فيلم «عصابات نيويورك»: غابة الديمقراطية الأمريكية تقود العالم للنهاية!

الثلاثاء 16 يناير 2018 09:01 ص

فيلم اليوم «Gangs Of New York أو عصابات نيويورك» وجبة سينمائية مركزة من تصوير الدماء والدمار والفوضى اللامنطقية أو حتى المستوعبة الأسباب، إننا أمام فيلم يبلغ حجم الجزء التوثيقي التاريخي فيه لحقبة منتصف القرن التاسع عشر قرابة خمسه، فيما تسيطر المذابح والدماء والدمار على نحو 80% من أحداثه، حتى ليبدو الممثل الشاب الأمريكي الأشهر «ليوناردو دي كابريو» يطارد دوره محاولًا، ببلاهة أحيانًا الوصول إليه بلا فائدة؛ وجاء أداء الأخير سيئًا عمومًا لحساب أداء «دانيال دي لويس» الذي أشعر المشاهد بالفعل بأنه جزار يسيل دم الناس من شفتيه بعد مقتلهم!

فيلم اليوم من إخراج «مارتن ساركوزي»، المخرج الأمريكي ذي الجذور الإيطالية والأصل اليهودي، وحلم الأخير بإخراجه لمدة 20 عامًا نظرًا لميزانية الفيلم التي اقتربت من مائة مليون دولار استوجبت بناء مدينة قديمة ضخمة بمرافقها في مدينة السينما الإيطالية «غينا غيتا»، وإن كانت ميزانية الفيلم الضخمة لا تمنع أنه حصد قرابة 193 مليون دولار كأرباح.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مذابح وأنقاض حضارة

في الملف الصحفي الذي واكب عرض الفيلم في عام 2002 سُئل «ساركوزي» عن سبب طوفان الدماء فيه فأجاب بثقة: «كان البلد (الولايات المتحدة) لقمة سائغة، ونيويورك كانت برميل بارود، هكذا كانت أمريكا، ليس في زماننا هذا زمن الاتصالات والمعلومات والتكنولوجيا، (بل) يومها كان الجميع مسحوقاً، وكان أول من يتعرض للعنف هم المهاجرون، بالذات الأيرلنديين، وهم أول مَنْ هاجر إلى أمريكا، ولم يجد أصحاب المواجهة إلا العزف على أوتار البعد الديني، حيث كان الأيرلنديون من المذهب الكاثوليكي الذي يدين بالولاء للفاتيكان، في مواجهة السكان الأصليين من البروتستانت.. يومها كانت المواجهات والدماء».

وأضاف المخرج: «شيء ما مثل الفوضى القلبية، بحيث تمت تصفية كل شيء، عبر تلك المرحلة جاء الفيلم ليقول ما أشبه اليوم بالأمس».

إن «ساركوزي» يعبر بوضوح عن أن المسمين بالوطنيين من سكان أمريكا رفضوا الهجرة إليها باسم الدين، وكانت هذه الكلمات عام 2002 قبل مجيء «دونالد ترامب» وتولي كرسي الرئاسة، لكن الواضح أن المخرج كان يشير إلى الدموية التي تتعامل بها أمريكا مع ضعفاء جدد ذهبت إليهم خارج حدودها هذه المرة.. كالعراقيين والأفغانيين وهلم جرًا، هذا بالإضافة إلى التدخل المستقبلي ضد المسار الثوري في مصر وليبيا وغيرهما.

فوضى خلقت اتحادا فيدراليا

عام 1848 كانت الحرب المسماة بـ«النقاط الخمس» محتدمة بين السكان الأصليين المولودين داخل أمريكا وبين المهاجرين الأيرلنديين في الغالب، إذ كان معهم زنوج من أفريقيا وملونون من الصين وعرب وآخرون.

اشتعلت الحرب في ساحة الفردوس وقادها من جانب الأصليين أو الوطنيين بحسب الفيلم «بيل دابوتشر كاتينغ» أو (ويليام الجزار)، وفي المواجهة تصدى له الكاهن «فالون (ويليام نيسون) قائد الأيرلنديين المهاجرين المسمين بجماعة «الأرنب المتوحش»، وعبر معركة دامية تم استخدام الرعاع والمستأجرين من الدمويين بقسوة.

تمت هزيمة الكاهن «فالون» ليقتل باسم الدين (الذي حارب لأجله) أمام ابنه الصغير «أمستردام» بيد «بيل الجزار»، وبعد أكثر من عشرة أعوام أي في عام 1862 يعود الابن ليثأر لأبيه.

