«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: الجيد والسيء والقبيح من نتائج التدخل الروسي بسوريا

الأحد 24 ديسمبر 2017 03:12 ص

في يوم 1 مايو/أيار عام 2003، حين كان الربيع يفسح المجال للصيف في سان دييغو، بكاليفورنيا، كانت الناقلة «يو إس إس أبراهام لينكولن» تتحرك في طريقها إلى مينائها الرئيسي في ولاية واشنطن. وكانت الناقلة قد عادت لتوها من الخليج العربي، حيث ذهبت لدعم العمليات القتالية الأمريكية في العراق في ذلك الوقت. وبعد أقل من شهرين من بدء الأعمال العدائية، أعلن الرئيس - آنذاك - «جورج بوش» عن تلك العمليات. وفي خلفية خطابه الشهير، علق لافتة - سيئة السمعة الآن - تقرأ عليها «تم إنجاز المهمة». وبعد 15 عاما، لا تزال القوات الأمريكية في العراق.

وجدير بالذكر أن اللحظة التي أخبر فيها «بوش» العالم أن «المهمة قد أنجزت» وجب تذكرها الآن بعد أن أعلن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» أن تدخل روسيا في الحرب الاهلية السورية قد انتهى - وسرعان ما أعلن سحب القوات الروسية من هناك. لكنه كان قد قال نفس الشيء تقريبا في مارس/آذار عام 2016. ولكن دعونا نفترض هذه المرة أنه يعني ذلك حقا. وقد يكون عذرا جيدا لتقييم ما فعلته روسيا - وما لم تحققه - وما إذا كان «بوتين» قد يفي بوعده فعلا.

الجيد

ويمكن لموسكو أن تدعي بعض النجاحات في سوريا. وأول وأهم تلك النجاحات موقف روسيا في الداخل والخارج. وقد دخلت روسيا سوريا من موقف ضعف، بعد أن تعرضت للمشاكل خلال أزمتين كبيرتين في الداخل. ويتعلق الأمر الأول بأوكرانيا، حيث جلبت ثورة على الحكم حكومة مؤيدة للغرب، الأمر الذي أثبت عجز موسكو. وكان العجز الروسي في أوكرانيا وصمة عار خطيرة في سجل «بوتين». وقد وعد «بوتين» بعودة القوة الروسية، لكنه لم يتمكن من الوفاء بهذه الضرورة الروسية الأساسية - وهي الحفاظ على السيطرة الروسية على المنطقة العازلة التي أنقذت روسيا من الغزاة الأجانب عدة مرات. لذلك، فقد فعل شيئا واحدا تمكن من القيام به، ألا وهو ضم القرم - شبه الجزيرة الأوكرانية - التي كانت بالفعل متوائمة بشكل وثيق مع روسيا. وقد كان عملا استفزازيا جر على البلاد جزاءات اقتصادية يقودها الغرب.

وتمثلت الأزمة الثانية في انهيار سعر النفط. وتوقعت موسكو أن تظل أسعار النفط ما بين 80 و 100 دولار للبرميل، وأدرجت روسيا الميزانية وفقا لذلك. وقد اضطرت الحكومة إلى القيام بمجموعة متنوعة من التخفيضات في الميزانية، بعد أن تم رفع بعض العقوبات الاقتصادية من عليها في الوقت نفسه. وأدت بعض هذه التخفيضات في الخدمات الاجتماعية والتعليم وصناديق المعاشات التقاعدية إلى احتجاجات في أجزاء بعيدة من البلاد.

وكانت روسيا بحاجة إلى إلهاء للداخل. ودخلت روسيا سوريا - الحليف الروسي منذ فترة طويلة - التي كانت في خضم تمرد. وقد انضمت الولايات المتحدة إلى المعركة في محاولة فاشلة وغير ناجحة في نهاية المطاف لتسليح المتمردين المعتدلين. ومع عدم وجود معتدلين تقريبا، وقعت هذه الأسلحة في أيدي الجهاديين، ومن بينهم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. ومع ذلك، لم يكن لدى تنظيم الدولة الإسلامية قوة جوية، وبالتالي كان عرضة للهجوم من الأعلى. وهكذا، بدأت روسيا حملة ضربات جوية ضد الجماعة الجهادية، وهي محاولة ساعدت كثيرا في زوالها في نهاية المطاف. كما أنها أحرجت الولايات المتحدة - التي عززت دون قصد تنظيم الدولة الإسلامية - وكانت تلك فائدة إضافية.

