فيلم «ملاذ آمن»: هل تجنبنا أرواح الصالحين أخطاء البدايات؟!

الثلاثاء 5 ديسمبر 2017 02:12 ص

فيلم اليوم «safe haven» أو «ملاذ آمن» جاء كتوقيع للمخرج الأمريكي «لاسي هالستروم» على نموذج سينمائي أو تيمة قصصية تناولتها الشاشة السينمائية العالمية مرارًا وتكرارًا.

بل تعددت الأفلام التي أُخذتْ عن روايات من نفس الحبكة الدرامية، وهو ما يثير إشكالية إمكانية تقديم فيلم عن قصة مكررة لنموذج درامي ناجح، لكن على النقيض تمامًا مما هو معروف من أن التكرار يفقد العمل السينمائي رونقه وتألقه.

حقق «ملاذ آمن» إيرادات تجاوزت أكثر من 400 مليون دولار منذ طرحه في دور العرض عام 2013.

والفيلم عن قصة للمؤلف «نيكولاس سباركل»، وسيناريو «ليزلى بوهيم».

أما عن تاريخ تسلسل السياق الذي تناوله الفيلم إجمالًا، فيكفي أن نذكر أن طرفًا منه بدأ مع «جوليا روبرتس» بإخراج «جوزيف روبين» عام 1991 في فيلم «Sleeping With The Enemy» أو «النوم مع الأعداء» عن رواية للأمريكية «نانسي برايس»، مرورًا بفيلم «الأزرق والأسود» عام 1998 للكاتبة الأمريكية «آنا كويندلين» بطولة «جنيفر لوبيز» والممثل «بيلي كامبل»، وأيضًا فيلم «Enough» أو «كفى» لـ«جنيفر لوبيز».

أما تاريخ نفس التيمة القصصية المُمصر أو عبر أعمال تم تمصريها فطويل، ويكفي أن نذكر أعمالاً درامية مختلفة من مثل فيلم «خليج نعمة» بطولة «غادة عادل»، وفيلم «هروب مع سبق الإصرار» سيناريو وحوار «نبيل صاروفيم» وإخراج «يوسف شرف الدين»، وبطولة «جيهان راتب»، و«يوسف شعبان»، ولعله ليس بآخر تلك التيمة المُمصرة مسلسل «لعبة الموت» 2013 من إخراج «الليث حجو» وبطولة: «سيرين عبد النور»، و«ماجد المصري».

التميز ليس له عنوان

ورغم التاريخ الطويل في تناول نفس السياق أو المنظومة القصصية مع اختلاف في التفاصيل بقي فيلم اليوم مميزًا حتى برغم أخطائه.. أما عن التكرار فسبق أن قال فيه «عنترة بن شداد» منذ أكثر من 1500 عامًا: «ما أرانا نقول إلا مكررًا»، كما جُمعتْ القصص الأدبية فتم تصنيفها إلى 32 نموذجًا عالميًا.

يدور «ملاذ آمن» حول امرأة في العشرينيات من العمر «إيرين تيمي» (الممثلة جوليان هوف) تعاني من التسرع في اتخاذ القرارات المصيرية، وأيضًا الانحلال الأُسري الغربي المعتاد، فلا ناصح لها ولا معين، وإنما هي غريبة في بوسطن تحيا في قلب أغراب مثلها، ولا يحاول الفيلم إبراز أهل لها من الأساس، وعلى نحو ميلودرامي مكثف الظُلمة تهرب «تيمي» مسرعة مما يبدو أنه جريمة قتل ارتكبتها.

وفي طريقها إلى ولاية أمريكية بعيدة (مدينة أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا) يبدو ضابط شرطة لا يعمل وسط فريق وهو يتعقبها «كيفين» (الممثل ديفيد ليونز).

وفي بيئة جنوبية جديدة تمامًا على «تيمي»، تبدأ صفحة حياتية أخرى، فتُسمي نفسها باسم آخر، وتعمل نادلة في مطعم للوجبات السريعة، وفي منامها تعاني من ذكريات جنسية قاسية تنتهي بآثار دماء تلطخ وجهها ويديها والحوائط.

وفي أجواء الغموض المفرطة، يترقب المشاهد قصة حب تقليدية بين «تيمي» و«إليكس» (الممثل جوش دوهمال)، ومعاناة «تيمي» من المُتلصصين على حياتها الخاصة من ناحية أخرى بخاصة «جو» «الممثلة كوبي سملرز» الغامضة في ذاتها، والتي تكثر من سؤال «تيمي» عن سبب غموضها.

