في شبه جزيرة رملية شمال غرب المملكة العربية السعودية، كان اللافت للانتباه الوحيد لأميال في الصحراء هو حطام طائرة كاتالينا التي هجرها طيارها الأمريكي عام 1960، ومغطاة الآن بكتابات عربية.

ولكن هنا يخطط ولي العهد السعودي لإنشاء «نيوم»، وهي مدينة ستنشأ من الصفر لتكون أكبر من دبي، وسيكون سكانها من الروبوتات أكثر من البشر. ويصور ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» المشروع على أنه «قفزة حضارية للبشرية»، خارج القيود السعودية التقليدية، ومركز أعمال للصناعات التحويلية المتقدمة والتكنولوجيا الحيوية والإعلام وشركات الطيران.

وقال ولي العهد في مقابلة في مكان فخم بجوار فندق ريتز كارلتون في الرياض: «نريد أن يكون الروبوت الرئيسي وأول روبوت في نيوم هو نيوم، الروبوت رقم واحد. وسيكون كل شيء موصولا بالذكاء الاصطناعي، مع استخدام إنترنت الأشياء في كل شيء».

ومن المفترض أن تمثل مدينة الخيال العلمي، بأبراج المكاتب المتلألئة والفنادق الخمس نجوم، جهودا سعودية لتحويل الدولة التي كانت تسبح في أموال النفط ثم أصبحت تواجه الآن ضغطا ماليا شديدا.

وستكون المدينة نموذجا مصغرا للنسخة المحدثة من المملكة، في حين يعيد زعيمها الجديد، البالغ من العمر 32 عاما، تشكيل الاقتصاد لجعله مناسبا للعالم الحديث، بطريقة فشل الحكام السابقون في القيام بها. ولكن ينبغي ملاحظة أنه تم الإعلان سابقا عن مدن ضخمة أخرى في الصحراء مع كثير من الضجيج الإعلامي، ثم اختلف الواقع عن التوقعات، مثل حديقة المكاتب بتكلفة 10 مليار دولار على مشارف الرياض، والتي نجدها الآن غير مشغولة وغير مكتملة.

وقال «جيمس دورسي»، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، إن المدينة «تشكل محاولة لخلق منطقة اقتصادية أكثر كفاءة، لمساندة الاقتصاد العام الذي سيستغرق وقتا طويلا من أجل الإصلاح».

وأضاف: «يبقى السؤال هو ما إذا كان بإمكان المرء عزل مدينة كبيرة بعيدا عن اقتصاد البلاد الذي يعاني عدم الكفاءة».

المال لا يهم

كما يعد المشروع مثالا آخر على استعداد الأمير «محمد» لرمي الأموال في المشاريع بغض النظر عن تضاؤل ​​الموارد. ويأتي الكشف عن هذه المدينة الضخمة، خلال الأسبوع الجاري، بعد خطط لحديقة ترفيهية واسعة، ومنتجع سياحي، وتخصيص 4.8 مليار دولار للواجهة البحرية في جدة على ساحل البحر الأحمر.

وتماشيا مع المخطط الذي أطلق عليه «رؤية 2030»، فإن المشروع لا يعد مشروعا إن لم يكن طموحا، حيث لم تتمكن أي مدينة في منطقة الخليج المليئة بناطحات السحاب في الرمال، سواء كانت أبوظبي أو الدوحة، حتى الآن من مواكبة دبي كمركز أعمال دولي، ناهيك عن التفوق عليها.

واستغرق الأمر عقودا لتطوير دبي إلى وجهة سياحية، مع وجود 2.9 مليون نسمة مقيمين بها، ويوجد بها أطول برج في العالم، والمقر الإقليمي لبنوك دولية مثل ستاندرد تشارترد بي إل سي. ويعد مطار دبي الدولي هو الأكثر ازدحاما في العالم بعد أتلانتا وبكين.

ومع ذلك، فإن المدينة المخطط لها لن تتنافس مع دبي، بل المطلوب أن تكملها مع أجزاء أخرى من الخليج، وفقا للأمير «محمد بن سلمان». وقال إنه سيخلق «طلبا جديدا، وليس الطلب نفسه من دبي». وسوف يساعد دبي، ويساعد البحرين. وسيساعد هذا المشروع الكويت بشكل خاص، حيث ستتمكن من التصدير إلى أوروبا بشكل أسرع وأرخص من الآن.

المستقبل الجديد

ويتكون مسمى «نيوم» من شقين، «نيو» أي الجديد، وأول حرف من الكلمة العربية «مستقبل». وستقع هذه المدينة جزئيا في منطقة تعرف باسم رأس الشيخ حميد، وهي شبه جزيرة من الأراضي تقع على بعد حوالي 31 ميلا (50 كيلومترا) عن مياه البحر الأحمر، على الطريق الساحلي السعودي.

وتم تخصيص نحو 10 آلاف ميل مربع (25 ألف و900 كيلومتر مربع) لتنمية المنطقة الحضرية التي ستمتد إلى الأردن ومصر. وتم اختيار المنطقة بسبب «موقعها الاستراتيجي»، وقربها من طرق الشحن الدولية. ووقعت مصر هذا العام معاهدة لإعطاء السعوديين جزيرتين أساسيتين لربط المشروع بسيناء، هما جزيرتا تيران وصنافير.

