيا منذ فترة طويلة جهود إعادة تأهيل الصومال بعد فترة من الفوضى التي قد تشير إلى استعدادها للقيام بدور أكبر في مكافحة المتشددين في جميع أنحاء العالم. ويمكن أن تكون هذه فرصة أخرى لتعاون حلف شمال الأطلسي مع تركيا، حيث أرسلت الولايات المتحدة العشرات من قواتها إلى الصومال في أبريل/نيسان، أيضا لمحاربة حركة الشباب.

وفي 9 أكتوبر/ تشرين الأول، أقر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «يينس ستولتنبرغ» أن تركيا تجري حوارا مع فرنسا وإيطاليا بشأن إمكانية تسلم أنظمة الدفاع الجوي منها.

وكانت هذه المناقشات مفتوحة منذ عام 2010، وتوقفت نتيجة لخلافات حول التكلفة ولطلب تركيا لنقل التكنولوجيا.

ومن شأن متابعة هذه المفاوضات أن تساعد بقوة على بناء الثقة بين تركيا وبقية دول الناتو، ولكن هذا الجهد ليس كافيا. ففي دراسة أجرتها مؤسسة مارشال الألمانية عام 2015 حول التصورات التركية، على سبيل المثال، اعتبر ثلث المستطلعين فقط أن الناتو والأمم المتحدة جديران بالثقة.

إن استحواذ تركيا على منظومة «إس-400» هو، بعبارة أخرى، نتاج تراكمي لما تعتبره تركيا فشل الناتو في الاعتراف بدور أنقرة الجديد في نظام الأمن الإقليمي. ولا يعد امتلاك تركيا للمنظومة الروسية استعدادا للحرب، ولكنها تسمح لتركيا بالمشاركة في الصراعات الإقليمية مع ضمان قدرتها على الاستجابة للتهديدات الجديدة إذا استمرت العلاقات مع أعضاء الناتو في التدهور.

وأظهر «أردوغان» مبادرة في تنسيق الجهود الأمنية الإقليمية، وينبغي أن يسعى أعضاء الناتو إلى إشراك تركيا في هذه الجهود. ومن شأن ذلك أن يساعد على تعزيز المصالح الأمنية للحلف ويساعد منتقدي أردوغان في الناتو في تحسين السياسة الداخلية التركية.

  كلمات مفتاحية

تركيا الولايات المتحدة أوروبا أردوغان إس-400

«البنتاغون»: صفقة منظومة «إس-400» قرار سيادي تركي

تركيا أول عضو في «الناتو» يتسلح بمنظومة «إس-400» الروسية