مفكرون وناشطون سعوديون: بطش غير مسبوق تمهيدا للتطبيع وتصعيد «بن سلمان»

الأربعاء 1 نوفمبر 2017 05:11 ص

«التمهيد لإعلان التطبيع مع (إسرائيل)، وإعلان ولي العهد محمد بن سلمان حاكما».. سببان رئيسيان حددتهما مجموعة من المثقفين والناشطين السعوديين، لحملة الاعتقالات التي طالت العشرات من العلماء والإصلاحيين، فيما يمثل «بطشا غير مسبوق في البلاد».

وأشار هؤلاء المفكرون والناشطون، في ورقة تقدير موقف حول الاعتقالات الأخيرة التي تشهدها المملكة، إلى أنها تهدف إلى «كسر وقمع كل من يحاول التشويش على توجهات الحكم الجديدة، خاصة فيما يتعلق بمشاريع ترفيه المرفهين الملهية للناس عن مطالبات الإصلاح الحقيقية ليستمروا في حالة التخدير».

عوامل قادت لتلك اللحظة

وفي ورقتهم، التي حصل «الخليج الجديد» على نصها، قدم المفكرون والناشطون قراءة في الأسباب التي أدت إلى إقدام النظام الحاكم في المملكة على تلك الاعتقالات والبطش غير المسبوق دون أن يأبه بأحد في الداخل أو الخارج؛ حيث قسموها إلى مستويين أحدهما داخلي، والثاني خارجي.

وبخصوص المستوى الداخلي، تحدثت الورقة عن تشوه كبير في الوعي والأولويات والحقوق والاحتياجات أصاب المواطنين في المملكة.

وذكرت عدة عوامل أدت إلى هذا التشوه، ومنها «حكومة الفرد الواحد على مر العقود الماضية (التي) تمكنت من تفريغ الوطن من أسباب القوة الحقيقية التي تمكنه من النهوض عبر مؤسساته المدنية بمعزل عن الحكومة، وتجعل الشعب قادراً على التصدي للأخطار التي قد تواجهه أحيانا من الحكومة نفسها -كما نعيش هذه الأيام».

وأضافت أنه زاد من ذلك «ما تضفيه الحكومة على نفسها-بمشاركة بعض رموزها- صبغة المشروعية الدينية التي لا تجوز معارضة الحاكم فيها وتجعل قراره وأمره ومرسومه بمقام نص سماوي مقدس».

وتابعت: «ساعد في ذلك تلك الطفرات الاقتصادية التي خدرت المواطن وساهمت في تسويف شعورالاحتياج للمؤسسات والمشاركة في القرار لدى الشعب؛ فصار معتمدا على حكومته، التي اعتمدت اعتمادا كليا على النفط وتتصرف فيه من غير محاسبة ولا شفافية في أسعار بيعه وطريقة تصريف أمواله».

ولفتت إلى أن السعوديين باتوا يعيشون «تحت ظل حكومة تتفضل على شعبها بفتات الدخل الهائل الذي جنته من بيع ما أودعه الله في هذه الأرض خلال عقود السنوات الماضية، وتقمع أي صوت يحاول أن يشاركها الرأي في طرق استثماره أو يعارضها ويبين خطورة بيعه والاكتتاب به».

وبخصوص المستوى الخارجي، لفتت الورقة إلى أن «القوى الكبرى -وبتخطيط منذ سنوات- وجدت ضالتها من خلال الصاعدين الجدد في السيطرة الكاملة على هذه المنطقة الحساسة في العالم التي لا زالت عصية بترابطها الاجتماعي وكنوزها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي وكونها دينيا قبلة العالم الإسلامي (...) وهذا يفسر كثيراً من أسباب سكوت الغرب بكياناته الحقوقية التي تصم بياناتها الآذان عن التخلف الحقوقي الحقيقي الذي تعيشه هذه القطعة الثمينة من الأرض».

واعتبرت أنه «لأجل ذلك - وحين صعدت مؤخرا تلك الفئة الموتورة إلى صنع القرار، وفقد الوطن رغم مستوى الاستبداد فيه سابقا رزانته المعهودة بالتزامن مع صعود المجنون (دونالد) ترامب - ظهر التسارع كبيراً في محاولة تدمير ما تبقى من مفاصل قوة هذه البلاد».

