رجال «مبارك».. طوق نجاة لخروج المصريين من مستنقع الاستبداد

الأربعاء 17 يناير 2018 12:01 م

لم يدر بمخيلة أحد، أن يتحول رجال الرئيس المصري المخلوع «حسني مبارك»، بعد 7 سنوات من إسقاط نظامه في 25 يناير/كانون الثاني 2011، إلى طوق نجاة للمصريين عامة، والمعارضة خاصة للخروج من نفق الاستبداد العسكري، ومستنقع الدماء الذى كان أحد أبرز حكم الرئيس الحالي «عبدالفتاح السيسي».

بين ليلة وضحاها، صار رئيس وزراء مصر الأسبق، الفريق «أحمد شفيق»، الذي وقعت في عهده «موقعة الجمل»، وقتل خلالها العشرات من متظاهري التحرير، ومن بعده الفريق أول «سامي عنان»، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، بارقة أمل للمعارضة المصرية، وفي القلب منها جماعة «الإخوان السملمون»، التي أطيح بها من الحكم، عبر انقلاب عسكري، منتصف العام 2013.

آمال تخفت أحيانا، وتنتعش أحيانا، في مرشح بديل، دون النظر إلى بذته العسكرية، يطوي صفحة الرئيس الحالي، التي يراها معارضون من أسوأ السنوات التي مرت بها مصر، على مختلف الصعد، وسط رغبة جارفة في التغيير، ولو من داخل المؤسسة العسكرية، بحثا عن انفراجة في المشهد المتأزم.

«شفيق» خرج ولم يعد

الإحباط كان لغة الشارع المصري، وسط غضب من انسحاب «شفيق»، الأسبوع الماضي، بعد إعلانه من دولة الإمارات خوضه السباق الرئاسي، ونزوله للقاهرة بعد غياب دام 5 سنوات، عقب خسارته في الانتخابات الرئاسية 2012 أمام الرئيس «محمد مرسي».

حالة من الزخم، والحراك، أحدثها إعلان «شفيق» خوض السباق الرئاسي، وسط قلق بالغ داخل أروقة النظام، بدا جليا في حملة تشويه تم شنها ضد الرجل في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، ومنعه من التواصل إعلاميا مع مؤيديه، فضلا عن تهديده بملاحقته قضائيا بتهم فساد واتهامات بأنه «مرشح الإخوان».

وكانت المعارضة المصرية تراهن على انقسام داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، جراء ترشح اثنين عسكريين؛ ما يمنح خيار الإطاحة بـ«السيسي» فرصا أقوى بعد انهيار شعبيته، وفشل سياساته، لكن الضغوط التي مورست على قائد القوات الجوية الأسبق، تكفلت بسد الثغرة، وإجبار «شفيق» على الخروج من الحلبة مبكرا، وإفساح الطريق أمام ولاية ثانية لـ«السيسي»، تمتد حتى 2022 (طالع المزيد)

يعبر عن تلك الحالة، رئيس الحزب الاشتراكي المصري «أحمد بهاء الدين شعبان»، حينما قال إن إعلان «شفيق عدم الترشح في الانتخابات، سيؤدي إلى عدم وجود منافس قوى له ثقل مما سيضعف المعركة وسيجعلها أقرب للاستفتاء».

وأضاف «شعبان»، في تدوينة له عبر «فيسبوك»، أنه كان يرحب بترشح «شفيق» رغم معارضته له باعتباره أحد بقايا نظام «مبارك»، إلا أن وجوده كان سيخلق حالة زخم، ومنافسة في الانتخابات.

و«شفيق» هو وصيف «مرسي»، في رئاسيات 2012، حيث حصل على أكثر من 12 مليون صوت (49% من الأصوات)، قبل أن يغادر مصر إلى الإمارات، عقب إعلان خسارته الانتخابات، وهو يترأس حزب «الحركة الوطنية»، وانسحابه هو الثاني من نوعه بعد إحجامه عن المشاركة في رئاسيات 2014 التي جاءت بـ«السيسي» إلى سدة الحكم.

«عنان» ينعش الآمال

قبيل أيام من فتح باب التريشيح رسميا لخوض رئاسيات 2018، جاء إعلان «عنان» خوض السباق، بمثابة زلزال سياسي، قد يغير المعادلة، لأنه جاء بينما وضعية النظام في حالة ضعف، فضلا عن أن رئيس أركان الجيش الأسبق يحظى بدعم عسكري معروف ودعم الدولة العميقة (البيرقراطية المركزية)، بجانب القاعدة الاجتماعية التي كانت تؤيد «السيسي».

ويؤيد الإسلاميون «عنان» من باب الخلاص من «السيسي» الذي وضعهم في السجون، ولاحقهم بأحكام قضائية وصلت إلى الإعدام، وأراق دمائهم في عمليات تصفية نفذها مرارا الأمن المصري خلال السنوات الأخيرة، وتسبب في هروبهم إلى خارج البلاد. (طالع المزيد)

ويمكن القول أن القاعدة التي انتخبت «السيسي» هي القاعدة نفسها التي ستنتخب «عنان»، يضاف إليها كتلة الإسلاميين التي صوتت لـ«مرسي»، وتريد الإطاحة بـ«السيسي» من الحكم، بصرف النظر عن القادم، الذي يؤكد المراقبون أنه سيتجه بالتأكيد إلى تهدئة الأوضاع في البلاد، وفك الاحتقان القائم، وربما إبرام مصالحة وطنية شاملة مع الجماعة التي أطيح بها من الحكم، وزج برئيسها خلف القضبان.