لكن الغارات الجوية خدمت أيضا هدفا استراتيجيا هاما، وهو الحفاظ على حكومة «الأسد»، مما أعطي موسكو نفوذا في تعاملها مع تركيا. وكانت تركيا تأمل في أن يتسبب التمرد في سوريا في إيجاد حكومة أكثر صداقة لمصالحها من «الأسد». وبدلا من ذلك، لا يزال لديها عدوا لدودا على حدودها الجنوبية، وهو ما قد تستخدمه روسيا لاحتواء التوسع التركي.

وسوف تفعل روسيا ذلك - على الأرجح - من خلال الوسائل السياسية. ولكن إذا اختارت احتواء تركيا عسكريا، فسيكون لديها جيشا أكثر حنكة لتنفيذ الحملة. وعلى الرغم من أن وجودهم كان محدودا، فقد اكتسب الجنود الروس الخبرة التي كان الروس في أمس الحاجة إليها منذ حملتهم الكبرى الأخيرة، وهي الحرب الجورجية عام 2008، التي فازوا بها بشكل جيد، ولكن مع أداء ضعيف.

ولعل الأهم هو أن الغزوة في سوريا قد جعلت «بوتين» يبدو قويا في الداخل أيضا. وروسيا - شأنها في ذلك شأن جميع البلدان - تواجه تحديات داخلية يجب مواجهتها. ولكن تحدياتها - خلافا لتلك التي تواجهها معظم البلدان الأخرى - تصبح وجيهة عندما يفقد الشعب الثقة في الحكومة. وعندما دخلت روسيا سوريا، بدا «بوتين» ضعيفا. لكنه يبدو قويا الآن. وفي هذه الحالة بالذات، فالمظهر أكثر أهمية من الواقع.

وهكذا، كانت موسكو - مع وجود احتمالات كثيرة ضدها - قادرة في وقت واحد على إرباك الولايات المتحدة، وإنقاذ حليفها في دمشق، وإلحاق الضرر بتنظيم الدولة الإسلامية، وتقوية جيشها، وتحسين صورتها في الداخل، وكان كل ذلك بتكلفة قليلة ومحدودة، من خلال بعض الطلعات الجوية.

السيء

لكن نجاحات روسيا أصبحت أقل إثارة للإعجاب مما ظهرت عليه لأول مرة. ويستند تعزيز صورة روسيا إلى حد كبير إلى بقاء نظام «الأسد». وإذا انسحبت روسيا، وطالبها نظام «الأسد» مرة أخرى بالمساعدة، فإن على موسكو أن تتدخل مرة أخرى، مما يقوض مزاعم بوتين بأن المهمة قد أنجزت بالفعل.

وعلى الرغم من أن نظام «الأسد» قد نجا، فإن سوريا نفسها لم تنجُ. فقد أصبحت بلدا مشتتا سيكون من الصعب للغاية - إن لم يكن مستحيلا - إعادة تجميعه. وتعاني سوريا من اختلافات إثنية وطائفية عميقة جدا ببساطة. وتتكون حكومة الأسد من العلويين، وهم طائفة من الشيعة كانوا دائما أقلية في بلادهم. ومعظم السوريين من العرب السنة، ومن رحم هذه الدولة العربية السنية المحرومة، تمكنت الدولة الإسلامية من تجنيد مقاتليها. ومن ثم هناك أكراد سوريا، الذين - استغلالا لحالة الفوضى في الحرب الأهلية - استولوا على مساحة كبيرة من الأراضي لأنفسهم. وهم لا يريدون إعادة هذه الأراضي، ولا يمكن للجيش السوري - على الأرجح - إجبارهم على ذلك. وقد يبقى نظام «الأسد» على قيد الحياة، ولكنه يحكم مساحة أقل بكثير مما كان عليه في السابق.

وقد حاولت روسيا الوصول إلى حل دبلوماسي للصراع من خلال جمع كل الأطراف في سوتشي. وتجري تلك الجهود بالتوازي مع محادثات أستانا، والاجتماعات العرضية التي تخطط فيها تركيا وإيران وروسيا لمستقبل سوريا وتنسيق العمليات. ولدى كل من روسيا وإيران وتركيا رؤى مختلفة بشأن مستقبل سوريا. وتريد روسيا سوريا مستقلة لا تخضع للسلطة التركية. وتريد تركيا الاستقرار على حدودها الجنوبية، لكنها لا تريد الإبقاء على المكاسب التي حققها الأكراد السوريون حتى لا يشجع ذلك أكرادها في الداخل في سعيهم إلى الحكم الذاتي. وتريد إيران أن تكون سوريا دولة تابعة لها، حتى تتمكن من ممارسة نفوذها على طول الطريق إلى البحر الأبيض المتوسط.