أما «إليكس» فصاحب محطة للبترول والخدمات التموينية توفيت زوجته إثر إعصار منذ 3 سنوات تاركة له ابنا وابنة في سن الصبا (4، و6 سنوات تقريبًا)، وهو لا يعرف حلًا لإشكاليات حياته الاجتماعية سوى التمادي في العمل والإفراط في مصاحبة الغرباء!

نجح الفيلم مضمونيًأ في نقل تكثيف أجواء الغموض؛ ففيما البطلة تبني حياتها الجديدة، يعمم الضابط الذي يطاردها صورها على جميع الأقسام.

لكن مأمور البلدة الساحلية التي لجأت البطلة إليها لا ينتبه إلى شكلها الجديد، وفور التصاعد الإيجابي للعلاقة بينها وبين «إليكس»، يكتشف الأخير أن لها ماضٍ غامض، وفيما هو ينقم عليها، ويُظهر كرهها، لا يتأخر المخرج؛ فيتدخل بسرعة معدلًا السياق لنعرف أن البطلة «تيمي» متزوجة من ضابط الشرطة الذي يطاردها بشكل شخصي، وأنه لا جريمة عليها؛ إذ إنه مصاب بالسادية، حيث يتلذذ عندما يقسو على الآخرين بخاصة الضعفاء الذين يقدر عليهم، وأولهم زوجته.

ومع انهيار «تيمي» ورغبتها في الهرب من جديد، توقفها «جو» الغريبة لتبث الآمال في نفسها برفق، فيما يقرر «إليكس» أو الحبيب أن يواصل الحياة معها متحديًا ضابط الشرطة.

ومع قرابة نصف الساعة الأخير من الفيلم ننتقل إلى أجواء حركية بحتة إلا قليلًا، من إشعال الزوج المريض نفسيًا للنار في متجر «إليكس» النفطي، وتصدي الأخير له.

أما آخر مفآجأت الفيلم وأكثرها وقعًا فهي أن «جو»، ابنة البلدة صديقة «تيمي»، التي تنتوي الرحيل إلى نيويورك فور استقرار حياة الأخيرة، ما هي إلا زوجة «إليكس» الراحلة.. ترعاه بروحها وطفليها في صورة تعزيز موقف «تيمي» وتوصيتها بهما.

نجاح.. وأوجه قصور

تخلص الفيلم من التفاصيل المُملة لنفس النمط القصصي في «النوم مع الأعداء»، و«كفى»، الفيلمين الأمريكيين المأخوذين عن نفس السياق الدرامي؛ فضابط الشرطة في فيلم اليوم مصاب بالسادية وحب التوحش.. تبسيط جيد للأمر، بخلاف الوسواس القهري في الفيلمين، وأخذ وقت طويل في تبسيطه.

وبخصوص هروب البطلة في الفيلمين المذكورين، وتغييرها الأوراق الثبوتية، قفز فيلم اليوم على هذا السياق أيضًا لحساب تكثيف المضمون مع الموسيقى التصويرية المناسبة، ولقطات الطبيعة الخلابة، لكن فيلم اليوم تمادى في الغموض حتى أكثر من منتصفه.. ثم تورط في الحركة المبالغ فيها (الأكشن)، ثم عاد إلى سياق ما يطلق الغرب عليه الأفلام النفسية لعدم إيمانه بالغيبيات.

ومع نقاط القصور هذه، تلبست فيلم اليوم حالة إيمانية متميزة؛ فروح «جو»، الأم المخلصة والزوجة المحبة لزوجها «إليكس» تحوم حول مقر عمله وسكنه، بل تدفع في طريقه «تيمي» لإدراكها أنها طيبة النفس رغم غموضها.

أما أكثر جمل الفيلم تأثير فهي التي تركتها الأم الراحلة «جو» في رسالة نجت من حريق نهاية الأحداث، وفيها تبشر الجميع بأنهم سيلتقون معها لاحقًا.. ربما بعد سنوات فحسب في العالم الآخر.

فيلم «ملاذ آمن» وإن كان مكرر القصة إلا أن مخرجه نجح في ترك السياقات الداخلية المتشابهة لدى سابق الأفلام، وإن عاب الفيلم تناول مضمون غامض حينا، وحركي مبالغ (أكشن) حينًا آخر.. إلا أن التناول الإيماني المكثف في نهاية الفيلم أهدى إليه باقة نجاح أنعشت روح المشاهد وأعلت من قيمة الفيلم الفنية.

  كلمات مفتاحية

سينما السينما الأمريكية ملاذ آمن safe haven

10 أفلام تساعدك على تجاوز الآلام في عام 2018