وكان الرئيس «محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب في البلاد، قد أقال «عنان» من منصبه في أغسطس/آب 2012، وعينه مستشارا لرئيس الجمهورية، ولكنه استقال من منصب المستشارية في 1 يوليو/تموز 2013، أثناء التظاهرات التي دعت لها حملة تمرد وجبهة الإنقاذ ضد «مرسي»، وأعقبها الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز من العام ذاته.

الكاتب المصري «جمال سلطان»، رئيس تحرير صحيفة «المصريون» (مستقلة)، اعتبر في مقال له إن إعلان ترشيح رئيس الأركان الأسبق للقوات المسلحة الفريق أول «سامي عنان»، أمرا زلزل الحياة السياسية المصرية، وأصاب الأجهزة الرسمية والإعلام الموالي لها بالهلع.

وأضاف: «خطوة عنان أتت في وقت محرج، وربما محسوب بدقة ومرتب له، بعد أن تم تدشين عملية الانتخابات رسميا، والبدء في استيفاء التوكيلات للمرشحين، وهي لحظة يكون فيها تفكير البعض في التصدي لها، ووقفها مكلف سياسيا وبالغ الحرج».

ويرتبط «عنان»، البالغ من العمر (70 عاما)، بعلاقات قوية مع دوائر الحكم في السعودية، وسافر إلى المملكة أكثر من مرة، آخرها في يونيو/حزيران الماضي، كما ينظر إليه على أنه مقرب من واشنطن، وكان في الولايات المتحدة في 25 يناير/كانون الثاني 2011 وقت اندلاع الثورة المصرية، ما يعني أن الرجل سيكون مرشحا مقبولا من الرياض وواشنطن.

ويصعب أن يكرر «عنان» الانسحاب على غرار رئاسيات 2014، بعد إعلانه اعتزامه الترشح، قبل أن يتراجع في مؤتمر صحفي عن ذلك القرار، قائلا: «ترفعا منه أن يزج به في صراعات ومخططات تستهدف مصر والقوات المسلحة».

كما يصعب أن يكرر النظام سيناريو «شفيق» مع «عنان»، ودفعه للانسحاب تحت ضغوط، ما يعني عمليا أمام الرأي العام داخليا وخارجيا، أن «السيسي» لا يريد منافسة حقيقية، ويبحث فقط عن «كومبارس»، بينما يمنح ترشح «عنان» قبلة الحياة للانتخابات المصرية، وربما يدفع ملايين المصريين للنزول بكثافة للإدلاء بأصواتهم مارس/آذار المقبل.

ويمنح منصب رئيس الأركان الأسبق، «عنان» حصانة من الهجوم عليه، إعلاميا وسياسيا، ويصعب وفق أعراف المؤسسة العسكرية أن يتم اتهامه بالخيانة أو التنسيق مع أطراف معادية للدولة المصرية، أو حتى الغمز في ذمته المالية، وهو أمر يمس صورة الجيش في المقام الأول، وينال من هيبة المؤسسة المهيمنة على مقاليد الحكم في البلاد. (طالع المزيد)

ليس مستبعدا أن توافق المعارضة الإسلامية على أن المرشح القادم يمكن أن يكون صاحب خلفية عسكرية ولكن بتفاهمات مختلفة عن الوضع الحالي مثل المزيد من المواءمة السياسية وإفراجات وإعفاءات عمن بالسجون، ووقف حالة الطوارئ، والحد من التجاوزات الأمنية، واستيعاب المعارضة بكافة أطيافها.

ربما يكون اسم «عنان»، كونه من المنتمين للمؤسسة العسكرية، كافيا كحل واقعي لإقناع الجيش المصري بالتخلي عن «السيسي»، ونقل الحكم إلى عسكري آخر على رقعة شطرنج رئاسيات مصر، لكن يظل الأمر مرهونا بقدرة الجنرال الأسبق على البقاء في حلبة السباق، وقبول أوراق ترشحه رسميا، واصطفاف قوى المعارضة خلفه، بحثا عن بزة عسكرية ربما تحمل شيئا مختلفا عن سنوات قائد الانقلاب، ووزير الدفاع السابق، الذي لم يعلن ترشحه رسميا بعد، لكن يبدو أنه يطمح إلى ولاية رئاسية ثانية، دون منافسة حقيقية.

وقبل أكثر من 3 أعوام، كشفت مصادر مطلعة داخل جماعة «الإخوان»، أن «عنان» طلب اللقاء بعدد من قيادات من «الإخوان» في الداخل والخارج، لطلب دعم الجماعة في انتخابات الرئاسة مقابل «امتيازات» أهمها رفع الحظر عن جماعة «الإخوان»، وإعطاء مساحة من الحرية السياسية والإعلامية للتيار الإسلامي في حال فوزه، وهو ما رفضته الجماعة وقتها، لكن قرارها قد يتغير خلال الانتخابات المقبلة، لحرمان خصمها اللدود من البقاء في الحكم حتى 2022، وآملا في الخروج من الوضع الراهن، الذي يلحق ضررا بالغا بالجماعة ومصر كثيرا حال استمراره.

  كلمات مفتاحية

رئاسيات مصر 2018 سامي عنان أحمد شفيق عبدالفتاح السيسي الإخوان

جروب مصري معارض على «واتس آب» يضم رئيس أركان الجيش المصري الأسبق

هل يتخلى الجيش المصري عن «السيسي».. السيناريوهات والنتائج