مصر تستخدم «التقارب مع تركيا» لضمان مساعدات الخليج وإيران

الخميس 7 ديسمبر 2017 02:12 ص

رصد تقرير اقتصادي مساعي مصر نحو التقارب مع تركيا للضغط على دول الخليج وإيران للحفاظ على دعمها، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي تمر بها دول الخليج، ما دفع مصر للعب بورقة التقارب مع تركيا لضمان المساعدات الخليجية تحت أي ظرف.

وقال المحلل الاقتصادي «عبدالحافظ الصاوي» في تقرير له نشره موقع «العربي الجديد»، إنه مؤخرًا كانت هناك محاولات لإصلاح العلاقات المصرية التركية التي تأزمت عقب الانقلاب العسكري في مصر في يوليو/تموز 2013، والعودة بها إلى ما كانت عليه.

مستدركا أن «السلطات المصرية صدّرت مؤخرًا مشكلة جديدة قد تعوق تلك المحاولات، من خلال الإعلان عما يسمى بقضية التخابر مع تركيا، والتي تضم عددًا من المصريين في الداخل والخارج».

ولفت التقرير إلى الحضور المصري القوي لمؤتمر «نصنع معا» الذي أقيم في تركيا ما بين (26 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 1 ديسمبر/كانون الأول الجاري) حيث ضم رجال أعمال مصريين وأتراكا، ولوحظ حضور جميع رجال الأعمال الممثلين للجانب المصري، حيث حضر من القاهرة ممثلون عن جمعية رجال الأعمال المصريين، واتحاد الصناعات المصرية، والاتحاد العام للغرف التجارية المصرية.

وزاد التقرير أنه تم خلال المؤتمر توقيع شراكات بين الجانبين بحوالي 51 مليون دولار كاستثمارات من الجانب التركي ستتوجه إلى مصر، وذلك في مجالات الصناعات الهندسية والغذائية وقطع غير السيارات، كما أعلن عن استهداف زيادة قيمة التبادل التجاري بنحو 30% عام 2018.

إضافة إلى الإعلان عن عودة السياحة التركية لمصر، خلال الأيام القليلة الماضية، عبر أول فوج يضم نحو 50 سائحا تركيا، بعد انقطاع الرحلات السياحية التركية لمصر لنحو 4 سنوات.

الاستفادة المصرية

وأكد التقرير أن «تجسير العلاقات السياسية عبر بوابة الاقتصاد لن يكون لأسباب سياسية فقط، فهناك أيضًا مزايا اقتصادية تستفيد منها الدولتان، فعلى الصعيد المصري، فإن استمرار القاهرة في الاعتماد إقليميًا على دول الخليج، قد يعرّضها لمخاطر تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية في الخليج، خلال الفترة القادمة، بسبب التداعيات الاقتصادية والسياسية، وبالتالي فتركيا تتمتع بقوة اقتصادية ذات قاعدة إنتاجية يمكن الاعتماد عليها بشكل أفضل».

كما أن مصر في ظل أزمتها الاقتصادية، تحاول أن تعدد أوراق اللعب في يدها إقليميًا، فهي تناور كلا من الخليج وإيران بالتقارب التركي، كما تضمن بالمساومة بهذه الورقة أن يستمر دعم الخليج مهما كانت الأزمة الاقتصادية التي تعيشها دوله الحريصة على ألا تكون تركيا قوة إقليمية فاعلة على حساب دول الخليج.

الاستفادة التركية

وعلى الجانب التركي، قال التقرير إنه «ليس من السهل أن يتم التفريط في سوق بحجم سكان مصر، والذي وصل إلى 106 ملايين نسمة، ويحظى بنسبة نمو سكاني عالية تبلغ 2.5% سنويًا، وعلى الرغم من أن هناك تواجدًا ملحوظًا لتركيا اقتصاديًا في مصر، ولم يتأثر سلبيًا بشكل كبير بسبب الأزمة السياسية على مدار السنوات الأربع الماضية، فإن التحدي يفرض زيادة التواجد التركي في السوق المصرية، حتى لا يتعرض للانزواء والتراجع لصالح اقتصاديات أخرى، على رأسها الصين».

