فيلم «ذئب وول ستريت»: دي كابريو ينافس «بلفورت» و«سعيد صالح»!

الأربعاء 20 ديسمبر 2017 10:12 ص

فيلم »ذئب وول ستريتThe Wolf of Wall Street » قفز إلى أذهان العالم بخاصة المصريين مؤخرًا بعدما اشتكى «غودرن بلفورت» بطل قصة الفيلم الحقيقي من عملية نصب واحتيال غريبة تعرض لها خلال الشهر الجاري، إذ أن «بلفورت» أحد أشهر النصابين تم خداعه من جانب مجموعة من المصريين الذين أوهموه بتنظيمهم لندوة أو ما شابه يمكن أن يعرض خلالها جهوده في الجانب المشرق من مسيرته، إن كان لمسيرته جانب مشرق، أو فيما يخص التسويق والمبيعات.

وبعد أن اتفق «بلفورت» مع المنظمين عبر الشبكة العنكبوتية وحددوا له موعدًا للحضور إلى القاهرة وباعوا تذاكر للراغبين في الحضور للاستفادة من خبراته اكتشف الرجل الذي نصب على الآلاف وحقق ملايين الدولارات من الأموال الحرام أنه تم النصب عليه، واستغلال اسمه للترويج للوهم لا أكثر، ومن هنا ناشد السلطات المصرية التدخل لإعادة ثمن التذاكر إلى الذين تم النصب عليهم باسمه، وهو الذي طالما استخف بالسلطات الأمريكية!

على أن فيلم المخرج «مارتن سكورسيزي» الذي نتناوله اليوم يثير إشكاليات أخرى فنية وواقعية أولها: هل الفن منفتح على الواقع يساوي محاولة النقل الصوري أو ما يُسمى شعبيًا بـ«نقل المسطرة»، بلا تدخل يُهذب من الصورة المنقولة أو يُحسن منها أو حتى ينقلها دون إسفاف؟ (الصورة لمخرج الفيلم مارتن سكورسيزي مع بطله رونالدو دي كابريو).

فيلم اليوم البالغ طوله قرابة 180 دقيقة منعت دول عرضه بسبب ما قالت إنه المستوى المتدني له، فيما عرض في بعض الدول العربية لمدة 120 دقيقة بعد حذف ساعة كاملة من المشاهد المقززة التي تفوق في أحيان كثيرة القدرة على التحمل ومواصلة المشاهدة أو تستدعي الشعور بالغثيان.

ومع كل هذا قال العالمون ببواطن الأمور الملمون بما كان يفعله «بلفورت» في الواقع بأن الفيلم مهما فعل فلا يمكنه ان يقدم صورة حقيقة من فساده، أي أن «سكورسيزي» صاحب فيلم «العراب» بأجزائه الثلاثة، وهو الفيلم الذي يعد علامة فنية في مسيرة السينما الأمريكية منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي أو تاريخ إنتاج جزئه الأول، أي إن المخرج و«دي كابريو» تجاوزا الممكن فنيًا والمتاح خلقيًا بمراحل ليقدما صورة من حياة شخصية أو سيرة ذاتية فجلبا الامتعاض والتقزز إلى نفس المشاهد ولم يستطيعا محاكاة أو تصوير أو حتى مجاراة الواقع.

ورغم كل ما سبق رُشح الفيلم لـ5 جوائز أوسكار من بينها أفضل بطل رئيسي وأفضل بطل مساعد (جوناه هيل)، وأفضل مخرج وأحسن فيلم لعام إنتاجه (2013)، وإن لم يكن الفيلم فاز بأي من تلك الجوائز، وإن كان الأوسكار تأخر عن «دي كابريو» حتى العام الماضي عن فيلمه «العائد»، إلا أن «ذئب وول ستريت» فاز عنه «دي كابريو» بالفعل بجائزة «غولدن غلوب» كأفضل ممثل في ازدواجية واضحة للمعايير التي يتم عليها منح الجوائز السينمائية الغربية.

