هل تحبط باكستان مخططات أمريكا لتقوية الهند وإضعاف الصين؟

الجمعة 27 أكتوبر 2017 12:10 م

شواهد عدة، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن الولايات المتحدة تسعى بكل السبل لتقوية الهند على حساب الصين، وهي الخطة التي لو نجحت سيكون لها تأثيراتها السلبية على النزاع بين نيودلهي وإسلام آباد بخصوص إقليم «كشمير».

يأتي ذلك في الوقت الذي ترفض فيه باكستان التماهي مع أمريكا في الكثير من الملفات، ومنها أفغانستان، حسب تحليل لوكالة «الأناضول».

هذه التطورات، تطرح سؤالا هاما حول مدى قدرة باكستان على إحباط خطة الولايات المتحدة والمحافظة على المعادلة الموجودة حاليا في القارة الآسيوية كما هي؛ بحيث تظل الصين في المرتبة الأولى وليس الهند.

وخلال السنوات الأخيرة أصبحت الهند واحدة من أكثر الدول التي تحقق نموا اقتصاديا سريعا، بفضل المشروعات التنموية الضخمة التي نفذتها.

وبجانب سرعة نموها الاقتصادي، فإن الهند، التي يزيد عدد سكانها عن مليار و300 مليون نسمة، تسعى إلى توسيع نفوذها السياسي والعسكري إقليميا ودوليا، وباتت من أهم اللاعبين الأساسيين في جنوبي القارة الآسيوية.

وبات تأثير العلاقات المتينة التي أسستها الهند مع الولايات المتحدة يظهر بشكل واضح على المعادلات القائمة في المنطقة.

وحسب مراقبين، اختارت واشنطن نيودلهي كعنصر لمعادلة الكفة في المنطقة التي تهيمن عليها بكين، ولعل أبرز دليل على ذلك تصريح وزير الخارجية الأمريكي، «ريكس تيلرسون»، بأن «الهند بلد محوري بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان، والبلدان سيواصلان الاستفادة من روابطهما الاقتصادية القوية».

وزار «تيلرسون» نيودلهي لتحديد معالم «الشراكة الاستراتيجية لمئة عام» بين البلدين، وصادفت زيارته اليوم الأول لانعقاد المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني، في 18 أكتوبر/تشرين أول الجاري.

وفي كلمة له خلال الزيارة، أشاد «تيلرسون» بدور الهند في المنطقة، وقال إنها هي وبلاده تعتبران من أهم البلدان الساعية إلى إحلال الاستقرار العالمي، وتهجم في الوقت نفسه على القيادة الصينية.

وتابع «تيلرسون»: «الهند بحاجة إلى شريك موثوق في المحافل الدولية، وأود أن أقولها بصراحة إن الولايات المتحدة هي هذا الشريك الموثوق؛ نظرا لقيمنا المشتركة ورؤيتنا المتطابقة حيال الأمن والاستقرار بالعالم، والصين تتحدى وتنتهك القوانين الدولية عبر الاستفزازات في بحر الصين الجنوبي».

وفيما يخص العلاقات العسكرية بين البلدين، قالت المبعوثة الأمريكية إلى أفغانستان وباكستان، «ألي س ويلز»، في وقت سابق، إن الولايات المتحدة تعتبر الهند شريكا استراتيجيا كبيرا، وترغب في أن تتبنى نيودلهي دورا فعاليا في إحلال السلام والأمن بالمنطقة.

وذكرت «ويلز» أن واشنطن عرضت على نيودلهي تزويدها بمعدات عسكرية حساسة صالحة لاستخدامات متعددة.

ولم تزود واشنطن إلا عدد قليل من حلفائها بمثل هذه المعدات؛ لذا فإن إعطاء أسلحة حساسة لنيودلهي؛ يعني أن أمريكا تولي اهتماما كبيرا لعلاقاتها العسكرية مع الهند؛ لإيجاد عنصر قوي في المنطقة تستطيع من خلاله عرقلة الهيمنة الصينية.

ولعل تموضع الصين العسكري والمدني في المناطق المطلة على بحر الصين الشرقي والجنوبي، وتطوير علاقاتها العسكرية مع دول المنطقة، وتعزيز علاقاتها أيضا مع كل من ميانمار وباكستان وبنغلاديش، يدعم تصريحات نائب مساعد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، «مايكل كولينز»، في وقت سابق، بأن التهديد الصيني للولايات المتحدة أخطر من التهديد الروسي.

ولا شك أن توسيع بكين رقعة نفوذها السياسية والاقتصادية والعسكرية، لتمتد من مناطق المحيط الهادئ (الباسيفيك) إلى القارة الأفريقية، بالتوازي مع خسارة الولايات المتحدة مناطق نفوذ، يدعم المخاوف الأمريكية حيال الامتداد الصيني.

ومقابل التهديدات الصينية، تعمل الولايات المتحدة على تطوير علاقاتها مع الهند؛ فخلال السنوات العشرة الماضية، باعت واشنطن أسلحة إلى نيودلهي، بـ15 مليار دولار، وتخطط لإطلاق مشاريع عسكرية في الهند، خلال السنوات السبعة المقبلة، بـ30 مليار دولار.

كما تسعى الولايات المتحدة لتطوير علاقاتها السياسية مع الهند، وهو ما يظهر في إقحام واشنطن لنيودلهي في عملية السلام الجارية بكابول.

