2017 خليجيا.. إيران تواصل الصعود على حطام «مجلس التعاون»

الأربعاء 20 ديسمبر 2017 01:12 ص

لم يتخيل الكثيرون ونحن نستقبل عام 2017 أن يشهد هذا الكم الهائل من المتغيرات الدراماتيكية في العلاقات الخليجية، التي خلفتها موجات تصعيد نوعية، لم يقتصر تأثيرها على دولة واحدة بل امتدت لتضرب شاطئ «مجلس التعاون الخليجي» برمته، وما زالت هذه المتغيرات مستمرة في إعادة تشكيل العلاقات بين دول المجلس، وكذلك في رسم خريطة التحالفات الخارجية لها.

ففي الخامس من يونيو/حزيران الماضي، استيقظ القطريون على خبر مقتضب وصادم يقول إن جيرانهم قاطعوهم وحاصروهم من البحر والجو والبر، بذريعة رعاية الدوحة للإرهاب.

تكون حلف القطيعة أولا من السعودية ومصر والإمارات والبحرين وانضمت لهم لاحقا المالديف وجزر القمر وموريتانيا وتشاد، فيما اكتفى الأردن بتخفيض تمثيله الدبلوماسي مع قطر.

وأكدت الحكومة القطرية للمواطنين والمقيمين أن الوضع المعيشي لن يتأثر بالحصار، فيما سارعت تركيا وإيران وعمان ودول أخرى للإعراب عن استعدادها لشحن المواد الغذائية بشكل عاجل إلى قطر.

في البداية، أظهر الرئيس الأمريكي ميلا لدول الحصار وكشف أن بعض قادة الخليج حرضوه في قمة الرياض على قطر وأكدوا له أنها تدعم الإرهاب، لكن موقفه ما لبث أن تحول إلى الحياد والمطالبة بالحوار.

أما الكويت فقد أعلنت عن توسطها لحل الأزمة، وفي الثامن من يونيو/حزيران انطلق أميرها الشيخ «صباح الأحمد الجابر الصباح» في جولة خليجية طارئة، سعى من خلالها لنزع فتيل الشقاق بين الإخوة والجيران.

لاحقا، سلمت الكويت لقطر مطالب قدمتها دول الحصار بينها إغلاق قناة «الجزيرة» والقاعدة العسكرية التركية وتسليم شخصيات بينها الشيخ «يوسف القرضاوي» وخفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران.

ولكن الدوحة رفضت كل هذه المطالب ودعت لحل الأزمة عبر حوار لا ينتهك سيادة الدول، فيما واصل وزير الخارجية جولاته الخارجية لإطلاع العالم على رؤية بلاده للأزمة.

وبرغم الآثار الاقتصادية السلبية التي واجهت قطر في الأيام الأولى من الحصار إلا أن تلك الآثار تبددت تدريجيا في ظل نمو المبادلات التجارية للدوحة مع العالم الخارجي، والإجراءات السريعة التي اتخذتها الدولة.

فقد أظهرت البيانات أن واردات قطر قفزت 11.2% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي مسجلة ما قيمته 12.3 مليارات ريال (3.4 مليارات دولار)، كما زادت بنسبة 52.9% عن الشهر السابق.

وتشير البيانات أيضا إلى أن الحصار لم يعطل الصادرات القطرية بشكل يذكر، حيث قفزت هي الأخرى بنسبة 11.9% على أساس سنوي لتبلغ 21 مليار ريال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما رفع الفائض التجاري بنسبة نمو قريبة من 13% لتصل 8.7 مليارات ريال (2.4 مليارات دولار).

ومما عزز صمود قطر أمام الحصار احتياطات الغاز الضخمة وتمتع سكانها بالدخل الأعلى عالميا واحتياطات النقد، إضافة إلى أكثر من 335 مليار دولار استثمارات للصندوق السيادي القطري في مختلف أنحاء العالم.

تركيا وإيران

لكن خطة قطر اعتمدت بالأساس على تجاوز الحصار عبر البحث عن بدائل وشركاء اقتصاديين وعسكريين جدد.

فقد حل الصلب الماليزي مكان نظيره السعودي، وأعادت سلطنة عمان تصدير مواد لقطر سبق أن استوردتها من الإمارات، كما خطت الصين سريعا لتعويض قطر بعشرات المنتجات، بل إن بعض الموردين من دول الحصار قاموا بإعادة شحن المواد إلى قطر عبر الموانئ العمانية.

لكن التطور الأبرز كان في العلاقات مع تركيا حيث أحدث الحصار طفرة في العلاقات بين البلدين، فبعد يوم واحد من بدء الحصار، صادق البرلمان التركي بالأغلبية على اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري بين الدوحة وأنقرة.

