أسعار النفط .. والحاجة إلى الحكمة

السبت 31 يناير 2015 07:01 ص

لا يوجد أحد ينكر أن النفط يعدّ بحق واحداً من السلع المهمة في حياتنا. وإذا ما كانت هناك فئة قد تتجاهل الآثار المحتملة التي قد تنجم عن التحولات الكبيرة في العرض والطلب والأسعار والسياسة على الاقتصاد، فإنهم بذلك يعمدون إلى إنكار التاريخ وتجاهل المنطق.

أما أولئك الذين يبالغون في تقدير تأثير الاضطرابات التي تحصل في صناعة النفط، فإن مثل هذا السلوك سيؤدي حتماً إلى تفاقم أو تضخيم المخاوف من الأحداث التي يكون من غير المرجح حدوثها على الإطلاق.

وإذا كانت هناك دروس مستفادة أمكننا تعلمها من الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي عصفت بالعالم في نهاية 2008، فهو أن التعقل والحكمة ستسود في غالب الأحيان، ويعزى السبب في ذلك إلى أن الحكمة ستكون أكثر إلحاحاً في مثل هذه المواقف، لأنها تمثل المهارة السلوكية القادرة على الفصل بين العاطفة والمنطق، وبين السبب والتأثير وبين الخيال والحقيقة.

لقد كانت ردود الفعل الأخيرة تجاه الانخفاض الكبير في أسعار النفط مبالغاً فيها بشكل مزعج جداً، ولأسباب ليست مفهومة البتة. فما سبب هذا الانزعاج؟ إن سبب ردود الفعل تلك غالباً ما تكشف عن تفكير سطحي أو حتى انعدامه، وبالتالي كانت ردود الفعل الأخيرة بعيدة كل البعد عن العقلانية.

وكان من الملاحظ جداً ردود فعل أسواق الأسهم على المستوى العالمي، والتي جاءت أساساً كتبعات للتعاملات في سوق الأسهم الأمريكية، واتسمت تلك التحركات بالسرعة والشدّة الهائلة. وكانت أيضاً جديرة بالملاحظة على ضوء انعدام التحليل المتبصر الذي كان ينبغي تطبيقه على التحول الدراماتيكي في سعر تلك السلعة الأكثر حيوية وأهمية في العالم.

وفي الآونة الأخيرة، داهمني القول المأثور القديم بأن الذعر لا يولد سوى الذعر، وذلك على ضوء العدد الهائل من المكالمات الهاتفية التي تلقيتها من العملاء المستثمرين ووسطاء التمويل والصحفيين، وكانت تلك بمثابة المقياس الحقيقي لمستوى القلق تجاه التأثير المحتمل للمستجدات الأخيرة التي تحيط بصناعة النفط، والتي قد تطال صناعة العقارات في دبي.

وكان الموضوع الأكثر إثارة للقلق عاملاً مشتركاً يجمع بين المكالمات كافة التي تلقيتها، وهو قصر نظر الآراء والاهتمامات التي يجري طرحها. ولم تتم مناقشة سوى النزر اليسير من التحليل المتوازن للانخفاض في أسعار النفط، وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى الطلب على العقارات في دبي على المدى الطويل.

يجب النظر في البداية للتكاليف المترتبة على عمليات الاستكشاف والمستوى العال من رأس المال الذي يجب استثماره للبدء بالعمليات الأولية. ويدرك العاملون في صناعة النفط تماماً أنه ينبغي مراجعة تقلبات الأسعار الممكنة بعناية لضمان استمرارية العمليات بطريقة مربحة. ولضمان تحقيق الأرباح الممكنة في أوقات انخفاض الأسعار، تلجأ تلك الشركات إلى الاحتفاظ بمبالغ احتياطية من أرباحها خلال ارتفاع الأسعار. وبهذه الطريقة يمكن للاعبين في هذه الصناعة تجاوز المشكلات المالية التي قد تنشأ إذا ما تعرضت عائدات النفط للانخفاض.

وفي الوقت الذي يرى فيه العديد من المتشائمين حدوث توقف فعلي في الإنفاق العام والاستثمار في البنية التحتية في دولة الإمارات العربية المتحدة، يبدو أن هؤلاء قد نسوا تمتع البلاد بعقد كامل من المستويات القياسية في أسعار النفط، حيث تمكنت أبوظبي خلال هذه الفترة من تجميع احتياطيات هائلة يقدر حجمها بنحو 800 مليار دولار. وغني عن القول أن الأمر سيستغرق فترة طويلة، وربما عقد من الزمان أو أكثر، لتأثر هذه الاحتياطيات حتى لو افترضنا تدني أسعار النفط إلى أقل سعر ممكن.