وفي 11 يوليو/تموز الماضي، أطلقت الهند مناورات بحرية ضخمة مع الولايات المتحدة واليابان، قبالة سواحلها الجنوبية، بهدف تعزيز علاقاتها العسكرية، في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد بالمنطقة.

وجرت تلك المناورات بالتزامن مع تصعيد المواجهات بين قوات هندية وأخرى صينية، في منطقة نائية وحساسة استراتيجيا في «الهيملايا»؛ حيث تلتقي حدود الهند والصين وبوتان.

وردا على ذلك، أعلنت الصين أن سفينتها المتطورة للأبحاث «Kexue» مارست أنشطة على مدار شهر (5 أغسطس/آب – 5 سبتمبر/أيلول الماضيين) في الفناء الخلفي لأكبر قاعدة أمريكية في مياه آسيا والمحيط الهادئ، وأمام مرأى من طائرات التجسس الأمريكية.

ويبدو أن هواجسا تشكلت لدى الولايات المتحدة من السفينة الصينية الراصدة للغواصات جنوب شرقي جزيرة «غوام»، التي تحتضن غواصات نووية أمريكية سريعة الهجوم وقواعد جوية (أندرسون) وبحرية.

وتقع «غوام» على بعد 6500 كم عن جزيرة «هاواي»، وتحميها صواريخ «ثاد» المضادة للأسلحة البالستية، وتتمتع بأهمية كبيرة بسبب قربها من الصين واليابان والفلبين وشبه الجزيرة الكورية.

وتحتل الجزيرة موقعا يمكن الجيش الأمريكي من الوصول بسرعة إلى مناطق الاشتباك المحتملة، مثل الكوريتين، بفضل طائرات «الشبح» الخفيفة القادرة على حمل أسلحة نووية وتقليدية.

توتر بحري متوقع

يمكن القول إن الشراكة الأمريكية الهندية ستؤدي إلى زيادة التوتر بين الصين والولايات المتحدة في المحيط الهادئ، في ظل حرب النفوذ والبحث عن موارد جديدة، رغم اعتقاد مراقبين أن التوتر بين البلدين هو في البر الرئيسي لآسيا أكثر من كونه في المحيط الهادئ.

واشنطن لا تريد خسارة المواقع في حرب النفوذ ضد بكين في المنطقة، وترى في الهند «وكيلًا قويًا» يمكنه أن يساعدها على زيادة نفوذها العسكري والسياسي على حساب الصين من المحيط المحيد الهندي وحتى الهادئ.

وهو ما لفت إليه وزير الدفاع الأمريكي، «جيمس ماتيس»، بقوله، في 5 سبتمبر/أيلول الماضي، إن الهند تعدّ قوة كبيرة قادرة على تحقيق الاستقرار في جنوبي آسيا والمحيط الهادئ.

وتمثل رغبة الولايات المتحدة في إدارج الهند ضمن استراتيجيتها الجديدة بشأن أفغانستان دليلا ملموسا على التحالف المتزايد بينهما.

دور باكستان

وأعلن الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، في 22 أغسطس/آب الماضي، عن تغييرات جديدة في سياسات واشنطن تجاه كل من أفغانستان وباكستان والهند.

وقال «ترامب»، الذي تولى السلطة في 20 يناير/كانون ثانٍ الماضي، إن التغيير الجديد في سياسة بلاده تجاه أفغانستان سيستند على «الظروف، بدلاً من الوقت»، في إشارة إلى أن مهمة الجيش الأمريكي في أفغانستان ستنتهي بتحسن الظروف الأمنية بها، وليست مرتبطة بتاريخ محدد.

واتهم «ترامب» في استراتيجيته باكستان بأنها تمنح «ملاذا للإرهابيين»، وهو ما رفضته إسلام آباد، ودعته إلى التخلي عن هذا الخطاب.

وبشكل قاطع، ترفض باكستان أن تلعب الهند أي دور في الأراضي الأفغانية.

وقال رئيس الوزراء الباكستاني، «شاهد خاقان عباسي»، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، إن الهند لا يمكنها تقديم أية مساهمة لتحقيق السلام في أفغانستان.

واعُتبر تصريح «عباسي» رسالة رفض واضحة للمساعي الأمريكية في المنطقة بالتعاون مع نيودلهي.

كما أعرب «عباسي» عن انزعاج باكستان من تحميلها مسؤولية فشل واشنطن في أفغانستان، وشدد على أن إسلام آباد قدمت تضحيات كبيرة في الحرب ضد الإرهاب، وعانت من مشاكل وآلام كثيرة في هذا الإطار.

لا شك أن الخطوات الهندية تجاه إحلال السلام في أفغانستان قد تفسح المجال أمام خلافات جديدة، على عكس المأمول؛ بسبب استراتيجية إقصاء باكستان واتهامها.

وهذا الطرح، يضعف حظوظ واشنطن في تشكيل استراتيجية توازن قوية ضد النفوذ الصيني المتزايد في جنوبي آسيا والمحيط الهادئ.

المصدر | الخليج الجديد + الأناضول

  كلمات مفتاحية

الصين الهند باكستان أمريكا الولايات المتحدة

بنجلاديش ودور التوازن بين عملاقي آسيا.. الصين والهند