ورأت أن «العجيب سعي تلك الفئة المسيطرة اليوم من حيث تشعر أو لا تشعر إلى تخريب بلادها بأيديها وتمزيق بقية الوشائج وإثارة النعرات والمناطقية في ظل الإملاء والسكوت الإقليمي والدولي لهم ببغية تحقيق مصالح خاصة».

تداعيات متوقعة

وبشأن التداعيات المتوقعة لحملة الاعتقالات، حذر المفكرون والناشطون في ورقتهم من أنها «تنهش في نسيج مجتمعنا وتلاحمه، وتشرخ ما تبقى من ثقة فيما بين قادة البلاد والشعب، وتعجل في طرق مسامير نعش التوازن والاستقرار في البلاد».

واعتبروا أن المملكة تعيش مخاض ولادة دولة سعودية جديدة، مختلفة في مقوماتها عن الأسس التي استندت لها الدول السعودية الثلاث، وهو مخاض تتبلور فيه الدولة وفق «أحادية متسرعة ليست ناضجة التجربة والخبرة، وفي ظل وضع داخلي يتميز بـضعف المقاومة داخل الأسرة الحاكمة للتوجهات الجديدة، وضعف التأثير الشعبي الداخلي (...)، ووضع خارجي يتميز بضعف الدول أو القيادات العربية المؤثرة في المنطقة، وعيش حكومات العالم العربي نشوة انتصارات الثورة المضادة لثورات الربيع العربي».

ولفتوا إلى أن «كل ذلك يأتي في ظل قناعة متخذ القرار اليوم بحالة التجربة الإماراتية في جوانبها الحضارية والاقتصادية والاجتماعية، مع عمق العلاقة الشخصية بين بعض القيادات في البلدين».

وقال المفكرون والناشطون إن حملة الاعتقالات «لا تزال في بدايتها»، متوقعين «هجمات واسعة معلنة على كل الحركات الإصلاحية الحقيقية في البلد، وجميع الأصوات المستقلة من الوطنيين المخلصين».

ولفتوا إلى أن القيادة الجديدة بالمملكة تسعى «لاستئصال أي صوت تسول له نفسه المعارضة أو المشاركة في بث الوعي، ومنعها من التأثير على الرأي العام، خصوصا أن التجربة الإماراتية مغرية لصاحب هذه الأهداف، في ظل ما يشاع من التأثر الكبير على توجهات الحكم الجديد لدينا».

كما توقعوا أن تسعى المملكة، خلال الفترة المقبلة إلى «حملات تشويه وشيطنة وأخونة وقعدنة ودعشنة وقطرنه وعمالة» لكثير من الصادقين والمؤسسات الخيرية والواجهات المؤثرة في أوساط الناس وأصحاب الطرح الجريء الذي لا يروق ولا يتناغم مع الحكومة، و«إبراز رموز متوافقة مع نموذج وسيم يوسف في الإمارات، ومنهجية أصحاب المصالح الشخصية».

هذا بالإضافة إلى «مزيد من حملات الاعتقال للقيادات والناشطين في التيارات والمؤثرين دينيا واقتصاديا وحقوقيا وفكريا ودوليا»، و«إيقاف أي مؤثر إعلامي مما لا يكون نسخة طبق الأصل من الإعلام الرسمي»، و«زيادة التضييق على المساهمات والمؤسسات التطوعية الخيرية في الداخل، وإعادة رسم التوجهات بشكل يخفف الأعباء المالية عن الحكومة، ويجعلها بعد سيطرتها وغموضها في التعامل مع النفط تتعامل أيضا مع المال الخاص والأوقاف الخاصة وأموال الناس بمثل ذلك التعامل».

كما توقعوا «جرأة أكبر على كل المؤسسات ذات الصبغة الدينية الرسمية والقضائية وغيرها، وتفريغها من بقايا المستقلين والمؤثرين الذين حكموا بقضايا براءة للناشطين وأصحاب الرأي، وتمكين غلاة الحكوميين وأشباههم من أصحاب المصالح الشخصية في تلك المؤسسات ممن يرون الحق كله بيد الحاكم ورأيه وقراره وأهوائه».