أما بالنسبة إلى دبي، فإنها لن تكون معتمدة كليًا على هذه الاحتياطيات بأي حال، لاسيما وأن اقتصادها أصبح يتسم بالتنوع الحقيقي، ولا يشكل النفط سوى 6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة، لذلك يمكن القول إن انخفاض أسعار النفط سوف يساعد في واقع الأمر على نمو المحركات الاقتصادية الأكثر وضوحاً، مثل التجارة والسياحة، ويعني ذلك في الوقت ذاته أن الإمارة لن تكون بأي حال عرضة للانخفاض المؤقت في أسعار النفط.

وبالمثل، فإن التكتلات النفطية غير الحكومية التي تتمتع بانخفاض تكاليف الإنتاج بسبب عملياتها الراسخة منذ زمن طويل، وأساليب الاستخراج الأقل كلفة أيضاً، تحظى بظروف مثالية تساعدها على استيعاب أسعار النفط المتدنية. وفي الواقع، لن يطال تهديد انخفاض أسعار النفط سوى تلك الشركات التي دخلت مؤخراً إلى هذا القطاع وعملياتها ذات التكلفة العالية. ولكن كما يقولون، قد يكون من المناسب تعرض هذه الصناعة لهزة معقولة من شأنها أن تساعد في إعادة التوازن إلى الأسواق.

هذا لا يعني أنه لا توجد هناك مزايا لانخفاض أسعار النفط على المدى القصير، بل إن العكس صحيح. وإذا تناولنا أي بلد يتعين عليه استيراد كافة احتياجاته من الطاقة، فإن الانخفاض في أسعار النفط يساعد حتماً في تخفيف الضغط الواقع على التكاليف ذات الصلة بالتصنيع والتوزيع والسفر والسياحة، وحتى كلفة التنقل لأي أسرة في سيارتها الخاصة. وربما تكون الزيادة في الدخل عاملاً مساعداً بالغ الأهمية في النمو الاقتصادي، وهو الهدف الأسمى الذي تسعى كافة الدول حول العالم إلى تحقيقه.

والشيء بالشيء يذكر، يتبين لنا أن العديد من المستثمرين الذي استفادوا من عائدات السوق العقارية في دبي والذين أسهموا في إيراداتها أيضاً قد جاؤوا من دول تستفيد بشكل كبير من انخفاض أسعار الطاقة، ومنها الهند على سبيل المثال. وفي واقع الأمر، فإنه إذا ما استثنينا روسيا التي تغوص في مشاكل أكبر تفوق حدتها العواقب المترتبة على انخفاض أسعار النفط، يتبين لنا إن الغالبية العظمى من الجنسيات التي تشكل المزيج الاستثماري للسوق في دبي، إما أنها لن تتأثر بالانخفاض أو قد تستفيد بشكل ملموس من انخفاض أسعار النفط.

فلماذا هذا الذعر؟ لقد كان هناك اتفاق شبه عالمي بأن صناعة العقارات في دبي حققت مستوى من النضج ساعدها بنجاح على إدارة المخاطر الضخمة الناجمة عن تقلبات سوق العقارات في العالم خلال العامين الماضيين. وسيكون من غير المرجح تماماً أن يخضع سوق دبي لهذه التطورات السلبية الأخيرة، بل من المستبعد أن يلحق به انهيار شامل جراء ذلك؟ وببساطة لن يحدث ذلك على الإطلاق، لأنه لا يوجد سبب جوهري لحدوث تلك التوقعات غير المبررة، بل إن السوق سوف يتمكن من اجتياز اختبار العقل والمنطق.

إن قطاع العقارات بحاجة ماسّة إلى فهم حقيقة مهمة جداَ، وهي أن التغيير والتحديات في السوق أمر لا يمكن تجنبه، بل إن ذلك يعتبر مقياساً لنضج طرق تفكيرنا وتحليل ومعالجة تلك القضايا التي تهددنا، وتحول دون وصولنا إلى أهدافنا أو نتائجنا المنشودة. 

وفي الختام، يبدو واضحاً ذلك الطريق الذي يمكننا أن نسلكه.

* مهند الواديّة مدير شركة "هاربور" العقارية، مستشار ومحاضر بمعهد دبي العقاري في دبي

المصدر | مهند الواديّة | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية

دبي انخفاض أسعار النفط نمو المحركات الاقتصادية العقارات التجارة السياحة التكتلات النفطية