وثمة مزايا أخرى تتمتع بها السوق المصرية، منها توقيع اتفاقيات إقليمية اقتصادية لمصر مع الكوميسا تنطلق إلى السوق الأفريقية، واتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، واتفاقية المنطقة العربية الحرة، وكل هذه الاتفاقيات تجعل من المنتج التركي المصنوع في مصر يتمتع بمزايا قواعد المنشأ التي تسمح له بالاستفادة من الإعفاءات الجمركية الممنوحة بموجب هذه الاتفاقيات، ولذلك دومًا كانت الاستثمارات التركية تركز في مصر على المجال الصناعي، خاصة في قطاع النسيج.

كما أن الاتفاقيات التي وقّعت في مؤتمر «نصنع معًا» في تركيا، تقدم مزايا تنافسية لمصر، حيث إن جانبًا كبيرًا من تلك الاستثمارات سيوجه لصالح الصناعات الهندسية المعنية بإنتاج الماكينات وخطوط الإنتاج وقطع الغيار، وهي نقطة ضعف كبيرة لمصر، تكلفها سنويًا مليارات الدولارات، وتمثل واردات حتمية، تستنزف إيرادات الدولة من العملات الصعبة، وإنتاجها في مصر يعفيها من هذه التكلفة.

تغليب المصالح

وقال التقرير إن «التحام الاقتصاد والسياسة مسلّمة يخضع لها الجميع، وتفرض نفسها من خلال الواقع، وبلا شك فإن واقع منطقة الشرق الأوسط يموج بالمتغيرات المتسارعة، والتي من الصعب التنبؤ بمستقبلها، في ظل مخططات اللاعبين الدوليين، الذين يستهدفون إضعاف كل القوى الإقليمية لصالح دولة الكيان الصهيوني».

وتابع: «تتبدى مصالح كل من مصر وتركيا في عودة العلاقات السياسية والدبلوماسية، وكذلك زيادة حجم العلاقات الاقتصادية، ولكن ما سيحسم مستقبل العلاقات إيجابًا أو سلبًا، هو ميزان كل طرف لمصالحه، هل ستكون في ظل استمرار العلاقات الكاملة والعمل على توطيدها، أم استمرار الوضع الحالي، أم مزيد من القطيعة وتراجع العلاقات».

وأضاف: «من صالح المنطقة ككل أن تعود مصر دولة إقليمية قوية، لتنضم إلى تركيا وإيران، ولن يتحقق لمصر استعادة قوتها الإقليمية إلا من خلال تمتعها بمزيد من الاستقلالية الاقتصادية، وتخليها عن دور الاعتماد على المنح والمساعدات والقروض، وتبني الطرح التركي بالدخول في شراكات حقيقية في المجال الاقتصادي، فضلًا عن التعاون بين البلدين في مجال التسليح والذي بدأ قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وتتمتع تركيا في هذا المجال بوضع أفضل من ذي قبل».

حجم التجارة بين البلدين

والجدير بالذكر أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ ما يزيد على 5 مليارات دولار عام 2012، وتراجع إلى 4.1 مليارات دولار في 2016، وخلال الفترة من يناير/كانون الثاني - أغسطس/آب 2017 بلغ نحو 2.7 مليار دولار.

ويعود تراجع التبادل التجاري بين البلدين، خلال الفترة من 2012 - 2016، إلى أسباب تتعلق في معظمها بالوضع الاقتصادي لمصر، سواء بسبب عدم توفير العملات الأجنبية، أو بتلك الإجراءات التي اتخذتها مصر للحد من الواردات، وتحجيم العجز التجاري، وهي إجراءات لم يكن مقصودا بها تركيا على وجه الخصوص، ولكنها طبقت تجاه إجمالي الواردات المصرية.

ووصل عدد الشركات التركية في مصر إلى نحو 305 شركات، تضم 75 ألف عامل، وباستثمارات تقدر بنحو ملياري دولار، وطبيعة الاستثمارات التركية في مصر وضمها لهذا العدد من العمال، حدّ من إمكانية مصر في اتخاذ قرار بطرد المستثمرين الأتراك عقب تأزم العلاقات السياسية بين البلدين.

وقد تكون الخطوات على الصعيد الاقتصاد تمهيدا لعودة العلاقات السياسية والدبلوماسية، التي تعاني مشكلات كبيرة، ولكن الخطوات التمهيدية عبر الاقتصاد لم تكن وليدة مجرد رغبة لعودة العلاقات السياسية، ولكن هناك دوافع أخرى إقليمية، جعلت تركيا تعيد حساباتها لعودة العلاقات مع مصر.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر تركيا الخليج العلاقات المصرية التركية