وبدلًا من أن يذهب «أمستردام» نحو هدفه يعمد الفيلم إلى حشر أكثر من ساعة من العنف والدموية مع «بيل الجزار»، و«أرمسترونج» المنخرط في رجاله حتى صار ساعده الأيمن، وقصة حبه لـ«جيني» (كاميرون دياز) النشالة الخفيفة الظل في الدور المشهور في السينما العالمية، رغم تدنيس «بيل الجزار» لها، وإجهاض جنين منه من قبل.

 

 

ويبقى الفيلم غائمًا في المنتصف بين الدموية الشديدة، واستهتار «بيل» بكل القيم حتى إنه ليمزق ضحاياه بالسكين بعد قتلهم، وإن كانوا من قوات الشرطة المحلية.

بلغ طول الفيلم قرابة 164 دقيقة، ومساحة ثبات الأحداث الدرامية فيه تقارب ثلثه، فجريان الدماء سارٍ، و«أمستردام» أو «دي كابريو» منخرط فيها بلا سبب درامي، فقاتل أبيه أمام عينيه يتشح بالعلم الأمريكي صباح المساء وهما يأكلان ويلهوان ويمزقان البشر معًا.

وعندما استكفى «ساركوزي» من شهوة القص والحكي السينمائي عن مدينة نيويورك، فرغم أنه ليس كاتب السيناريو والحوار لكن بصماته واضحة فيه، بخاصة تطويل الأحداث حد الممل دون داعٍ، النص الأصلي للفيلم كتبه الروائي «هيربرت أسبري» عام 1927، وتعاون في تحويله لسيناريو «غاي كوكس»، «ستيفن زاليان»، «كينيث ليونرجان»، عندما استكفى المخرج من شهوة السرد السينمائي وصوت التعليق الصوتي لـ«دي كابريو»، تطورت الأحداث بحدث مفتعل جديد هو وشاية صديق «أمستردام» به لدى «بيل الجزار»، دون مبرر درامي، ولو واهٍ ضعيف كالغيرة منه لاستحواذه على قلب حبيبته وحبيبة «بيل الجزار» «جيني».

وفور تصاعد الأحداث الدرامية يقبض «بيل» على «أمستردام» فلا يقتله في خطأ درامي جديد، بل يكتفي بتشويه وجهه، وهو ما يشفى «أمستردام» منه بسرعة، فليس من المقبول أو المعقول أن يبدو «دي كابريو» مشوهًا على الشاشة.

ديمقراطية الغابة

وحسمًا لزمن الفيلم الذي طال جدًا، وفي تدخل درامي مؤخرًا من المخرج لإيقاف براعة «بيل الجزار» في التسبب في العنف، وتيه «دي كابريو» في دوره وافتقاده له، يحدد بطلا الفيلم موعدًا وطريقة للنزال، لكن دخول الديمقراطية الأمريكية واختيار أعضاء لمجلس الشيوخ ينهي الأمر مؤقتًا.

لكن يفجره إصرار «بيل الجزار» على قتل كل فائز، وفي النهاية ومع احتدام الحرب الأهلية يفيض الكيل بالجميع في نيويورك، فيتدخل الفقراء سلبا ونهبا لكل مفردات الحضارة الوليدة من متاحف ومؤسسات دولة بل قتل البشر.

وعند المواجهة الأخيرة بين «بيل» و«أمستردام» تكون شرطة نيويورك بمساعدة الشرطة المركزية تدك المدينة كلها، ولكن هذا لم يمنع دي «كابريو/أمستردام» من قتل «بيل الجزار» ليشفي صدره، ويعود صوته لمنصة التعليق الصوتي بعد غيابه وإبداله بآخر منذ بداية دموية الأحداث الجماعية العارمة في نيويورك.

حرص مدير التصوير «ميشيل بهاوس» على أخذ لقطات الفيلم إما من الأمام أو الجانبين ما حفز المشاهد طوال الوقت وملأه بالترقب للمفاجآت، أما الديكورات والملابس فجاءت مناسبة لعصرها، وجاءت الموسيقى التصويرية للموسيقار «هوارد شو» جيدة بوجه عام.

فيلم «عصابات نيويورك» دور آخر أقل جودة من أدوار «دي كابريو» بعد «ذئب وول استريت»، ومبالغة في تصوير العنف ومط للأحداث دون دافع درامي، لم يبرره حتى تصريح المخرج بأنه يجسد الفوضى الأمريكية في خلق العنف والدمار في العالم.

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي عصابات نيويورك Gangs Of New York قرابة منتصف القرن التاسع عشر تدخل داخلي وخارجي دماء

فيلم «منبوذ».. ساعي البريد لا يطرق أبوابنا بالرسالة مرتين!