وعلى نحو سريع شوهدت صور طلائع القوات التركية في الدوحة، ثم تتابع وصول دفعاتها طيلة الأشهر الماضية، مما كشف عن عمق التحالف بين الدوحة وأنقرة وعن استعدادهما لمواجهة أي عمل عسكري قد يقدم عليه الجيران.

وبدأت تركيا بتزويد قطر بكل احتياجاتها التي تسبب الحصار في نقصها، وبشكل سريع بدأ التباحث حول كيفية تجاوز عقبة الجغرافيا لتعزيز وتسريع التعاون التركي القطري، وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني وقعت إيران وقطر وتركيا مذكرة تفاهم للتعاون في مجال النقل بحضور وزراء التجارة في الدول الثلاث بطهران، ونصت المذكرة على تسهيل حركة النقل بين هذه الدول، وتيسير عبور البضائع، وعلى التعاون في مجال النقل البري والبحري.

ووفقا للاتفاقية، تعتبر إيران البلد الذي سيوفر التسهيلات الخاصة بالعبور والنقل التجاري بين تركيا وقطر، كما تنص الاتفاقية على تكوين مجموعة عمل تمثل الدول الثلاث، وتجري 3 اجتماعات تقييمية سنويا.

ويبدو جليا أن طهران وجدت في الأزمة الخليجية فرصة ذهبية لتقوية اقتصادها بعد العقوبات الدولية المفروضة عليها، حيث مثل السوق القطري رغم صغر حجمه فرصة أمام المنتجات الإيرانية، وخاصة السلع الزراعية.

طبيعة هذه الفرصة عبر عنها رئيس اتحاد المصدرين الإيراني «محمد لاهوتي» حين قال: «إن قطر لا يمكنها تفعيل علاقاتها التجارية إلا عبر إيران، وهذا يخلق فرصة مهمة جدا لإيران من الناحية الاقتصادية».

ويعتبر التبادل التجاري بين إيران وقطر أفضل مؤشر على تطور العلاقات بين البلدين بعد حصار قطر، فقبل بروز الأزمة الخليجية كان التبادل التجاري في أدنى مستوياته مقارنة مع الدول الخليجية الأخرى، إذ لم يتجاوز حجم التبادل بين البلدين سنة 2016، نحو 18 إلى 20 مليون دولار، لكنه قفز إلى عشرة أضعاف بعد الأزمة الخليجية ليصل الحجم من 200 إلى 300 مليون دولار سنة 2017.

وبحسب المدير العام لمؤسسة الموانئ الإيرانية «سيد عطاء الله صدر»،  فإن ما يقارب من 1100 طن من المواد الغذائية التي تشمل الفواكه والخضروات، يتم تصديرها يوميا من موانئ المحافظة باتجاه قطر، وقد خصصت طهران ميناء بوشهر للتبادل الاقتصادي بين إيران وقطر، من أجل تنمية الصادرات الإيرانية للدوحة، وذلك نظرا لقرب ميناء  بوشهر من قطر.

التحالف السعودي الإماراتي

على الضفة الأخرى، سارعت السعودية والإمارات في تعزيز تحالفهما وخاصة بعدما رفضت الكويت وعمان أن تكونا جزءا من ذلك التحالف المتهور، ولم تتوقف الزيارات بين ولي عهد السعودية «محمد بن سلمان» وولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد».

وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول، وقبل ساعات من انطلاق القمة الخليجية التي حظيت بتمثيل هزيل من قبل دول الحصار، تم الإعلان عبر بيان إماراتي عن إنشاء لجنة مشتركة لتنسيق التعاون في المستويات السياسية والعسكرية والتجارية والثقافية.

هذا التحالف المعلن، واقعيا لم يتسبب في زيادة الضغط على قطر، ولم يعزز التحالف العملي بين السعودية والإمارات بقدر ما مثل عامل إضعاف وهدم لفكرة «مجلس التعاون الخليجي»، ما جعل الشكوك تزداد حول مدى تأثير وتأثر منظومة التعاون الخليجي مستقبليا.

وبالرغم أن السعودية والإمارات لديهما الكثير من المصالح الاستراتيجية المشتركة، وبالرغم من الإعلان عن لجنة تعاون وتنسيق أمنية واقتصادية مشتركة بين البلدين، فإن الوقوف عن قرب على الديناميكيات الجيوسياسية داخل مجلس التعاون لدول الخليج يكشف أن تحالف الدولتين يمكن أن يكون أضعف مما هو ظاهر، كما ذكر موقع «ناشيونال إنترست» الأمريكي.