«دي كابريو» يتحدث مع مُشاهدي الفيلم

على أن إحدى الإشكاليات المهمة التي يثيرها فيلم الليلة تخص «دي كابريو» نفسه البطل الذي يدور في فلك الثلاثينيات من عمره، وتحقق أفلامه أرباحًا خيالية، ويُعد العمل معه شهرة في حد ذاتها، إذ يبدو أن المساحة التي لم يكن يقبل لنفسه تجاوزها من قبل وتخص ظهوره عاريًا تمامًا ومقارفته الخطيئة مرارًا على الشاشة.. يبدو أن تلك المساحة زالت من نفسه تماما، واليقيني أنه فهم أن الشهرة تتيح له أن يفعل أي شيء على الشاشة أيًا ما كان.

كاتب سيناريو الفيلم في حيلة مكشوفة عمد إلى تحويل جزء من كتاب النصاب السابق الأشهر «بلفورت» «لعبة المال والجنون» إلى ناريشن أو تعليق صوتي لـ«دي كابريو» على المشاهد المختلفة بخاصة في بدايتها، والتقنية الفنية المعروفة للتغلب على صعوبات تصوير بعض المشاهد الصعبة في الأفلام بحكاية مضمونها، أو لإشعار المُشاهد بالدقيق والخفي من مشاعر الأبطال التي يصعب تجسيدها على الشاشة تم تحويلها بقدرة قادرة لإذابة المساحة الفنية والسينمائية بين البطل والمُشاهد، أي أن «دي كابريو» أراد منها إشعار المُشاهد أنه «ذئب وول ستريت» الفعلي أو «بلفورت»، وعما قليل عبر أحداث الفيلم تحول الناريشن إلى حوار بين بطل الفيلم والمشاهد يُعدل فيه «دي كابريو» من رؤية المشاهد للأحداث ويُوجهها، ويعترف من خلالها بارتكاب مآسي فنية وأخلاقية أكثر من تلك التي تتراقص على الشاشة طوال الوقت، (الصورة لـغودرن بلفورت الحقيقي شارحًا حيله التسويقية).

وعبر تكثيف وتصارع هذه المشاهد يشعر المُتفرج على الفيلم أن البطل الأمريكي ذي الأصول الإسبانية صار هو الفيلم، فلا إخراج ولا ممثلين آخرين يجارونه في الأداء فهو المتفوق على الجميع حتى أن مشاهد سجنه ومن قبل طرده من العمل يتم التغلب على ظهوره فيها أو اختزالها أو إبدالها بضوء باهر بدلًا من البطل وخزيه وافتراض ندمه على الخطايا التي ارتكبها.

الرأسمالية الغربية و«سعيد صالح»

الهيكل العظمي المكشوف لفيلم الليلة أو الغطاء الفني المهلهل هو حق التملك الفردي المقدس حتى لو أصاب المجتمع والدولة إصابات بالغة، على أن الأمر لا يعد الثغرة القانونية الأكبر أو الخطيئة الغربية الأولى والأخيرة إلا للمتعمد المداومة عليها حتى ليفضح نفسه والمجتمع الذي يضطر في النهاية لمدارة الفضائح بالمال المُسترد إخفاء لعوراته وإبقاء على المنظومة الاقتصادية وفي النهاية لا يُعرفُ على وجه الدقة مَنْ المخطئ الأبرز: الإجرام الفردي المستغل لثغرات القوانين الرئيسية والنظم الفلسفية الاقتصادية أم المجتمع أم الاثنان معًا؟

تبدأ أحداث الفيلم باليوم الأول لبطله في عالم وول ستريت حيث يلتقطه أحد سماسرة البورصات «مارك هانا» أو (ماثيو ماكونهي)، وهو الذي يعلمه أن تناول الكوكايين في مقر الشركة يزيد من نشاطه في النصب على الآخرين عبر سماعة الهاتف، وظاهرة الـ«Boiler Room» أو غرفة المرجل أو السخان، أو ظاهرة النصب والاحتيال الهاتفي على عملاء وإقناعهم بنبرة واثقة بضرورة شراء أسهم عبر مكاتب غير مرخصة ولا قانونية.

ولأزمة مالية كبرى في وول ستريت عام 1987 يضطر «بلفورت» لتكوين شركته الخاصة الصغيرة مع مجموعة من مدمني الخمر والمجرمين الذين يعلمهم بيع كل شيء وأن العميل مطلوب اغتصابه، بل يتيح لهم العاهرات والمخدرات بأنواعها في مقر الشركة.