ويعرف الأمير بالفعل ما يريد أن يحول إليه هذا الشريط من الساحل. وسيبدأ خليج نيوم كمركز عملياتي للمدينة. ولكن هذا لا يعني المزيد من فرص العمل للسكان الشباب السعوديين. حيث قال الأمير بن سلمان: «ليس من واجب نيوم خلق فرص عمل للسعوديين. واجب نيوم هو أن يكون مركزا عالميا للجميع في العالم أجمع».

جمع المال

وترتكز «رؤية 2030» السعودية على إنشاء أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، وهو ما يقدر بنحو 2 تريليون دولار من الأصول التي ستقود الاستثمار وتخلق فرص العمل. وقد خصص الصندوق بالفعل 20 مليار دولار لصندوق استثمار في البنية التحتية الأمريكية، مع شركة بلاكستون غروب، و45 مليار دولار لصندوق التكنولوجيا الذي تديره شركة سوفت بنك.

ومن أهم عوامل التوسع في دبي، تدفق الاستثمارات الأجنبية والعمال الأجانب الذين يمكنهم العيش بحرية أكبر مما هو عليه في معظم الأماكن الأخرى في الخليج. حيث يتم التسامح مع شرب الكحول، وكذلك البيكيني، وخصصت حكومة الإمارات أراض للكنائس والمعابد.

وفي المملكة العربية السعودية، مهد الإسلام، يبقى الخمر ممنوعا، وتغلق الشركات للصلاة عدة مرات في اليوم. ويحظر على النساء القيادة (من المقرر أن يتغير القانون العام المقبل)، ولا يزال الاختلاط بين الجنسين محدودا على نطاق واسع في المناطق العامة. وتم انتقاد البلاد بسبب تصديرها للوهابية، وهي تفسير أصولي من الإسلام السني ألهم الجماعات المتطرفة، بما في ذلك القاعدة والدولة الإسلامية.

وشاح وردي

ويظهر فيديو ترويجي، صدر الثلاثاء، نمط حياة غير متوفر حتى الآن في المدن السعودية.

وقد أظهر امرأة تركض بحرية في ثياب رياضية في الأماكن العامة، وتعمل جنبا إلى جنب مع الرجال، مع فرقة موسيقية تعزف على الآلات. وأظهر كذلك امرأة ترتدي الحجاب وكان رأسها مغطى بوشاح وردي منقوش. وعلى الرغم من أن المدينة المستقبلية ستكون صديقة للأعمال، إلا أن الحكومة لن تسمح بالكحول.

وقال الأمير السعودي: «يمكننا تطبيق 98% من المعايير المطبقة في مدن مماثلة، لكن هناك 2% لا نستطيع أن نسمح بها، مثل الكحول. أما عن الأجانب، إذا رغبوا في الكحول، فيمكنهم إما الذهاب إلى مصر أو الأردن».

لكن حتى مع المعايير السعودية، فإن المنطقة التي يبنون فيها المدينة محافظة. وعلى طول الطريق الساحلي، لا توجد مرافق سياحية أو مطاعم تسمح للنساء بالدخول، بخلاف منتجع جولدن توليب شارما الذي تم افتتاحه مؤخرا.

وسوف يكون منتجع العقبة الأردني على بعد مسافة قصيرة بالسيارة، وسيكون هناك جسر يربط المنطقة بمصر ومدينة شرم الشيخ السياحية، التي أصيبت مؤخرا بانخفاض في عدد الزوار، بعد أن فجر إرهابيون طائرة ركاب روسية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015.

ورفض الأمير «محمد بن سلمان» المخاوف من الأخطاء السابقة مثلما حدث في حديقة الرياض الرياضية أو مدينة الملك عبدالله الاقتصادية على الساحل شمال جدة. وفي وثيقة رؤية 2030 التي صدرت في أبريل/نيسان من العام الماضي، تعهدت الحكومة بمحاولة إنقاذ المدن الاقتصادية التي «لم تصل إلى تفعيل إمكاناتها».

وأضاف أن: «نيوم قصة مختلفة تماما. وهناك التزام من الحكومة. إننا نعمل على وضع اسمنا في السطر الأول من التاريخ».

كرة القدم الشاطئية

وسوف تبدأ المرحلة الأولية في الربع الأخير من عام 2019، على أن تنتهي من المرحلة الأولى في عام 2025.

وخلال جولة في المدينة للمندوبين الذين حضروا مبادرة الاستثمار في المستقبل في الرياض، صعد الضيوف الدرج إلى جهاز عرض فيديو على شكل كرة قدم، مع صوت محيطي وعرض صور لشباب يرقصون في حفل على السطح، وأوركسترا تعزف الموسيقى، ولعب كرة القدم على الشاطئ.

وفي الوقت نفسه، على الجانب الشرقي من خليج البحر الأحمر، ترقد طائرة كاتالينا، وهي قطعة مهجورة من التاريخ الأمريكي السعودي، يحميها موقعها البعيد. وبلغت درجة الحرارة هناك 47 درجة مئوية، في مايو/أيار العام الماضي، عندما توجه مراسل بلومبرغ إلى المنطقة. مع قليل من أشجار السنط القادرة على تحمل الحرارة في الأفق.

«وستقدم المدينة حياة بلا حدود. وفي عام 2030، سيكون هناك وفرة من وقت الفراغ، ونحن على استعداد للاستفادة القصوى منه»، يختم المعلق الصوتي للجولة حديثه بهذه الجملة.