ففي اليمن، على سبيل المثال، تساند كل من السعودية والإمارات قوى مختلفة ومتنافسة، وكانت الدولتان تبنتا نهجين متناقضين تجاه الحرب في سوريا.

ونظرا إلى أن الدولتين درجتا على استخدام القوة العسكرية والمبادرات الدبلوماسية الأحادية لتشكيل نظام المنطقة وفقا لرؤية كل منهما، فإن التوترات المتوقع ظهورها بين هاتين الرؤيتين المتنافستين تبدو منطقية.

الكويت وعمان

أدى التعامل الحاد مع قطر خلال الأزمة الحالية إلى تعزيز مخاوف الكويت وعمان من مواجهة مصير قطر في حال الدخول في أي خلاف مع الرياض أو أبوظبي.

فقد أظهر موقف الكويت وسلطنة عمان من الأزمة الخليجية أنهما تدركان إمكانية وضعهما مكان قطر، فما تدعيه السعودية والإمارات عن قطر ينطبق بشكل أكبر على سلطنة عمان وكذلك الكويت، خصوصا فيما يتعلق بإيران.

لم يمنع سيل اتهامات دول الحصار لقطر بالتعاون مع إيران، من إرسال الكويت وعمان وفود عالية التمثيل في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، وحملت هذه الخطوة في ذاتها دلالات هامة تتمثل في إرسال رسالة لدول الحصار مفادها أن الإجراءات العقابية لقطر لن تؤدي إلا لمزيد من أزمة الثقة داخل دول مجلس التعاون والتي ستتجلى في تحركات سياسية خارجية أكثر استقلالا، بل وفي السعي الحثيث عن شركاء إقليميين يتمعتون بقدر أعلى من الثقة.

وجدت الكويت في تركيا فرصة لتعزيز علاقتها بها، وخاصة بعد أن أبدت أنقرة وفاء بالتزاماتها تجاه الدوحة، وخاصة في الجانب الدفاعي، فالكويت كانت على علم بمخطط الغزو العسكري لقطر من قبل دول الحصار، بل صرحت بذلك علانية، وافتخرت بأنها ساعدت في عدم تحول الحصار الاقتصادي لتدخل عسكري مباشر.

وفي منتصف سبتمبر/أيلول 2017، وقعت الكويت حزمة من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية النوعية التي بدت وكأنها محاولة احترازية من الدولة الوسيطة في الأزمة الخليجية، لتعزيز بدائلها مخافة أن يصيبها ما أصاب قطر.

أما عمان التي لم تتخذ موقفا معلنا تجاه الأزمة الخليجية، فقد استفادت من موقفها المحايد حيث شهدت حركة الملاحة والشحن في ميناء «صحار»، رواجا كبيرا، بسبب الحصار المفروض على الموانئ البحرية القطرية.

ولا تخشى مسقط من محاولات الهيمنة السعودية وحدها، بل قلقها الأكبر ينبع من الدور المتزايد للإمارات جنوب اليمن ودعمها للحركات الانفصالية والحراك الجنوبي، وكذلك محاولات الإمارات لتطوير قاعدتها العسكرية في جزيرة «سقطرى» اليمنية، التي تقع عند مدخل خليج عدن، بالقرب من عمان.

وتخشى مسقط من سعي الإمارات بكل قوة لبسط نفوذها جنوبي اليمن لمنافسة الاستثمارات العمانية الصينية في تلك المنطقة، والمتركزة على مشروع الميناء العماني في «الدقم»، وهو ما قد تعتبره عمان محاولة لتطويقها اقتصاديا.

ويمكن القول إن المخاوف من الدور السعودي والإماراتي، فضلا عن جملة المصالح الاقتصادية التي تحصلت عليها مسقط من لجوء الدوحة إليها، مثلت دافعا رئيسيا في الاستمرار بسياسة النأي بالنفس التي تنتهجها عمان، بل دفع ذلك عمان إلى تعزيز تحالفاتها الخارجية وخاصة مع إيران.

لذا فمن الطبيعي أن تكون إيران الحصان الفائز وسط الأداء الخليجي الفوضوي خلال 2017،  فبالرغم من حالة الإجماع الخليجي ضد إيران في عام 2016، فقد مثل عام 2017 بوابة مثالية لإيران لإعادة ترميم علاقاتها مع بعض دول الخليج وخاصة المتضررة من السياسات المتهورة للحليفين ذوي النفوذ «محمد بن سلمان» و«محمد بن زايد».

  كلمات مفتاحية

مجلس التعاون الخليجي الأزمة الخليجية حصار قطر دول الحصار العلاقات الخليجية الإيرانية

لاريجاني: حزينون على حصار قطر.. ولدينا علاقات عريقة معها