سبل المواجهة

وفي ختام ورقتهم، طرح العلماء والمفكرون مبادرات مقترحة للتعامل مع الحدث؛ حيث دعوا المواطنين السعوديين إلى «الوقوف بعدل وإنصاف تجاه حملة الاعتقالات التعسفية غير العقلانية، وإعمال الوعي والتأمل وعدم التسليم للتشويه الكلامي الإعلامي»، و«الوقوف مع المعتقلين وبث قضاياهم وتشجيع أهلهم ومساعدتهم في رفع الصوت عاليا أمام الجهات والمنظمات المهتمة (...) وتشكيل مجموعات الدفاع وبث الانتهاكات التي سلبتهم حقوقهم القانونية». 

كما دعوا إلى «بث الوعي في كل مجالاته الشرعي والحقوقي والسياسي والمالي والإداري، وفتح النقاشات ونشر المقالات حول أولويات الإصلاح وآليات الحكم وإدارة شؤون الناس، ووضع اليد على الجرح حول أسباب التدهور الحقيقي الاقتصادي والإداري الذي نعيشه، لعلنا نخرج إلى نتائج يكون من أولها إلغاء سلطة الفرد المطلقة وتعسف مؤسساته المخلصة في طاعته سواء كان ذلك بالظلم أو العدل».

أيضا، أكدوا على ضرورة «بث الوعي الذي طالما تم تشويهه عن آليات استلام السلطة المعتبرة دينيا ومدنيا»، و«التواصل مع رموز المجتمع الحكومية والأهلية لنقل الصورة الصحيحة لهم، وطلب مساندتهم لقضايا المعتقلين بما يستطيعون».

وشددوا أنه «إذا كان المفسدون يريدون عزل النخب المعتقلة عن قيادة الرأي العام، والتأثير فيه في هذه المرحلة، فإن الواقع يشهد بأن لدى المجتمع اليوم وعيا غير مسبوق، وأن لديه القدرة على إبراز قيادات جديدة تتولى زمام المرحلة القادمة التي تتطلب منهم إدراكا واتزانا عاليا، ووعيا بطبيعة الحياة المتسارعة».

وختمت الورقة بالقول: «لا زلنا نأمل من العقلاء في وطننا في شتى مجالاتهم ومسؤولياتهم، وفي الأسرة الحاكمة التي سايرها الشعب الطيب طيلة سنوات، وسكت عن كثير من التجاوزات رغبة في الاجتماع والسلم الأهلي، المبادرة لتهدئة الأمور ومنع تصعيدها، والسعي الحثيث للإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين السابقين واللاحقين، وعدم الاستسلام للفئة الموتورة التي تهدد بإجراءاتها الداخلية والخارجية حاضر البلد ومستقبله».

ولم يعلن الموقعون على الورقة عن أسمائهم، مكتفين بالقول إنهم «مجموعة من المتخصصين والمهتمين بشأن الوطن من العلماء والمهنيين وأصحاب الرأي»، ولافتين إلى أنهم كتبوا ورقتهم في «ظروف أمنية صعبة لا تخفى على أحد».

ومنذ 10 سبتمبر/أيلول الماضي، تشن أجهزة الأمن السعودية حملة اعتقالات شرسة، شملت أساتذة جامعات، ومفكرين، ومثقفين، وكتابا، واقتصاديين، ودعاة، ومحامين، وشعراء، وإعلاميين.

وبررت السلطات السعودية، حملة القمع التي تقوم بها ضد المعارضة بمواجهتها المصالح الخارجية التي تهدد الأمن الداخلي.

ونددت «منظمة العفو الدولية» بحملة الاعتقالات تلك، قائلة إن ذلك «يؤكد أن القيادة الجديدة للأمير محمد بن سلمان ولي العهد، مصرة على سحق حركة حقوق الإنسان في المملكة».

بينما قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، إن «لهذه الاعتقالات دوافع سياسية»، مضيفة: «الاعتقالات علامة أخرى على أنه لا مصلحة حقيقية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تحسين سجل بلاده في حرية التعبير وسيادة القانون».

  كلمات مفتاحية

السعودية السعودية اعتقالات التطبيع إسرائيل محمد بن سلمان

محلل سياسي: السلام الخليجي الإسرائيلي خطة أمريكية مشوهة