هل تجني مصر هذه السنة نتائج إصلاحاتها الاقتصادية؟

السبت 27 يناير 2018 02:01 ص

اشترط صندوق النقد الدولي مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية على مصر، قبل منحها خطاً ائتمانياً قيمته 12 مليار دولار بدءاً من 2016.

وبدأت الحكومة المصرية أولى خطوات الإصلاحات بتعويم الجنيه في تشرين الثاني (نوفمبر) من تلك السنة، أعقبتها إجراءات لزيادة الضرائب، بما فيها ضريبة القيمة المضافة، ورفع الدعم عن الأسعار شاملة الطاقة.

وبعد أن بدأت المؤشرات التضخمية بالارتفاع بشكل ملحوظ حتى وصلت إلى معدل غير مسبوق وهو 35%، أوصى صندوق النقد الدولي برفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض فرفعها البنك المركزي هي الأخرى إلى مستويات غير مسبوقة لإغراء الأفراد على تقليص الاستهلاك وزيادة الادخار.

لا شك أن أي إصلاحات اقتصادية، إذا كانت الظروف المحلية والخارجية مؤاتية، تتطلب وقتاً قبل أن تعطي ثمارها.

لكن ما إن مرت شهور على بدء الإصلاحات، حتى ظهرت التصريحات الرسمية وكتابات بعض الاقتصاديين المؤمنين بتوقيتها، مبشرة ببدء جني ثمارها داعمين آرائهم بإيجابية بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية، مثل ارتفاع إجمالي الناتج المحلي وزيادة الصادرات وتحسن السياحة، في ضوء بوادر عودة السياحة الروسية بعد انقطاع دام أكثر من سنتين، وتحسن الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وبدء معدلات التضخم بالانخفاض.

كما كسر ارتفاع احتياط النقد الأجنبي لدى البنك المركزي حاجز 37 مليار دولار في كانون الأول (ديسمبر) 2017 وبالتالي استقرار سعر الجنيه على مستويات تتراوح بين 17.5 و18.00 في مقابل الدولار.

لا شك أن تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية لا يستهان به، بشرط أن يكون المعنيون على دراية بخلفية هذا التحسن، ولا يأخذونه على علاّته في رسم سياستهم الاقتصادية. ك

ما يفترض أن تكون نتائج توصيات صندوق النقد الدولي مستدامة وتنقل البلد من وضع اقتصادي غير مرغوب فيه إلى وضع أفضل في الأجل الطويل وألا يكون التحسن موقتاً.

لا شك في أن انخفاض الاستيرادات السلعية من 61 مليار دولار إلى 51 ملياراً، وزيادة قيمة الصادرات السلعية من 18.4 مليار إلى 20.4 مليار خلال الأشهر الـ11 الأولى من 2017، أدى بحسب أرقام وزارة التجارة المصرية، إلى تقليص العجز التجاري بنسبة 26 في المئة أو بمقدار 12 مليار دولار.

وإذا أضيف إليه تحسن تجارة الخدمات كالسياحة وعائدات قناة السويس، كان متوقعاً أن ينعكس تحسناً على إجمالي الناتج المحلي الذي يتوقع له أن يرتفع من 247.6 مليار دولار في العام المالي 2017/ 2016 إلى 265.5 مليار في السنة المالية 2018 /2017 أي بزيادة 17.9 مليار دولار، وفي السنة المالية الحالية 2018/ 2019 إلى 307.8 مليار.

وتتوقع هيرميس (أكبر بنوك الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا)، أن يسجل الناتج المحلي نمواً بمقدار 4.8% هذه السنة.

مشكلة الصادرات

لكن المراقبين يرون أن انخفاض الاستيرادات، نتيجة للارتفاع الكبير في أسعارها بعد التعويم، لم يكن سببه انخفاض استيرادات غير ضرورية فقط، بل أيضاً انخفاض في استيرادات المواد الأولية التي تعتمد عليها المعامل والقطاعات الإنتاجية التي لا تستطيع شراءها بسبب الارتفاع الكبير في أسعارها.

أما الارتفاع المعتدل في الصادرات فيعود جزء منه إلى تحسن في صادرات الخدمات كالسياحة ورسوم المرور عبر قناة السويس، إضافة إلى بدء بعض حقول الغاز الطبيعي بالإنتاج والتصدير، وليس نتيجة لزيادة فعلية في الطلب على السلع الصناعية المصرية بعد انخفاض أسعارها نتيجة التعويم.