وباختصار، لا تستطيع روسيا إصلاح سوريا، ولا يوجد حل دبلوماسي في هذه المنطقة. وفي الواقع، لا يمكن للبلدان ذات المصالح في سوريا أن تتفق حتى على من ينبغي أن يدفع ثمن إعادة إعمارها. وعموما لا يمكن توقع أشياء جيدة في بلد تعتمد على القوى الأجنبية لإعادة الإعمار. ويعد ذلك علامة على أن شروط الشفاء الوطني غائبة، وأن حكومة «الأسد» سوف تستمر ولكن من خلال التبرعات.

القبيح

وتعتمد سياسة روسيا في الشرق الأوسط على قدرة موسكو على إقناع العالم بأنها أكثر أهمية مما هي عليه. وقد أدت هذه السياسة إلى تضخيم القوة الروسية بشكل مصطنع، وقد مكنت الحكومة من تشكيل المنطقة بالشكل الذي يرضيها. لكن الشرق الأوسط أصبح أكثر تعقيدا بكثير. وقد أعطى تنظيم الدولة الإسلامية المتنافسين السابقين عدوا مشتركا للقتال والتعاون ضده، لكن ذلك كان مؤقتا. والآن، بعد أن هُزمت الدولة الإسلامية، ستعود المنافسات التقليدية إلى الواجهة. وستزداد علاقة روسيا مع تركيا - التي كانت صعبة بالفعل - سوءا. ولن تستمر علاقتها مع إيران، التي هي صديقتها في الوقت الحالي. وكلما أصبحت إيران أقوى، أصبحت روسيا أكثر عصبية.

ومع تطور المنطقة، يجب أن تتطور السياسة الروسية أيضا. وسيكون الهدف الاستراتيجي الأول للبلاد الآن هو تحقيق التكافؤ بين القوى الكبرى في المنطقة. وإذا لم يكن هناك بلد قوي بما فيه الكفاية للسيطرة على المنطقة، فلن توجد بلد قوية بما فيه الكفاية لتحدي روسيا. وبقدر الإمكان، يجب أن يقتصر نفوذ الأصوليين الإسلاميين في المنطقة على نطاق محدود. وإلى أقصى حد ممكن، يجب أن تكون إيران وتركيا أكثر قلقا بشأن بعضهما البعض أكثر من التنافس مع روسيا. ولكن هذه الحاجة إلى التكافؤ سوف تتنافى مع الضرورة السياسية المحلية الأساسية لبوتين، وهي إظهار روسيا قوية في الخارج خلال الأوقات الصعبة في الداخل.

ولم تتمكن روسيا من خلال نجاحها في سوريا من حل المشاكل الداخلية التي عجلت بتورطها في المقام الأول. ولا يزال الصراع في أوكرانيا مجمدا. وقد انتعشت أسعار النفط بشكل متواضع، ولكنها لا تزال أقل مما تفضله موسكو. وبينما استقر اقتصاد روسيا، كانت هناك احتجاجات دورية ضد بوتين. لكن روسيا لا تريد أن تتعثر في سوريا، لذا تبحث عن استراتيجية خروج تحافظ على صورة البطولة الروسية. وإذا استؤنفت الأعمال العدائية - وهو سيناريو محتمل - فإنها ستقوض رئاسة «بوتين» في الوقت غير المناسب من الانتخابات الوطنية، وهذا هو السبب في أنه اختار الإعلان عن إنهاء العمليات الآن في المقام الأول.

وقد تكون الانتخابات وحدها سببا كافيا لبوتين للإعلان أن «مهمته قد أنجزت». فهو يحتاج إلى إظهار مدى القوة والفعالية التي لا يزال يتمتع بها. وفي الشرق الأوسط، غالبا ما يكون النجاح أمرا عابرا. إن إنجازات اليوم هي إخفاقات الغد. وهذا هو الحال بالنسبة لروسيا. ويمكن أن تتعرض للفشل في المستقبل في وقت لاحق. لكن في الوقت الراهن، فقد حصلت على ما تريد - حيث يعتقد الجميع أن روسيا قوية - وهذا كل ما يهم.

  كلمات مفتاحية

روسيا سوريا بوتين التدخل الروسي الأسد النظام السوري

جلسة طارئة لمجلس الأمن الروسي لبحث مستقبل التسوية بسوريا

الجارديان: محمد بن سلمان شجع روسيا على التدخل في سوريا بتحريض من بن زايد