من هنا تغادر حياة «بلفورت» زوجته ذات الضمير «تيريزا بترلوا» أو (كريستين ميلوتي)، ومن ملاحظة اسمها يبدو الجانب الحسن في شخصيتها، و«تيريزا» إحدى حسنات الفيلم القليلة للأمانة بدور هامشي مُشرف، وبإزاحتها تملأ الشاشة الشابة «نعومي لأباغلي أو (مارغوت روبي بدور ينافس «دي كابريو» البطل بقوة في الانزلاق خلف التوابل السينمائية من إثارة وما شابه بعيدًا عن التمثيل الحقيقي، إذ يزداد البطل ثراء وفُحشًا وتنافسه زوجته بقبولها لخيانته ما دامت الملايين تجري بين يديه .. والعملاء المُنصوب عليهم يزداد عددهم والشركة تكبر .. والأموال المصادرة يقوم أهلها بتسريبها إلى سويسرا، وعلى رأسهم عمتها «إيما أو (جونا لوملي)، وكل هذه المنظومة الفاحشة بإشراف والد البطل «ماكس بلفورت أو (روب رابتر)، ومساعدة صديق العمر «دوني أزوف» أو «جونا هيل»، (الصورتان لبطل الفيلم في الواقع وبطله على الشاشة أو غودرن بلفورت ورونالدو دي كابريو).

وعندما يضطرب مجتمع نيويورك المالي بفعل أفعال «بلفورت وشركائه الكثيري العدد وشركاتهم وثرواتهم الأسطورية تضطر المباحث الفيدرالية للتدخل، ويرفض «بلفورت» التسوية القانونية والإبلاغ عن الشركاء وإنهاء الأمر بأقل خسارة، ليقبل فيما بعد بأقل ضرر ممكن سجن سنوات قليلة ليخرج معلمًا الناس كيف يبيعون أي شيء وكل شيء، في إشارة واقعية إلى أن المجتمع لا يتخلى عن أمثاله لكن يهذبهم ويحجمهم قليلأً لا أكثر.

 فيلم اليوم مثال للانفلات بدرجاته المختلفة .. فالبطل خرج عن سياق الفيلم والمخرج ليندمج في الدور فيصير هو «بلفورت» اللص .. تمامًا كما عاش الفنان المصري الراحل «سعيد صالح» ظانًا أنه هو «مرسي الزناتي» بطل مدرسة المشاغبين المسرحية الأشهر التي كتبها «علي سالم» عن أخرى فرنسية في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، ورغم أن «صالح» كان البطل الأول لا «عادل إمام» إلا أن نجومية الأخير فاقته فتراجع دوره إلا أن «صالح عاش يعتقد أنه في الحقيقة «مرسي الزناتي» في الحياة لا في المسرحية مما جر عليه السجن في منتصف التسعينيات فضلًا عن تعاطي المخدرات وسجنه ..

كذلك انفلت الفيلم إخراجًا بتوغل «سكورسيزي» المخرج في تصوير فساد أبطاله وادعاء أن ما قدمه أقل مما فعله الأبطال الحقيقيين، وكأن الفن نقل للواقع إلى الشاشة كما هو دون رؤية أو حتى تدقيق .. وكذلك انفلت جميع أبطال الفيلم إلا قليلًا في البهارات السينمائية والاستخفاف بالمجتمع (مشهد أزوف بطل الفيلم الثاني المُفترض وهو يبول بالفعل لا الخدعة السينمائية على قرار الاستدعاء للمحكمة وسط الشركة بحضور والد مؤسسها ماكس بلفورت) أما الخيانات الجسدية الفاضحة وتقبل الجميع لها فيضيق عنها الوصف..

فيلم «ذئب وول ستريت» مأساة سينمائية تجسد واقعًا بالغ الانحدار بدلًا من تقديمه وفق رؤية فنية غرق صُنَّاع الفيلم في التوابل والبهارات الفجة المباشرة لتبرير فساد طرف من المجتمع والمساهمة في إفساد مجتمعات أخرى بلا فنية أو مجرد ذوق عام!

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي ذئب وول ستريت The Wolf of Wall Street دي كابريو رأسمالية فساد بلفورت تلبس سعيد صالح بهارات رؤية فنية

فيلم تارنتينو الجديد يحقق نجاحا يفوق التوقعات