معروف أن مشكلة الصادرات السلعية المصرية هي عدم كفاية العرض أو الإنتاج وليس قلة الطلب. فمصر لديها اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي يسمح بزيادة تصدير السلع الصناعية بالكميات التي ترغب بها معفاة من الرسوم الجمركية.

كما لديها اتفاق «QIZ» (المناطق الصناعية المؤهلة) مع الولايات المتحدة، تستطيع أن تصدر بموجبه أية كميات مصنعة خصوصاً الملابس، بشرط أن تدخل فيها مدخلات إسرائيلية من دون تعرفة جمركية.

تعاني الصناعة المصرية منذ التعويم مشكلات إنتاج أكثر من أي وقت مضى. إذ يرى المستثمرون والصناعيون أن أسعار الفائدة الحالية تضر بمناخ الاستثمار ولا تشجع الشركات على القيام بتوسعات جديدة.

فالمشاريع الخاصة تجد صعوبة في تحقيق أرباح تساعدها على التوسع وزيادة الإنتاج في ظل ارتفاع أسعار المدخلات المستوردة، والتزامات تمثل 14% ضريبة مبيعات و22% ضريبة على الأرباح ومثلها كلفة اقتراض وفوائد.

وللسبب الأخير بدأ بعض الشركات المصرية الخاصة الكبيرة بالاقتراض من بنوك خارجية بفائدة 6.25% ولكن الصناعات الصغيرة والمتوسطة لا يمكنها الاقتراض من الخارج لضعف الضمانات المتوافرة لديها.

مع كل ذلك يظل تنامي الاقتراض الحكومي الداخلي والخارجي المشكلة الأكثر خطورة. فارتفاع احتياط البنك المركزي من النقد الأجنبي إلى 37 مليار دولار يتضمن 19 مليار دولار استثمارات أجنبية في أذونات وسندات الحكومة، ما يعد مصدر قلق لا سيما أنها يمكن أن تخرج من السوق في أية لحظة وفقاً للقانون. وآخر أرقام رسمية عن حجم الدَين الخارجي هو 79 مليار دولار.

أما الدَين العام المحلي فقد ارتفع إلى نحو غير مسبوق ببلوغه 3 تريليونات و67 مليار جنيه (170.8 مليار دولار) في نهاية آذار 2017، في مقابل 2 تريليون و496 مليار جنيه (138.6 مليار دولار) في الفترة ذاتها من العام السابق.

وتفرض الزيادة الكبيرة في حجم الدَين العام الداخلي والخارجي، زيادة كبيرة في مخصصاته من نفقات الموازنة العامة للدولة، بحيث بلغ النصيب النسبي لكلفة الدَين 43.4% من مجموع نفقات الموازنة، ما يعني أن ما يبقى بيد الدولة للإنفاق على الاستهلاك والاستثمار أقل من 57% من نفقات الموازنة. وعادةً تكون الأولوية لبنود الاستهلاك، خصوصاً الأجور والرواتب، ما يعني أنه لا يبقى للاستثمار إلا النذر اليسير.

صحيح أن الحكومة المصرية لم تتخلف لحد الآن عن تسديد ديونها ودفع الفوائد المستحقة في أوقاتها، إلا أنها تعقب كل تسديد باقتراض جديد وبتأجيل أمد بعض السندات الدولية وأمد تسديد ودائع دول مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية والكويت لسنوات. وأبدت مؤسسة «بلومبرغ» الأميركية تخوفها من احتمال أن تصادف مصر إضافة إلى دول أخرى، مشكلات في سداد ديونها في المستقبل كلياً أو جزئياً.

نستنتج مما سبق، أن الاقتصاد المصري لم يحقق لحد الآن نتائج مستدامة للإصلاحات التي تم تطبيقها، وإن غالبية المؤشرات الكلية التي يستشهد بها، لا يمكن التعويل عليها للوصول إلى استنتاج من هذا النوع بعد تحليل خلفيتها.

* ذكاء مخلص الخالدي كاتبة متخصصة بالشؤون الاقتصادية.

المصدر | ذكاء مخلص الخالدي | الحياة

  كلمات مفتاحية

مصر صندوق النقد إصلاحات اقتصادية الاقتصاد المصري تعويم الجنيه الاقتراض